الاعتداءاتُ التركية المستمرّة على روج آفا
ثمّةَ آلافُ إشاراتِ الاستفهام تتسابق إلى ذهن كلّ الناس في هذه المنطقة من الجغرافية السورية سأكتفي بطرح العديد منها على سبيل المثال:
أولاً: لماذا تتكرّر هذه الاعتداءاتُ بين الفينة والفينة؟
ثانياً: لماذا تصمت المنظمات والهيئات والمؤسّسات الدوليّة والإقليميّة؟
ثالثاً: لماذا لا تردع الدول الضّامنة والرّاعية لحفظ الأمن والاستقرار الاعتداءاتِ التركيةَ المتكررة على المنطقة؟
رابعاً: هل أكل القط لسانهم؟
خامساً: هل تركيا دولة فوق القانون الدولي تقصف المنشآت والمشافي والمعامل والمطابع وتقتل المدنيين والأبرياء وتدمر البنى التحتية وتنسف الأمن والاستقرار متى شاءت؟
سادساً: لماذا غابت سيادة القانون الدولي؟
سابعاً: لماذا لا تتحرك أمريكا وهي قائمةٌ على الأرض تقود التحالف ضد الإرهاب؟
ثامناً: وهل هناك إرهابٌ أبيضُ وإرهابٌ أسود؟
كلّ هذه الاسئلة تتكتّل وتتزاحم لتخرج بمعادلة “السياسة والمصلحة فوق كل اعتبار”.
فالاعتداءات التركية المتكرّرة واللّامنتهية ليست وليدة هذه اللحظة وإنّما تعود جذورها إلى عام ١٩٢٣ منذ تأسيس الجمهورية التركية، لكنّها تتطور وتتّخذُ أشكالاً وتتجدّد وفقاً للمرحلة ولعلّ أبرزَها الهجماتُ الأخيرة التي طالت كلّ مقومات الحياة في المنطقة وإذا أدخلنا هذه الاعتداءات الوحشية في ميزان السياسة وفق المنطق نستخلص ما يلي: تركيا متأزمّة داخلياً واقتصاديّاً فقدت مصداقيّتها بنسبة ٥٠% عند الشعب التركي، والنتائج الأخيرة في الانتخابات تثبتُ ذلك. كما تدنّت عملتها المحلية، وارتفعت أسعار المواد الأوليّة، وزادت العطالة ووصلت إلى نسبٍ مريبة ٤٤% ناهيك عن الممارسات اللّاقانونية الأخرى، مثل عدم التكافؤ في حقوق المواطنة، وكمّ الأفواه، ومحاربة الصحافة والإعلام وزجّ السياسيين في السجون، وخنق الحريات، وسياسة التضييق على النشطاء، والتدخل في شؤون القضاء حيث أصبحت دولة مركزية بيد ثلة من الطّغاة. تركيا أفلست دولياً بسبب ممارساتها السياسية البلهاء، واختلفت إقليمياً بسبب تدخلاتها في شؤونهم وأصبحت دولةً راعيةً للإرهاب ولو كانت عضواً في حلف الناتو.
– المجال الوحيد المفتوح لتصدير كل ما سبق ذكره هو محاربة الكرد والاعتداء عليهم مراراً وتكراراً لإسكات القوميّين الأتراك ولتخفيف الضغط الشعبي التركي فكلّما حدثت حادثة وقُتِل جنودٌ أتراك، تُّحلّق بمُسيّراتها وطائراتها لتنفث سمومها على روج آفا خراباً ودماراً لأنها عاجزة عن تحقيق أهدافها على ذرى جبال قنديل، ولتبرهن لشعبها في الداخل بأنّهم يسعون للانفصال وتقسيم الدولة التركية، وبحجة أمنهم القومي تأخذ الموافقة من الدولة العميقة في أمريكا وتستغل هذه الموافقة لضرب ما تشاء ضمن إطارٍ زمنيّ محدّد لتقويض الاستقرار والأمن من جهة ولدفع الناس للهجرة من جهة أخرى وكذلك لضرب الاقتصاد في المنطقة.
فهذه المسرحية المتكررة على مرأى وسمع كل المنظمات والهيئات الدولية تؤكّد سياسة الكيل بعدة مكاييل و”المصالح فوق كلّ اعتبار”، والدول الضّامنة هي ضامنة لمصالحها فقط وليس لدرء الخطر وحفظ الأمن في المنطقة وبالتالي تتشدّق بشيء وتضمر شيئاً آخر كما هو الحال مع روسيا وإيران، فهم جميعاً يشكلون حلقة واحدة ضد الوجود الأمريكي وتقويض مشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا والذي يمثل القاسم المشترك الوحيد بين سوريا وتركيا وإيران.
ولا يخفى على أحد بأنّ هذه الاعتداءات ليست آنيّةٌ وعفويّة، بل هي مبرمجة ومخطّطة وهي جزءٌ من الصراع العالمي تخبو تارةً وتشتعل تارةً أخرى تبعاً للظروف الدولية والإقليمية والداخلية. ومهما يكن فإنّ السياسة مطلوبة والتصرف بحكمة وعقلانية يخفّف الأعباء والمخاطر لأنّ المسرحيّة باتت مكشوفة واللاعبون معروفون يؤدون أدوارهم وفق ما يرسمه لهم المخرج. فحلّ الأزمة لا يزال متأرجحاً ما بين مصالح الدول الكبيرة.
ما لم تتبلور هذه المصالح فالأزمة ستظل قائمة والاعتداءات ستظل متكررة.
المقالة تعبر عن رأي الكاتب