ترامب والمهلة الأخيرة في الحرب الإيرانية – الإسرائيلية.. الدوافع والتوقّعات
د. أحمد سينو


لازالت الحرب الدائرة بين إيران وإسرائيل مستمرة وقد فاقت التوقّعات في استمراريتها، وألحقت أضراراً كبيرة بالجانبين؛ شملت بعض المنشآت النووية الإيرانية وقواعد الصواريخ الباليستية الإيرانية والمنشآت النفطية والموانئ والمصافي، كما طالت الضربات الإسرائيلية القيادات الإيرانية من الحرس الثوري وبعض العلماء النوويين الإيرانيين.
ردت إيران على كل الهجمات الإسرائيلية بعد أن فاقت من صدمة الضربة الأولى، وقد رفضت إيران استئناف المفاوضات في مسقط في سلطنة عمان وسط الهجمات الإسرائيلية، وأشارت إلى أنّه لا جدوى من المفاوضات مادامت الحرب قد بدأت بين الجانبين الإسرائيلي والإيراني، وكان سقف التصريحات من الجانبين عالياً؛ حيث طالب ترامب إيران بالاستسلام الكامل للولايات المتحدة الأمريكية، وردّ المرشد الأعلى علي خامني بقوله: “مَن يعرف تاريخ إيران يعرف أنّها لن تستسلم، وأنّ إيران لا تعتدي على أحد، كما أنّها لا تسمح لأحد بأن يعتدي عليها”. ورغم عدم الجلوس بشكل رسمي للمفاوضات بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، إلّا أنّ الاتصالات لم تنقطع بين وزيرَي الخارجية الإيران والأمريكي بشكل مباشر، كما تشارك أطراف من مجموعة الدول السبع للسعي لإنهاء الحرب والتهدئة، كما أنّ هناك أطرافاً أوربية تتفاوض مع الولايات المتحدة الأمريكية، مثل المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وغيرها، للوصول إلى تسوية نهائية لهذه الحرب خشية تفاقمها وتوسّعها، وخشية أن تسبّب دماراً وتؤدّي بمصالح الجميع إلى الهاوية.
كما حذّرت روسيا الولايات المتحدة من الدخول والمشاركة في هذه الحرب، وأعلنت الصين ومن ورائها كوريا الشمالية أيضاً دعمها العلني لإيران، ناهيك عن الأذرع الإيرانية، مثل حزب الله في لبنان الذي تلقّى تحذيراً من إسرائيل من خلال رسالة موجّهة إلى الأمين العام للحزب، نعيم قاسم، والحوثيين الذين هم رهن إشارة المرشد الأعلى في إيران، ومنظمة حماس في غزة التي لازالت تحتفظ بالرهائن غير آبهة بتدمير غزة عن بكرة أبيها، وحالياً فصائل الحشد الشعبي تستعد ربما للحظة الأخيرة لتشنّ الهجوم ضدّ القواعد الأميركية في شمال شرقي سوريا، وقاعدة عين الأسد في العراق، والقواعد الامريكية في سوريا رغم تعاون الحكومة السورية، برئاسة أحمد الشرع، مع بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية وحتى مع إسرائيل، لمواجهة الفصائل الإيرانية وفصائل الحشد الشعبي وغيرها، مثل فصيل النجباء الشيعي وغيره؛ الأمر الذي سيدفع بتشكيل حلفَين أساسيَّين مساندَين لطرفَي الحرب بين إيران وإسرائيل، وهو ما سيهدّد بقيام حرب عالمية ثالثة إذا لم يتم نزع الفتيل بين الجانبين؛ فالحلف المساند لإسرائيل سيتشكّل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والنمسا وباقي دول الاتحاد الأوربي إضاقة إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو). أمّا الحلف الموالي لإيران فسيتشكّل من كل من روسيا الاتحادية والصين وكوريا الشمالية وربما الجزائر ومصر وغيرها.
خاصة أنّ الرئيس ترامب قد أعطى مهلة أسبوعين من أجل حل الصراع والدخول في مفاوضات تنهي الحرب بين الجانبين. وقد يعود سبب تراجع ترامب عن شروطه المتشدّدة (استسلام غير مشروط) إلى انقسام داخل الحزب الجمهوري حول هذه الحرب وحول مشاركة أمريكا بنفسها للقضاء على مفاعل “فوردو” النووي القابعة تحت الأرض بعمق 90 متراً تقريباً؛ وهو ما سيدفع أمريكا لاستخدام قنبلة تزن أكثر من 13طناً وتحملها طائرات خاصة أمريكية من طراز B-2)) الشبيهة بطائرات الشبح الامريكية.
كما أنّ دونالد ترامب نفسه يبدو حائراً، ويقول “قد أفعل وقد لا أفعل”، وسوف يخضع لمراكز الضغوط الداخلية، مثلما طلب منه “الكونغرس العالمي لليهود” مساندة إسرائيل في حربها، ويمكن القول أنّ هذه المهلة قد أُعطيت بفضل التدخّل الصيني والتدخل الروسي لصالح عقد اتفاق نووي يحقّق مصالح جميع الأطراف من الدول المتحالفة مع إسرائيل والدول المساندة لإيران، بما يحقّق الأمن الإقليمي لجميع الدول في منطقة الشرق الاوسط والمجاورة لإيران. وبالتالي؛ يمكننا توقّع مظهرين من مظاهر الحرب إذا تم عقد المفاوضات بين الجانبين قبل مشاركة الولايات المتحدة لضرب مفاعل فوردو:
* سيبقى النظام الإيراني قائماً شرط أن يتخلّى عن تنشيط اليورانيوم والقوة الصاروخية البالستية.
*سيتمّ التخلّي عن جميع الأذرع الإيرانية على الاقل وتحويلها إلى قوىً سياسية دون سلاح كما حماس والحوثيين والحشد.
*تفكيك الحرس الثوري الإيراني وتحسين شروط حقوق الإنسان في إيران لجميع الشعوب الإيرانية.
* تأمين حرية الملاحة في مضيق هرمز ومضيق باب المندب في الخليج والبحر الأحمر
* رفع العقوبات الأمريكية عن إيران ولكن بالتدريج وعلى مراحل.
ومع دخول الولايات المتحدة الحرب بشكل مباشر إلى جانب إسرائيل والقضاء على المفاعل النووي في فوردو فإنّ التوقّع سيكون كالتالي:
* ستكون آثار الضربة كارثية على إيران من حيث الدمار وانتشار الإشعاعات والتلوّث البيئي الكبير.
* تغيير النظام الإيراني وتحريك الشعوب الإيرانية ووصول قوى وطنية مدنية دستورية تضع دستورًا للبلاد وقد تضع أنظمة ديمقراطية.
* لا يمكن أن تقبل الشعوب الإيرانية بعودة نظام الشاه السابق رضا بهلوي أو ابنه.
* رفع العقوبات الأمريكية والأوربية عن إيران وتحسين الوضع الاقتصادي، وقد يحتاج ذلك إلى بعض الوقت.
حل المسائل والقضايا للشعوب الإيرانية من العرب والكرد والأذريين والبلوش وفق القوانين والدساتير الحديثة التي تضمن المساواة للجميع.
* تشكيل إداري جديد في إيران؛ مثل تكوين فيدراليات لجمع الشعوب والقوميات وفق مناطقها الجغرافية.
كلمة أخيرة:
بعد التطوّرات الأخيرة على مسار الحرب بين الطرفين، سنراقب خلال الأسبوعين القادمين لنرى كيف هي الأمور الآن وإلى أين ستتّجه فيما بعد.