الرئيس الإيرانيّ الجديد… التحدّيات الدولية والإقليمية والحلول المرتقَبة

           

 

لسنا هنا بصدد الحديث عن تاريخ إيران ولا عن الثورة الإيرانية ولا عن الانتفاضات والاحتجاجات التي طالت مختلف مناطق الهضبة الإيرانية، بما فيها المكوّنات والقوميات التي عانت من قسوة السلطات الإيرانية كالبلوش والكرد والعرب والأذريين، ناهيك عن المكوّنات الإثنية والدينية المختلفة كالسنّة والكاكائين والزردشتيين، والشيعة الذين لا يؤمنون بولاية الفقيه وغيرهم.

أزمات إيران الداخلية:

 النظام الإيراني تسبّب بالعديد من الأزمات الاقتصادية وتردّي الأحوال المعيشية وتدهور العملة الإيرانية أمام الدولار، علمًا أنّ إيران من أقوى الدول في المنطقة اقتصاديًا، حيث يبلغ  إنتاجها النفطي أكثر من 10 مليون برميل يومياً، ولكنّها  تنفق المليارات على القوى التي تقاتل عنها بالوكالة؛ مثل حزب الله في لبنان، وحماس والمنظّمات الفلسطينية الأخرى، والحشد الشعبي في العراق، ومقاتليها في سوريا، والحوثيّين في اليمن، عدا عن تصدير آلاف الأطنان من الصواريخ والمسيّرات لهذه الجهات المذكورة؛ الأمر الذي خلق رفضاً شعبياً واستياءً كبيراً لدى المواطنين الإيرانيين من كلّ المكوّنات، ودفع بأكثر من 60% من المواطنين للإحجام عن المشاركة في  معظم الانتخابات التي جرت في السنوات الأخيرة، خاصة في الجولة الأولى من منها، ناهيك عن الدور السلبي الذي لعبته شرطة الأخلاق سيّئة الصيت في إيران، والذي أدّى إلى مقتل الفتاة الكردية “مهسا أميني” واندلعت إثرها ثورة المرأة والتي شملت معظم مناطق إيران وأقلقت النظام الإيراني وبثّت الرعب في أوصال “علي خامنئي” المرشد الأعلى للثورة الإيرانية؛ لأنّها نالت التأييد في معظم الأوساط الإيرانية والمنطقة والعالم.

 إذًا؛ الأزمات الداخلية الإيرانية كثيرة وتتفاقم، فمن سياسية وحقوقية مع العرب في إقليم “الأهواز” أو ما تسمّيه المصادر العربية “إقليم عربستان” أو “الأحواز” لأنّ غالبية السكان مهمّشون من الناحية الاقتصادية والحقوقية ومن ناحية الخدمات، رغم أنّ غالبية النفط الإيراني من مناطق “الأهواز” بما فيها موانئ تكرير النفط والتصدير، ويمارس النظام الإيراني ومن ورائه المحافظون سياسة القمع والقسوة تجاه كلّ المعارضين والناشطين والحقوقيين من العرب وتتنكّر لهويتهم القومية والدينية، كما تمارس السياسة ذاتها حيال الكرد في مناطق مهاباد وسنندج؛ فيشنّ النظام الإيراني الهجمات تلو الأخرى ضدّ المناطق الحدودية مع باشور كردستان” بحجّة التدخّل الإقليمي من الحركة الوطنية الكردية، والأمر ذاته يحدث مع “إقليم “بلوشستان” لقمع الحركات الوطنية والتحرّرية، كما شنّ هجمات ضدّ الأراضي الباكستانية؛ وبدورها ردّت باكستان بعنف على التجاوزات الإيرانية، وكاد الأمر أن يخلق أزمة سياسية بين الدولتين الجارتين، لكن الوضع كان مختلفاً مع جمهورية باكستان، وهو ما دفع النظام الإيراني إلى التراجع والاعتذار، وفي الشمال ليست الحال بأفضل مع الأذريّين وغيرهم، وكذلك في مناطق إيران المختلفة في “لورستان وطهران” وغيرها؛ فهل سيتمكّن الرئيس الإصلاحي الجديد “بزشكيان” من خلق بدائل وسيناريوهات جديدة للوضع الداخلي؟ تبقى الإجابة مرهونة بالأيام والسنوات القادمة والأحداث، وتتعلّق بصلاحيات الرئيس “بزشكيان” وهل سيتمكّن من خلق فرق جديد رغم وجود بعض القيود التي وضعها “علي خامنئي” المرشد الأعلى للثورة الإيرانية ومجلس صيانة الدستور؟

