مطامع إيران ودورها المتنامي في الشرق الأوسط
تاريخياً كانت إيران تدور في الفلك الأمريكي وكانت دولةً حليفة من الطراز الأول للولايات المتحدة الأمريكية، وكان شاه إيران شرطيّ أمريكا في المنطقة، إلى أنْ قامت الثورة الإسلامية بقيادة آية الله الخميني عام 1979. منذ ذلك الحين تحولت إيران من دولة حليفة لأمريكا إلى دولة معادية نتيجة التناقضات والتباينات في المواقف والاختلافات السياسية والمذهبية فدخلت في دوامة الصراعات الإقليمية والدولية ولا يخفى على أحدٍ أنّ إيران لا تملك علاقات استراتيجية مع أيّة دولة في العالم وكما لا يخفى على أحدٍ بأنها تسعى جاهدة للهيمنة على الشرق الأوسط.
ولكي تحقق هذا الهدف سعت سعياً حثيثاً لامتلاك السلاح النووي لتفرض نفسها كدولة نووية في العالم، لكنها اصطدمت شرقاً وغرباً بالرفض وعدم الموافقة لأنّ العالم برمته يخشى امتلاكها السلاح النووي والذي يكون بمثابة جرس إنذار يهدد العالم والسلم الدولي وعلى رأسهم إسرائيل.
– اعتمدت إيران في سياستها الخارجية على القوة الناعمة والتي تعني تقديم العون المادي والدعم الاقتصادي والسياسي والعسكري لحلفائها، ناهيك عن اتباعها سياسة نشر المذهب الشيعي المغلف بعملية تصدير الثورة، الأمر الذي أدّى إلى نشوب حرب طاحنة بينها وبين جارتها العراق وسعيها لابتلاع دول الخليج، والسيطرة عليها. وإنّ احتلالها للجزر الإماراتية الثلاثة الطنب الكبرى والصغرى وجزيرة أبو موسى دليل ساطع للسياسة التوسّعيّة التي تنتهجها إيران. ولترسيخ هذه السياسة تبنّت حركةَ الحوثيين بغية الوصول إلى سواحل البحر الأحمر لما لهذه المنطقة من أهمية استراتيجية للتجارة العالمية من جهة ومن جهة ثانية فهي دولة مناوئة للمملكة العربية السعودية والتي هي دولة سنية ورائدة للعالم الإسلامي ومدعومة أمريكياً، الأمر الذي لا ينسجم ويتناغم مع السياسة الإيرانية ولذلك دعمت حركة الحوثيين بالمال والسلاح للنيل من اليمن أولاً ولضرب السعودية ثانياً، فهي كانت بمثابة خنجر في الخاصرة الرخوة للمملكة وهذه بدوره يدلنا على أن الصراع في مضمونه هو صراع سني وشيعي.
– أما توغلها وتغولها في سوريا فلها أسبابها وأهدافها ولعلّ أهم هذه الأهداف هو الوصول إلى الشواطئ الدافئة للبحر الأبيض المتوسط وتشكيل الهلال الشيعي بدءاً من عراق وانتهاءً بلبنان لكن هذا الهدف لم يتحقق حتى الآن، فقد أجهضته قاعدة التنف الأمريكية البريطانية. لكن ما هو واضح للعيان هو أنّ إيران استطاعت أن تسيطر على مقدرات الدولة السورية إبان الأزمة وتوغلت كثيراً في مفاصلها وتحكمت بقرارها السيادي ووقعت اتفاقات ومعاهدات مع الدولة السورية المتهالكة واستطاعت أنْ تزرع ميليشياتها ومرتزقتها على الأرض السورية لتعزيز وجودها وترسيخه أكثر فأكثر ومن خلال هؤلاء المرتزقة سعت لخلق البلبلة والفوضى في المنطقة التي تقسمت في ظل الأزمة وخلقت صراعاً دولياً وإقليمياً وداخلياً يهرول الجميع للاستحواذ على الجغرافية السورية وتقاسم النفوذ لتحقيق مصالح دولهم من خلال المحاور المشكلة. وعلى ضوء ذلك رسمت الأهداف المشتركة ما بين هذه المحاور. ولنبدأ بسرد هذه التحالفات لكي تتضح الصورة أكثر:
– المحور الأول: ويضم روسيا وإيران وتركيا وسوريا ومن ورائهم الصين.
– المحور الثاني: ويضم التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وحليفتهم قوات سوريا الديمقراطية المشكلة من كافة أطياف الشعب السوري ولها خطها الثالث.
– المحور الأول هدفه تعويم النظام وإعادة السيادة السورية ومحاربة الأمريكان والتحالف الدولي والقضاء على مشروع الإدارة الذاتية تحت ذرائعَ وحججٍ شتّى.
