روسيا وتركيا ولعبة عض الاصابع في إدلب

اتسعت فجوة الخلاف بين أنقرة وموسكو في الفترة الأخير على خلفية تسارع مجريات الأحداث والتي تدل على أن المنطقة تمر بتحولات سياسية وعسكرية، وبالتالي فإن احتمال قيام حملة عسكرية روسية في إدلب وارد، فالأطراف المتصارعة عجزت عن إيجاد حل سياسي يراعي المصالح الدولية في المنطقة، ورجح المراقبون بأن معركة إدلب وشيكة لا محال، الأمر الذي دفع إلى المزيد من التعزيزات العسكرية على أطراف منطقة جبل الزاوية بعد قيام أنقرة بتفكيك نقطة مورك.

ومنطقة خفض التصعيد التي أقيمت بناء على معطيات مسار آستانا في عام 2017، والتي تعتبر قناة للتفاوض بين روسيا والمجموعات المسلحة، انتهت بانشقاق فصائل المعارضة، وسيطرة التنظيمات المتطرفة الراديكالية على باقي الفصائل، وبالتالي فشل اتفاقات آستانا في إنجاح عملية سياسية في إدلب.

أما المنطقة المنزوعة السلاح والتي كانت من المقرر إقامتها بمعق 15-20 كم بموجب اتفاقية سوتشي، بحيث تقوم تركيا بإخراج كافة التنظيمات المتطرفة بعتادها العسكري من هذه المنطقة، إلى جانب تخفيض عدد قواتها العسكرية وإخلاء طريق M4 بالكامل من نقاطها العسكرية، وذلك مقابل انسحاب قوات النظام من المناطق التي دخلتها بدعم روسي والتي تمتد من شمال حماة حتى جنوب شرق إدلب، وهو أيضاً ما لم ينفذ، بسبب مماطلة أنقرة بإخراج التنظيمات المتطرفة المتواجدة في هناك، ولم تتمكن من فصل المعارضة عن الجماعات الراديكالية المندرجة ضمن قائمة “الإرهاب”.

والتصعيد الأخير يشير إلى تدهور العلاقة بين الطرفين، بعد فشل جميع مسارات الحل لعدم تمكن الجانبين من الوصول إلى رؤية مستقبلية لهذه المنطقة، وبحسب رأي أحد الباحثين السياسيين: “التصعيد في إدلب مرتبط بعدم استطاعة الطرفين (موسكو وأنقرة) على تجاوز القضايا الخلافية سواء داخل سوريا أو حتى خارجها.”

ومن القضايا الخلافية والتي عرقلت مسار الحل في إدلب، فشل المحادثات التي أجريت بين أنقرة وموسكو في 31 أغسطس/آب من هذا العام، وبناء على المعطيات والتصريحات التي أدلى بها كلا الطرفين دلت على عدم تمكنهما من الوصول إلى التفاهم لتسوية الأزمة، حيث جاء على لسان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو: ” أن الاجتماعات مع الجانب الروسي لم تكن مثمرة للغاية، وإذا استمرت المعارك، فان العملية السياسية قد انتهت.” وفي المقابل أكد وزارة الخارجية الروسية: ” ان تركيا تماطل في إنجاز تعهداتها بموجب اتفاق وقف التصعيد في إدلب.”  وذلك لتمسك الأخيرة بمقررات اتفاقية سوتشي حول انسحاب قوات النظام إلى حدود ما قبل التصعيد.

دفعت هذه الوقائع إلى المزيد من التصعيد، وفي إطار ذلك قام الطيران الروسي باستهداف مقر فيلق الشام الموالي لأنقرة، والذي قتل حوالي 78 شخصا وإصابة 90 آخرين، هذا إلى جانب استهداف الغارات الروسية للمعارضة في جرابلس في سوق النفط الخام، وهذه الدلائل تشير وفق المحليين ” بان هذه الهجمات تحمل رسائل مبطنة وأخرى مباشرة لأنقرة، وليس فقط للمعارضة الموالية لها، ويدل كل ذلك على مدى هشاشة العلاقات بين البلدين، فـ ” تركيا ليست شريكاً استراتيجياً بالنسبة لموسكو وانما شريكاً عادياً “.  بحسب تصريح لوزير الخارجية الروسية لافروف.