أزمات إيران الدولية والإقليمية:

وفق المنظور السياسي القريب؛ فقد وصلت معظم الأزمات الدولية مع إيران إلى طريق مسدود، خاصة منها ما يتعلّق بالملفّ النووي الإيرانيّ، والعقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران، وتجميد الأموال الإيرانية في البنوك الأمريكية والأوربية، وتحرير التجارة الإيرانية مع الغرب والمنطقة؛ والتي تدرّ عليها الأموال بالمليارات، بالرغم من علاقات إيران المتميّزة مع روسيا الاتحادية والصين الشعبية وكوريا الشمالية، ورغم المساعدة في الحرب الأوكرانية، فهناك أزمة التدخّل في سوريا والهيمنة على المطارات المدنية والعسكرية، وتعزيز وجود الحرس الثوري الإيرانيّ وفصائله الموالية في معظم المناطق الشمالية والغربية والجنوبية حتى حدود دير الزور والبوكمال؛ لضمان مرور الأسلحة والذخائر والصواريخ والمسيّرات إلى دمشق وحلب وبيروت من الطرف العراقي الواقع تحت مظلّة كتلة محمد شيّاع السوداني الشيعية الموالية لإيران، وهناك أيضاً الصراع الحالي مع إسرائيل في حرب غزة والاجتياح الإسرائيلي بحثًا عن الأسرى الإسرائيليين المختطَفين لدى حماس والجهاد الاسلاميّ، ومساندة حزب الله اللبنانيّ وتدخّله في شنّ الهجمات ضدّ إسرائيل، خاصة في الشمال المجاور للحدود اللبنانية، ومصادرة القرار اللبناني وقرار رئيسه ومجلسه النيابيّ؛ فشنّ الحرب ليس من صلاحيات حزب الله في لبنان، بل يعود إلى الحكومة اللبنانية وحدها. وهناك أيضًا مساندة الحوثيين في اليمن والبحر الأحمر لحرب غزة وحماس لضرب التجارة النفطية العالمية؛ الأمر الذي دفع ببريطانيا إلى الدخول في هذه الحرب ولو جزئياً لحماية سفنها ومصالحها في التجارة العالمية بتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية.

كلّ هذه الأزمات والتدخّلات الإيرانية تمثّل أوراق ضغط إيرانية على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من أجل حلّ مشكلة الملف النووي الإيراني والتخلّص من العقوبات الدولية المفروضة على إيران، وتحرير الأموال الإيرانية المجمّدة، والاعتراف بمصالحها كدولة إقليمية نافذة في منطقة الشرق الأوسط؛ فهل سيتمكن “بزشكيان” من حلّ كلّ هذه الملفّات العالقة؟ وهل سينجح سيناريو المرشد الأعلى “علي خامنئي” لتهيئة الأجواء الداخلية والإقليمية والدولية لإخراج إيران من عنق الزجاجة؟ وكيف جرى ترتيب هذا الإعداد للسيناريو المرتقَب؟

لعبة المرشد الأعلى في تهيئة رئاسة الجمهورية:

استشعر المرشد الأعلى للثورة الإيرانية وجوب القيام بتغيير داخليّ وإقليميّ ودوليّ؛ لخلاص إيران من أزماته وتخفيف العبء الاقتصادي وتحسين مستوى المعيشة المنخفض لدى الشعوب الإيرانية، خاصة أنّه يراقب التغيّرات السياسية والانتخابية في فرنسا وفي بريطانيا وفوز حزب العمال البريطاني، كما يراقب الانتخابات الأمريكية حامية الوطيس، ومناظرات الرئيس “بايدن ضعيفة الأداء أمام الرئيس السابق “ترامب”، ومحاولة الاغتيال التي تمّت والتي خرج منها “ترامب” قويأ ومتماسكا رغم الغموض الذي اكتنف عملية محاولة الاغتيال وتثير الشكوك والتساؤلات؛ أمام كلّ هذا تحطّمت طائرة “إبراهيم رئيسي” الرئيس السابق لإيران، والذي كان من المتوقّع أن يخلف المرشد الأعلى للثورة الإيرانية “علي خامنئي” والذي بدوره أثار الشكوك واكتنفه الكثير من الغموض والتساؤلات.