– المحور الثاني هدفه القضاء على الإرهاب المتمثل في الجماعات الإسلامية المتطرفة مثل داعش والنصرة ومن لف لفهم. في ظل هذه التجاذبات تحاول كل دولة من كل محور أن تحقق أهدافها، فتركيا مثلاً تريد أخونة المنطقة وتطبيق الميثاق الملّي والقضاء على الوجود الكردي، وروسيا تريد تعويم النظام، وإيران تسعى لذات الهدف بل أكثر هو محاربة الكرد ومجابهة المشروع الأمريكي القادم للمنطقة، لذلك تسعى جاهدةً لخلط الأوراق في المنطقة لإعاقة وعرقلة هذا المشروع من خلال أنشطتها الخبيثة الرامية إلى ضرب الأهداف والقواعد الأمريكية للضغط عليها بغية انسحابها من المنطقة والقضاء على مشروع الإدارة الذاتية. أصبحت إيران في قلب الأحداث بدورها المتنامي في تعميق الأزمات وغدت دولة مُقلِقة ومُزعزِعة للأمن والاستقرار في العالم، فهي متورطة بخلق الأزمة في فلسطين من خلال منظمتي حماس والجهاد الإسلامي في قطاع غزة هذه العملية غير المحسوبة نتائجها في المستقبل وهي تحاول أن تستثمر في حماس مصالحَها وتوهمَ العالم بأنها تدافع عن حلفائها ولكنها في الحقيقة تعزز مكانتها وتصدر أزمتها الداخلية خارج الحدود وترسل رسالة واضحة لإسرائيل كَردّ على هجماتها المتتالية والمتوالية على ميليشياتها في سوريا. وكما هو واضح للعيان بأنها في صراع مع أمريكا وإسرائيل من خلال أنشطتها ومرتزقتها في كل من اليمن والعراق وسوريا وفلسطين. وأصبح نشاطها أكثر فعالية بعد السابع من أكتوبر بالتحديد لأنها تستغل الظرف الراهن وطبيعة المرحلة والظروف الدولية في كل من أوكرانيا والبحر الأحمر وفلسطين ناهيك عن الانتخابات الأمريكية، فهي تدرك تماماً وتعي بأن الأمريكيين مقبلون على الانتخابات وهم لا يريدون حروباً في المنطقة لأنّ الديمقراطيين يريدون الفوز ويتجنّبون زجّ المنطقة في أتّون حرب طاحنة ولذلك تسعى أمريكا إلى عدم توسيع نطاق الحرب على الأقل في هذه المرحلة في الوقت الذي تحاول إيران جرّ أمريكا أكثر فأكثر، وتجلّى ذلك في مهاجمتها لقواعدها وقتلها لثلاثة جنود أمريكان وجرح ما يزيد أكثر من أربع وثلاثين جندياً الأمر الذي أثار حفيظة الولايات المتحدة الأمريكية ووضع قيادتها أمام خيارات صعبة. لذلك ولكي لا تخسر أمريكا هيبتها ومكانتها وهي المسؤولة أمام شعبها اضطرت للقيام بضربات سريعة ومركّزة للأهداف الإيرانية في المنطقة وهي تحاول قصقصة أظافرها والحد من هذه الهجمات التي زادت وتيرتها في الآونة الأخيرة ولكي يعيد الديمقراطيون ثقة الناخب الأمريكي ويقلّلوا من هجمة الانتقادات. وإنّ سيل الاعتراضات على إدارة بايدن كانت ثمرتها هذه الضربات.
– أمّا على الضفة الثانية فهناك قاسم مشترك ما بين دول المحور الأول رغم تناقضاتهم الداخلية وهو ممارسة المزيد من الضغط على الأمريكان والانقضاض على مشروع الإدارة الذاتية لإقليم شمال وشرق سوريا. رغم كل هذه التناقضات فالصراع لا يزال على أشده ويزداد لهيبه اشتعالاً وبالتالي فأنه سينفرج وباعتقادي بأن الغلبة ستكون للأقوى وبأن قطار التحولات الجذرية سوف ينطلق من فلسطين وهي البوابة الأولى لإيران وسيركن الوضع للتهدئة والحل يكون على مبدأ قاعدة الدولتين وفقاً لقرارات الشرعية الدولية وستصبح جميع المنظمات الإرهابية ضعيفة ومنهارة وسوف تتبلور خرائط جديدة في المنطقة بموجبها تدخل هذه الدول في مرحلة التشظي والتجزئة والانقسام وستشكل أقطاباً وتحالفات جديدة في المنطقة، وبالتأكيد سينعكس ذلك تماماً على الكرد في كل من سوريا والعراق وتركيا وإيران.