وهذا مما أدى إلى ارسال المزيد من التعزيزات العسكرية اتجاه منطقة جبل الزاوية ذات الأهمية الاستراتيجية، بعد انسحاب الأخير من نقطة مورك (كما أسلفنا) فالنقطة التاسعة تلك كانت تعد من أكبر النقاط العسكرية لتركيا في ريف حماة الشمالي والتي أقامتها على مقربة من الطريق الدولي دمشق – حلب (طريق M5)، وقد بلغ عدد الارتال التي دخلت منطقة خفض التوتر من شهر فبراير حتى أواخر أكتوبر حوالي 10600 شاحنة وألية عسكرية، وفي إطار ذلك، انتشرت معلومات حول تعزيزات الجيش التركي على الطريق M4 بريف إدلب. تحضراً لمعركة وشيكة بحسب خبير العلاقات الروسية التركية أيدين سيزر.

وفي موازاة ذلك بين مصدر في الجبهة الوطنية للتحرير: “إن أنقرة تزعم إخلاء نقاطها من مورك و“معرة حطاط” بريف إدلب الجنوبي، و“شير مغار” بريف حماة الغربي، والصرمان وتل الطوقان والترنبة ومرديخ، وبدلاً منها تحصن قوتها في مناطق جبل الزاوية وسهل الغاب ذات المواقع الاستراتيجية.” وتشير بعض المعلومات الى إلى إغلاق 3 نقاط تركية أخرى.

أما بشأن تفكيك نقطة مورك فالتصريحات التي أدلى بها وزير خارجية تركيا جاءت متناقضة فتارة يقول: ” إن هناك تفاهمات تركية روسية بناء على اجتماعات عقدت بين الطرفين الشهر الماضي، وكان هناك اتفاق على عدم التنافس على نقاط المراقبة”. وتارة يشير الى أن: ” نقطة المراقبة في مورك غير محاصرة ولا أحد يستطيع محاصرة قواتنا”. أو: ” إن الانسحاب من مورك ونقاط أخرى له علاقة بالصراع في القوقاز”.

بينما اعتبر تقرير نشره مركز الفرات للدراسات: “إن إخلاء تركيا لنقاط المراقبة يعود إلى رضوخ أنقرة للتهديد الروسي، وتجنباً لأي صراع جديد، فقد باتت تركيا على يقين بأن موسكو ماضية في سياستها نحو حل المعارضة السورية في إدلب “.  

لذا فمن المتوقع ان تقوم انقرة بإخلاء جميع نقاط ها المتواجدة ضمن مناطق سيطرة النظام السوري ووفق تسلسل زمني، يمتد من أواخر شهر تشرين الأول/ أكتوبر حتى مطلع كانون الأول/ ديسمبر 2020″، وذلك بحسب المعلومات التي تم تسريبها من الجانب التركي.

بينما رجح مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبد الرحمن بأن: “ليس من المنطقي أن تتخلى تركيا عن ورقة مهمة، إلا إذا كان في سبيل بقعة جغرافية أخرى، أو تعزيز وجودها في منطقة أخرى”. فتركيا لديها استراتيجية ترغب في إتمامها والتي تكمن ضمن إطار السيطرة على الشريط الحدودي من المنطقة الممتدة من جسر الشغور وصولا إلى منطقة عملية درع الفرات. لهذا كله ووفقاً لمراقبين فأن معركة إدلب حتمية لا محال، وسيكون جبل الزاوية اهم محاور المعركة ان بدأت.

قسم الإعلام

زر الذهاب إلى الأعلى