أعدّ المرشد الإيراني للانتخابات الإيرانية وبمساعدة وتعاون كلّ الهيئات القيادية في إيران، والتي لا تحيد عن مشورته مع مجلس صيانة الدستور والحرس الثوري، وقع الاختيار على خمسة مرشّحين؛ معظمهم محافظون، ومرشّح إصلاحيّ واحد هو مسعود بزشكيان، وكان الإقبال ضعيفا لم يتجاوز 40%  ودعا “خامنئي” الشعب الإيراني مبشّراً بتغيّرات قادمة وإنجازات لتحفيز الإقبال على الانتخابات، خاصّة في الجولة الثانية التي شهدت تشتّت أصوات المحافظين بين المرشّحين الأربعة، بسبب برامجهم المتشدّدة، بينما تركّزت أصوات جميع الإصلاحيين لصالح مرشّحهم “مسعود بزشكيان” الذي ضرب على الوتر الحسّاس في خطاباته بعد الفوز، فوعد بتحسين الأوضاع الاقتصادية، وإقامة أفضل العلاقات مع دول الجوار، وتحقيق المشاريع التنموية وفتح طرق التجارة مع كلّ الجهات والأطراف، وفي 6 يوليو أُعلِن عن فوز “بزشكيان” رئيسًا للجمهورية الإسلامية الإيرانية، ويبدو أنّ المرشد قد نجح – مؤقّتاً- في السيناريو الذي أعدّه لرئاسة الجمهورية الإيرانية لتحقيق الانفتاح على الغرب ورفع العقوبات الاقتصادية، فهل سينجح بزشكيان في الوعود التي قطعها للناخبين؟ سنحاول أن نرى ذلك.

سيناريو الانفتاح والملف النووي الإيراني:

خلال الاحتجاجات في إيران والتي شملت معظم المدن الإيرانية لم تعلن أمريكا مساندتها للشعب الإيراني، بما فيها ثورة المرأة الإيرانية التي اندلعت إثر مقتل “مهسا أميني” أو “جينا أميني” على يد شرطة الأخلاق الإيرانية، بل صرّحت أنّها ليست بصدد تغير النظام الإيراني، وإنّما ترغب في تغيير سلوكه. وفي الوقت الذي توقّفت فيه مفاوضات الملفّ النووي الإيراني جراء انسحاب الولايات المتحدة منها زمن الرئيس ترامب، وكانت له تداعيات سلبية على المناطق الواقعة تحت هيمنة النظام الإيراني وفصائله الموالية في العراق وسوريا ولبنان واليمن وفلسطين؛ فازدادت هجمات الفصائل التابعة لإيران على مناطق النفوذ الأمريكي وقواعدها في سوريا والعراق، مثل قاعدة “عين الأسد” في العراق وقاعدة “التنف” الأمريكية في سوريا، وعلى قواعد قوات سوريا الديمقراطية؛ وذلك لممارسة الضغط على الولايات المتحدة من أجل إعادة إحياء المفاوضات بخصوص الملف النووي الإيراني، والذي تسعى إيران بإصرار وعناد لتمريره رغم عدم التزامها بشروط الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فهي حتى اليوم تزيد من نسبة تنشيط اليورانيوم وتزيد من أجهزة الطرد المركزية، وتخفي مواقع سرّية نووية أخرى تحت السلاسل الجبلية، بل ستشترط في المفاوضات القادمة أن يكون الاتفاق النوويّ على شكل معاهدة لا تتغيّر بتغيّر الرؤساء وبمشاركة الأمم المتحدة، والغالب أنّ أمريكا والغرب أيضاً تميلان إلى إعادة المفاوضات، ولكن أيضاً بقيود وشروط؛ كالإفراج عن المليارات الإيرانية وتحقيق الانفتاح، سوف يسعى بزشكيان إلى هذا الهدف ولكنّه أيضاً مقيّد بسلاسل محدّدة من المرشد والبرلمان الإيراني الذي يسيطر عليه المحافظون؛ فصلاحياته أيضاً محدودة، ناهيك عن الحرس الثوري الإيراني “القوة الضاربة” في يد المرشد الأعلى، وإذا جرت المفاوضات يُرجّح أنّها ستكون ماراثونية وطويلة المدى وعلى فترات زمنية وعلى مراحل، وسرعة إنجازها سيتوقّف على حاجة إيران الماسّة للأموال ومدى مرونة وتجاوب المرشد الأعلى، والذي سوف يضع في حُسبانه فوز الرئيس السابق “ترامب” والذي ربّما سيعقّد مشهد المفاوضات أكثر، وكي لا ننسى فإنّ الولايات المتحدة سوف تأخذ في الحسبان أن تسارع دول إقليمية أخرى لتصبح نووية؛ مثل تركيا والسعودية ومصر وربّما غيرها، من أجل أمنها القومي -كما تزعم- ويبقى الموقف الإسرائيلي الذي لا نعتقد أنّه سيكون إيجابياً تجاه الملف النووي الإيراني، وأثناء المفاوضات حول الملف النووي الإيراني سوف تأخذ أمريكا ذلك بعين الاعتبار، وربّما تسعى الصين لحقيق الصفقة التي قد تناسب جميع الأطراف مع بعض الدول في الاتحاد الأوربي مثل فرنسا؛ وقد يناسب ذلك إيران والولايات المتحدة الأمريكية.

