سوريا وسياسة “النأي بالنفس” في أزمة غزة وتبعاتها

الأوضاع الداخلية والإقليمية والدولية تلعب دورًا مهمًّا في تحديد سلوك الدول، ولكن؛ هل حقًّا أنّ سوريا تتبع سياسة “النأي بالنفس” في أزمة غزة؟

في خطابه قبل الأخير استثنى حسن نصرالله (زعيم حزب الله اللبناني) سوريا كشريك محتمَل  للردّ على إسرائيل، خاصة بعد مقتل إسماعيل هنية (رئيس المكتب السياسي لحركة حماس) وفؤاد شكر (نائب أمين عام حزب الله في بيروت)؛ وهذا يعني أنّ  محور المقاومة ضدّ إسرائيل، والذي يتألّف من إيران وسوريا وحزب الله والحوثيين في اليمن والحشد الشعبي في العراق، قد أعفى أهمّ أعضائه من الاشتراك  في الهجوم على إسرائيل؛ وهذا أمر مثير للانتباه، لأنّ سوريا جبهة مهمّة في محور المقاومة على حدود إسرائيل مباشرة، فلماذا تحييد سوريا في هذا الوقت بالذات؟ وهل هذا يعني أنّ جبهة الممانعة في طريقها الى الانقسام؟

أعتقد أنّ تحييد سوريا أو إعفاءها من الاشتراك في الحرب المحتمَلة ضدّ إسرائيل يعود إلى عدّة عوامل تتعلّق بالسياسات الدولية والاستراتيجية، ويمكن أن يكون التوازن الإقليمي من بين الأسباب المحتمَلة لذلك؛ فقد يسعى المجتمع الدولي إلى الحفاظ على التوازن الإقليمي في الشرق الأوسط لتفادي تصاعد الصراع بشكل لا يمكن السيطرة عليه، وتحييد سوريا قد يكون جزءًا من استراتيجية أوسع لتجنّب تصعيد وتوسيع رقعة النزاع.

والسبب الأهم هو الوضع الداخلي السوري الهشّ؛ بسبب النزاع المستمرّ والأزمة الاقتصادية، فإشراك سوريا في صراع آخر يمكن أن يؤدّي الى تفاقم الوضع الداخلي، كما يمكن أن يزيد من الضغوط على الحكومة السورية؛ وهي أقلّ قدرة على التفاعل  بشكل حاسم مع الصراعات الإقليمية، خاصة أنّ العلاقة بينها وبين حماس قد توتّرت  منذ بداية الأزمة السورية؛ فقد اتخذت حماس موقفًا محايدًا أو داعمًا أحيانًا من المعارضة السورية، كما توتّرت العلاقة بين الطرفَين على خلفية انتقاد حماس  للسلطات السورية بعد الاحتجاجات الشعبية  في عام 2011 وأقفلت حماس مكاتبها في دمشق عام  2012م.

والدور الدولي مهمّ أيضًا في هذه القضية؛ فقد تكون لروسيا والولايات المتحدة الأمريكية مصالح خاصة في الحفاظ على استقرار سوريا أو تحييدها، وبالتالي؛ تجنيبها ضربات مؤلمة أو قاضية، كما أنّ هناك بعض الأطراف الدولية قد تعمل أيضًا على تحييد سوريا؛ كجزء من جهود دبلوماسية أوسع تتعلّق بالسلام والاستقرار في الشرق الأوسط.

فقد ذكر دبلوماسي غربي لوكالة الصحافة الفرنسية أنّ “الأسد قد تلقّى تحذيرًا من إسرائيل بتدمير نظامه إذا ما استخدمت إيران وغيرها أراضي سوريا لشنّ هجمات ضدّها”.

ولكن العامل الحاسم في مسألة “النأي” أنّه إذا ما حصل فسيحصل نتيجة تفاهم روسي – إيراني على أساس أنّ الوضع السوري لا يسمح بإدخال سوريا في معركة معروفة النتائج.

ولكن؛ هل تستطيع سوريا أن تنأى بنفسها عن الحرب ضدّ إسرائيل حتى لو أرادت ذلك؟

الحقيقة أنّ النظام السوري قد حرص منذ بدء الحرب في غزة على عدم الانجرار إليها، ففي الوقت الذي سارع فيه حلفاء إيران في العراق واليمن ولبنان إلى فتح جبهات ضدّ إسرائيل دعمًا لحماس، بقيت جبهة سوريا مع إسرائيل هادئة إلى حدّ كبير، ولم يحرّك بشار الأسد ساكنًا عندما قصفت إسرائيل السفارة الإيرانية في دمشق، وليس هذا فحسب؛ فمنذ اندلاع الأزمة السورية يحاول الأسد الموازنة بين حليفتَيه إيران (التي تدعم الراديكاليين ضدّ إسرائيل) وروسيا (التي تدفع باتجاه الاستقرار في المنطقة لحماية مصالحها.

وأكّد مسؤول أمنيّ أوربيّ في 21 آب 2024 لصحيفة (وول ستريت جورنال) أنّ “بشار الأسد قد أبلغ إيران أنّه لا يريد الانجرار إلى الحرب، أو السماح بشنّ هجمات ضدّ إسرائيل انطلاقًا من الأراضي السورية”. وهذا إنّ دلّ على شيء فإنّما يدلّ على أنّ الأسد قد اختار واعتمد رأي الحليف الروسي.

ومنذ الأيام الأولى للحرب على غزة كانت “دبي” قد حذّرت الأسد من التدخّل في الحرب أو السماح بشنّ هجمات ضدّ إسرائيل انطلاقًا من الأراضي السورية، ولكن؛ نظرًا للوجود العسكري الإيراني الواسع في سوريا، هل ستدخل سوريا الحرب مُكرَهة إذا ما اندلعت على نطاق واسع؟

من المؤكّد أنّ سوريا لن تدخل الحرب إذا أرادت النأي بنفسها، ولكنّ الأراضي السورية ستكون جزءًا من رقعة الحرب؛ فجبهة الجولان مهمّة لمحور المقاومة، وستُجبَر سوريا على دخول الحرب فيما لو اتّسعت رقعتها.

والعامل الأهم الذي يدعم فكرة الحياد السوري يتمثّل في تقدّم العلاقات السورية – السعودية، وأنّ تحييد سوريا بات مطلبًا عربيًا ومطلبًا أمريكيًا ومطلب بعض الدول الأوربية أيضًا.

زر الذهاب إلى الأعلى