تداعيات الضربات الإسرائيلية
عبد الرزاق علي

المقالة تعبر عن رأي الكاتب
وأخيراً نفّذت إسرائيل ما كانت تتوعّد به إيران مراراً وتكراراً في كل مؤتمر أو محفل وبدون تلكّؤ غير آبهةٍ بتداعيات الضربة.
إذاً؛ أطلقت إسرائيل الصفارة إيذاناً بتطبيق مشروع الشرق الأوسط الجديد انطلاقاً من فلسطين وانتهاءً بطهران.
وقعت الضربة رغم حملات التضليل من قبل واشنطن ودوائر صنع القرار الأمريكي، ورغم خيار السلام للرئيس ترامب وعدم الاستجابة لدعوة الزعيم الروسي بوتين بنزع فتيل الضربة التي كانت قادمة لا محالة؛ وهذا يدلّ على أنّ أمريكا وإسرائيل صنوان لا يفترقان، وإن اختلفتا فهو اختلاف في الشكل وليس في المضمون، وفي الواجهة وليس في العمق؛ فالعملية بمجملها مسرحية مخطّطة ومتقنة الأداء، وهي عبارة عن عملية توزيع للأدوار.
هذه الضربة كانت مخطّطة في توقيتها ومبرمجة ومرسومة في أهدافها، حيث قطفت رؤوس القادة العسكريين والعلماء النوويين؛ وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على مدى هشاشة النظام الإيراني بكافة أشكاله وألوانه، بدءاً من الحرس الثوري وانتهاءً بالعلماء. وهذا يوضّح أنّ النظام مُخترَق من بابه إلى محرابه. ومن كان يهدّد ويتوعّد إسرائيل فقد غُيِّب تماماً عن المشهد السياسي، فقد كانت إيران سهلة المنال، ولو لم تكن كذلك لما رأينا ما آلت إليه الضربة التي دكّت عروشها، وهذه ليست المرة الأولى بل سبقتها مرّات ومرّات من استهداف علماء وقادة ومن والاهم من أمثال إسماعيل هنية.
فعبر أجهزتها الاستخباراتية وتقنياتها التكنولوجية المتفوّقة واستغلالها لكوادر ضمن النظام الإيراني نفّذت إسرائيل الضربة بإحكام، ولا يخفى على أحدٍ أنّ لديها عملاء في الداخل الإيراني، وقد استغلت اسرائيل أجواء سوريا والأردن والعراق لتنفيذ هذه العملية، وربّما هناك تعاون إقليمي ودولي في إنجاح هذه العملية.
استطاعت إسرائيل أن تحدّ من سطوة النفوذ الإيراني في المنطقة؛ فهي التي قلّمت أظافرها؛ من حماس وحزب الله وميليشياتها المختلفة في سوريا وجماعة الحوثيين في اليمن، ونالت من هيبتها وكسرت شوكتها داخلياً وإقليمياً ودولياً.
لهذه العملية تداعيات متعدّدة؛ بدءاً من الكرد الذين هم في الصف الأول من المعارضة والمواجهة، وصولاً إلى الإثنيات والطوائف الأخرى للقيام بالمظاهرات والاحتجاجات ضدّ هذا النظام المستبد.
وكذلك اطمأنّ مَن يتاخم إيران في الحدود بأنّ خطرها قد خفّ، وأنّ ما كانت تدّعيه إيران من قوة وكبرياء قد أصبح واهنا كبيت العنكبوت. لقد بات النظام الإيراني في مأزق حقيقي حول كيفية الردّ والمواجهة، وهذه الضربة كانت قاصمة للدول التي كانت تبني استراتيجياتها مع إيران، وعلى رأس القائمة الصين، وكانت تسعى لدعم إيران بغية الوصول حتى إلى السلاح النووي، وقد تداعى الحلف الصيني – الروسي – الإيراني تحت وطأة الضربات الإسرائيلية.
الآن بدأت ملامح الشرق الأوسط الجديد تتبدّى من خلال المشهد السياسي الإيراني، وأصبح الشغل الشاغل لإيران هو كيفية المحافظة على مركزيتها، حيث انعكست عليها كل نتائج أنشطتها في الداخل والخارج؛ فهي جريحة وتئنّ تحت وطأة الضربات، ولاتزال تلك الضربات مستمرّة.
أمّا الحديث عن الملفّ النووي فقد أُسدِل عليه الستار ويحتاج إلى الكثير من الهدوء والاستقرار، وهما مفقودان الآن تماماً.
وما نفهمه وندركه هو أنّ استخدام القوة المفرطة هو بمثابة إعلان لانطلاق المشاريع في المنطقة.
وإذا انحنت إيران مع هذه العاصفة المدويّة، فهذا يدلّ على أنّها في عُجالة من أمرها لتسريع عجلة المخطّطات القادمة إلى المنطقة. لذا؛ من الحكمة أن تقرأ إيران المشهد السياسي الدولي بشكل أعمق، وإلّا فإنّ القطار سيفوتها، وهي الآن في المحطة الأخيرة.