السيناريو المتوقّع للحلول الإقليمية:

الرئيس الإيراني الجديد “بزشكيان” صرّح بأنّه سيحقّق ويقيم أفضل العلاقات مع دول الجوار، والمقصود هنا الدول العربية خاصّة الخليجية كالسعودية التي أعادت العلاقات مع إيران برعاية صينية، وتمّ تبادل السفارات بين الجانبين (طهران والرياض)، ويبقى تطوّر العلاقات منوطاً إلى حدّ كبير بالملفّ النووي الإيراني والانفتاح على الغرب. وبالتالي؛ يمكن أن تتحسّن الأمور أكثر من السابق بين الجانبين في تحقيق تسوية حول اليمن ونفوذ الحوثيّين، وبالتالي؛ فإنّ تسوية أمر اليمن بين الجانبين سيترك أثره على معظم الدول الخليجية في مجلس التعاون الخليجي؛ فتعود العلاقات أكثر تطوّراً مع دولة الإمارات العربية المتحدة ومع البحرين والكويت وقطر، وسلطنة عمان التي هي أكثر دولة عربية متوازنة في تحقيق المصالحات والتسويات بين إيران وبقية الدول العربية، وقد تكون للرئيس الإيراني الجديد زيارات إلى السعودية ودول مجلس التعاون لتحقيق الشراكة الاقتصادية وتنمية التجارة، وملف الحوثيين واليمن من الملفّات العالقة التي ارتبطت مؤخّراً بحرب غزة والاجتياح الإسرائيلي، ففي حال توقّف الهجوم الإسرائيلي وعودة سكان غزة إلى مناطقهم، يمكن على الأقل أن تتوقّف الهجمات الحوثية على سفن التجارة العالمية في البحر الأحمر وتهدأ ساحة الصراع مؤقّتاً، والمرجّح أنّ الولايات المتحدة تعدّ خطّة لوقف الحرب بين إسرائيل وحماس ويوافق عليها الطرفان، ولكن خوف نتنياهو يكمن في أنّه في حال توقّف الحرب أو فرض وقفها، سيؤدّي ذلك إلى سقوط حكومته؛ لذا تستمرّ إسرائيل بعناد للقضاء على حركة حماس، وهذه الحرب محورية تتوقّف عليها معظم الملفّات العالقة التي تمسك إيران بخيوطها، مثل هجمات حزب الله على شمال فلسطين بعشرات الصواريخ، ولكن ضمن حدود قواعد الاشتباك، بحيث لا تتوسّع هذه الحرب إلى أكثر من مداها. فالحلّ والتسوية إن تمّت سوف تشمل لبنان وتهدأ الامور على جبهة لبنان الشمالية. فهل ينجح الرئيس الإيراني والمرشد في التسوية؟ لأنّ كلّ خيوط “الحرب بالوكالة” في الشرق الاوسط هي بيد إيران والمرشد الأعلى والرئيس الإيراني الجديد المنتخب.

