سوريا بؤرة الصراع الدولي

تشكل الأزمة السورية معضلة القرن الحادي والعشرين وبؤرة الصراع الإقليمي والدولي، فاختلاف توجهات وأهداف الدول الاقليمية والدولية “تركيا وإيران وروسيا والولايات المتحدة” أدت إلى إطالة الأزمة السورية لثماني سنوات دون الوصول إلى حل سياسي ينهي الأزمة حتى بعد القضاء على تنظيم داعش جغرافياً على يد قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب والمرأة بدعم من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.
فتركيا التي ماتزال المسبب الأول بإطالة الأزمة السورية لدعمها واحتضانها للجماعات المسلحة “داعش وأحرار الشام ودرع الفرات وجبهة النصرة”، حيث ترى في سوريا ولاية عثمانية من خلال إحيائها للميثاق المِلّي فبعد احتلال جرابلس والباب وإعزاز وإدلب وعفرين، اتجهت بأنظارها نحو شمال وشرق سوريا “شرق الفرات” وإنهاء المشروع الديمقراطي في المنطقة. أما إيران فتحاول تنفيذ مشروعها بالوصول إلى البحر المتوسط خاصة بعد تنازل النظام لها عن إدارة ميناء اللاذقية، رغم امتعاض روسيا لذلك ورغبة إيران في السيطرة على طريق طهران بغداد دمشق بيروت وتثبيت أقدامها في المنطقة. أما روسيا ودفاعها ودعمها للنظام، ترى في سوريا منطقة جيوسياسية هامة لحماية أمنها القومي خاصة بعد إقامة قاعدتين عسكريتين لها في سوريا “حميميم وطرطوس” ووضع يدها على أغلب الثروات السورية “النفط والغاز والفوسفات”. أما الولايات المتحدة ونتيجة التمدد الروسي الإيراني في سوريا فترى أن بقاءَها في شمال وشرق سوريا وتحالفها مع قوات سوريا الديمقراطية ضروري للحفاظ على مصالحها في الشرق الأوسط خاصة في منطقة الخليج وحماية أمن إسرائيل.

حيث أن اختلاف أهداف تلك الدول قد يؤدي بالبدء بمرحلة جديدة وهي مرحلة صراع ما بين الدول “الولايات المتحدة وتركيا وروسيا وإيران” في سوريا للحفاظ على مكتسباتهم. فتركيا التي أبرمت صفقة اس400 مع روسيا وإصرار أردوغان على إتمام الصفقة، قد وضعت نفسها في موقف محرج مع الولايات المتحدة، حيث تدرك تماماً بأنها لن تستطيع الابتعاد عن الولايات المتحدة أكثر والمضي بتلك الصفقة التي ترى فيها الولايات المتحدة خطراً على حلف الناتو، كما وستتعرض تركيا لعقوبات اقتصادية أمريكية ستؤثر بشكل مباشر على اقتصادها الذي يعاني أساساً من مشكلات بسبب سياسة أردوغان الاقتصادية والخارجية والتي أدت إلى تدهور الليرة التركية، وبالتالي فإن تركيا في نهاية المطاف قد تلغي صفقة اس400، مما قد سينعكس سلباً على علاقاتها مع روسيا التي غضّت الطّرْف عن مقتل سفيرها في تركيا وإسقاط طائرتها ومقتل طياريها وتنازلها عن عفرين لها، حيث كان الهدف الروسي من كل ذلك هو إبعاد تركيا عن الولايات المتحدة وربطها بفلكها خاصة بعد محاولة الانقلاب العسكري في تركيا 15/7/2016، مما قد يؤدي بروسيا إلى القيام مع النظام بشن عملية عسكرية على إدلب وقيام قوات سوريا الديمقراطية بتحرير عفرين من الاحتلال التركي مما قد يعني إخراج تركيا من الشمال السوري، واجتماع رؤساء أركان كل من العراق وإيران والبلد المضيف “سوريا” 18/3/2019 لبحث التنسيق العسكري بين الدول الثلاث قد يدخل في خدمة تلك العملية ، إلا أن عودة تركيا إلى أحضان الولايات المتحدة الأمريكية قد تمنع روسيا بشن عملية عسكرية على إدلب “إحدى الشروط التركية مقابل عودتها”، بحجة عدم حدوث أزمة إنسانية جديدة، كما أن تلك المناطق المحتلة من قبل تركيا يعني أنها مناطق تابعة لحلف الناتو كون تركيا عضواً فيها. كما أن هذه العملية في حال حدوثها، تتطلب توافقاً روسياً أمريكياً وذلك تجنباً لحدوث أزمة إنسانية في إدلب. كما أن التوافق الروسي الأمريكي قد يتطلب إخراج القوات الإيرانية وميليشياتها من سوريا أيضاً، كون إيران تشكل تهديداً على أمن اسرائيل وتضع روسيا في مواقف محرجة، نتيجة الضربات الإسرائيلية المستمرة على المواقع الإيرانية في سوريا، مع رغبة روسيا بعودة الاستقرار إلى سوريا وإنهاء الأزمة السورية التي أصبحت تؤرّق الاقتصاد الروسي والبدء بمرحلة استثمار الثروات السورية لإنعاش اقتصادها. كما أن العداء التركي الإيراني العراقي السوري للقضية الكردية وعدم منحهم الحقوق السياسية والدستورية في المنطقة وبالأخص في سوريا سيشكل تحدياً جديداً للولايات المتحدة بسبب رغبة الولايات المتحدة الاعتماد عليهم من أجل تثبيت أقدامها في المنطقة سواء في باشور كوردستان أو روج آفا “شمال وشرق سوريا.

فإخراج القوات الإقليمية “تركيا وإيران” من سوريا باتت ضرورة ملحة لروسيا والولايات المتحدة لتجنبهما لأي صدام أو خلافات جديدة، نتيجة التدخلات التركية والإيرانية في الأزمة السورية التي أصبحت تشكل عبئاً عليهم ومن أجل الحفاظ على الأمن والاستقرار العالمي، فالأزمة السورية والتّواجد الأمريكي والروسي سيغير ملامح المنطقة في المستقبل.

زر الذهاب إلى الأعلى