سيناريو الملف السوريّ وتوقّعات الحلّ:

الملف السوريّ ملفٌّ معقّد تتداخل فيه أطراف دولية كالولايات المتحدة وروسيا الاتحادية، وأطراف إقليمية كإيران وتركيا والمملكة العربية السعودية، وبعض دول الجوار العربية مثل العراق والأردن، والمعارضة السورية التي أخذت أشكالاً عديدة معظمها مرتبط بتركيا وتحتلّ الشمال السوري تحت المظلّة التركية، وبعض القبائل العربية التي هي على اتصال مع الفصائل الإيرانية؛ وحقيقة الأمر أنّ النظام السوري مسلوب الإرادة تجاه الأطراف المذكورة، ولا ننسى الهجمات الإسرائيلية المتكرّرة على مناطق نفوذ النظام السوري والإيراني حيث مخازن الصواريخ والمسيّرات، وتشمل هذه الهجمات المطارات المدنية والعسكرية، ويبدو أنّ الملف السوري عصيّ على الحلّ حتى في الوقت الراهن، وذلك بسبب المحاولات الكثيرة التي بذلت مثل محاولة الجامعة العربية إعادة مقعد سوريا إلى النظام السوري، ومحاولات كلّ من السعودية والإمارات وعمان وفرض شروطها، كالقضاء على تجارة المخدّرات، وسياسة “خطوة مقابل خطوة”، ولكنّها في الواقع لم تسفر عن أيّة نتيجة سوى الإمعان في التبعية الإيرانية والروسية؛ فزيارات الرئيس الإيراني السابق ومحاولات تعزيز العلاقات تعني سيطرة النظام الإيراني على كلّ المفاصل السورية بما فيها العسكرية والاقتصادية.

 وكي لا ننسى؛ فإنّ دعوات الرئيس التركي للرئيس السوري لزيارة أنقرة وإعادة العلاقات إلى سابق عهدها لا تزال مستمرّة، وهي من الصعوبة بمكان، وحلّها لا يبدو واضحًا في الأفق إلّا  بالانسحاب التركيّ من الأراضي السورية وعودة ملايين اللاجئين السورين الذين يعانون في تركيا من الملاحقة والاضطهاد والترحيل والغلاء والبطالة وغيرها، والملف السوريّ بحاجة إلى تسوية دولية تشارك فيه كلّ دول مجلس الأمن خاصة الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا اللذَين بات كلّ منهما يعزّز من قوته وتحالفاته؛ فروسيا تحالفت مع كوريا الشمالية في اتفاق استراتيجي طويل المدى، وأمريكا عقدت اجتماعًا لحلف الناتو وتمهّد لضمّ أوكرانيا للحلف، وتزيد من قدراتها في التسليح، وإيران أيضًا طرف في هذا الصراع وفي هذه الأحلاف مع روسيا وتدعمها في الحرب الأوكرانية. إذًا؛ المسألة ليست سهلة، وهي مرتبطة إلى حدّ كبير بانفتاح إيران على الغرب، وتحقيق تسوية للملف النووي الإيراني، ومرتبطة أيضًا بحرب غزة بين إسرائيل وإيران؛ فمهمّة “بزشكيان” شاقّة في الأيام القادمة، وهي مرتبطة بحاجة إيران ومرونة المرشد الأعلى ومهارة الرئيس الإيراني الجديد.

سيناريو الحلّ المتوقّع في شمال وشرق سوريا:

حقّقت الإدارة الذاتية العديد من الإنجازات التي باتت ظاهرة للعيان، مثل التقسيمات الإدارية والعقد الاجتماعي والمفوضية العليا للانتخابات وقوات الدفاع الذاتي والتحضير للانتخابات البلدية ومشاركة كلّ المكونات في الإدارة والمؤسّسات على قاعدة “أخوة الشعوب والأمة الديمقراطية” وانتهاج الخطّ السياسي الثالث المستقلّ، بما ينسجم مع القوانين والأعراف الدولية، كما قدّمت الإدارة الذاتية مبادرات للحلّ في سوريا، على أن تشمل المبادرة أو المشروع مختلف مناطق سوريا على أساس الولاء للوطن السوريّ واللامركزية، بما ينسجم وظروف كلّ المكوّنات القومية والعرقية والدينية للعرب والكرد والتركمان والسنّة والعلويين والدروز والأيزيديّين والشيعة وغيرهم.

 أبرز المعيقات هي تركيا واحتلالها للأراضي السورية خاصة في الشمال، وأبرز أهدافها هو القضاء على الإدارة الذاتية؛ وتشنّ الهجمات من حين لأخر وفقًا لمحرّكات الأحداث ووفق أجنداتها وتحقيق مشروع “الميثاق الملّي”، ثم هنالك روسيا التي تتوافق مع النظام السوري وتعزّز وجودها في قاعدة “حميميم” وطرطوس، وتتناغم مع تركيا في الشمال السوري وأحياناً تتعارض معها، كلّ وفق أجنداته، وتتناغم مع إيران وفق اجتماعات آستانة. فما السيناريو المتوقّع لإيران ودورها في سوريا لحلّ الأزمة السورية وتداعياتها على شمال وشرق سوريا؟ فالإدارة الذاتية منفتحة على الجميع بما يتوافق مع مصالح مواطنيها ومكوّناتها، ولا ننسى دور الولايات المتحدة وتواجدها في شمال وشرق سوريا وتحالفها مع قوات سوريا الديمقراطية المتمسّكة بقرار الأمم المتحدة /2254 / أساساً لحلّ الأزمة السورية، والتي لها الكلام الفصل في حلّ الأزمة السورية.

فالحلّ الأوّل:

إذا حقّق الرئيس الإيراني الانفتاح على الغرب، وجرت تسوية الملفّ النووي الإيراني، وأُفرِج عن الأموال الإيرانية، وتحقّقت التهدئة والاتفاق في حرب غزة وفق المشروع الأمريكي، فإنّ ذلك سوف يمهّد الطريق لبداية التهدئة في سوريا، وسيمهّد لحلّ الأزمة السورية وفق فترات زمنية؛ وهو ما سيترك آثاره على شمال وشرق سوريا، وسيتمّ الاعتراف دوليًا بالإدارة الذاتية، وستحصل إيران وروسيا على امتيازات اقتصادية وربّما نفطية والمشاركة في مشاريع تنموية في شمال وشرق سوريا، وسيتم إسكات تركيا من خلال تواجد قوات النظام أو قوات دولية على حدودها مع مناطق الإدارة الذاتية؛ الأمر الذي قد يهدّئ من روعها بزعم أمنها القوميّ، وامتصاص ورقة اللاجئين وسحبها من تركيا باستقبالهم في مناطق الإدارة الذاتية الديمقراطية، وتزدهر مناطق الإدارة الذاتية ويتحقّق التقدّم الاقتصادي، وتزداد مشاريع البناء والتطوير والاستثمار من كلّ الأطراف، وتتحقّق التنمية المستدامة وتتوقّف الهجرة إلى أوربا، وتشارك الإدارة الذاتية في مفاوضات الحلّ وكذلك في اللجان الدستورية لصياغة دستور جديد لسوريا.

الحلّ الثاني:

إذا تعنّت الرئيس الإيراني ومن خلفه المرشد الأعلى، فستفشل مفاوضات الملفّ النوويّ الإيرانيّ، وستعود إيران إلى عزلتها، وتستمرّ في حروبها بالوكالة عبر حماس وعبر حزب الله، وتستمرّ حرب غزة وهجمات “نصرالله” على شمال فلسطين، وسوف توضع العصا في العجلة في الشرق الاوسط ويزداد التحشّد الإيراني عبر فصائله الموالية في العراق وفي سوريا ويزداد التوتّر، وسوف يتمّ تحريض داعش للقيام بعمليات ضدّ القوات الأمريكية وقوات سوريا الديمقراطية، وسوف يزداد التوتّر وتتوقّف التنمية وتسوء الأحوال الاقتصادية في مناطق الإدارة الذاتية؛ وسوف تستغلّ تركيا هذه الظروف وتشنّ عمليات أكثر ضدّ مناطق الإدارة الذاتية، وربّما تقوم بهجوم واسع في “باشور كردستان” بحجّة القضاء على حزب العمال الكردستاني؛ لتغطية فشلها في حلّ ملف اللاجئين والمعارضة السورية في الشمال، وللتغطية على عجزها المالي والاقتصادي وتدهور الليرة التركية والتضخّم الكبير والبطالة وغيرها، وسوف تستمرّ الإدارة الذاتية في المقاومة عسكرياً واقتصادياً وإدارياً وأمنياً.

زر الذهاب إلى الأعلى