التزاحم في شرق المتوسط والصراع على الطاقة

شرفان سيف الدين

ممّا لا شكّ فيه أنّ الأزمة السورية التي اندلعت في الخامس عشر من آذار عام 2011م، كانت لأسباب تتعلّق بالأمور الاقتصادية والحريات السياسية في البلاد، وعليه كان الشعب السوري متأمّلاً بالحرية والكرامة التي خرج من أجلها أساساً، ولكنّها جوبهت بالكثير من العنف المفرط من قبل النظام، استمرّ الحراك الشعبي بشكله السلمي لأكثر من ستة أشهر على أمل تغيير النظام السوري لأساليبه في التعامل مع الحراك الشعبي والمطالب الجماهيرية ولكن بدون أي فائدة، فقد كانت الآلة القمعية للجهات المسيطرة على مفاصل الدولة صارمة في تحديد تصوّرها للحلّ، والحدّ من هذه التظاهرات والمطالب، وهي استخدام العنف والقضاء عليها بالقوة ولا شيء سوى القوة، دون ترك أي مجال للغة الحوار أو المناقشات الهادفة لتأطير المشكلة وحلّها بالشكل المناسب. مع مرور الوقت وبدء الطرف المقابل أيضاً باستخدام القوّة والسلاح زادت الأمور تعقيداً خاصةً مع زيادة سيلان الدم السوري، الأمر الذي كان بمثابة رصاصة الرحمة على الثورة السلمية والمطالب المحقّة للشعب، ممّا أدّى إلى تغيير جذري في مسار الثورة التي نادى بها أبناء الشعب السوري، وبدء دخول سوريا متاهة الحرب الأهلية بشكلها ومضمونها، فقد بدأت الاتهامات تُكال من كل طرف للطرف المقابل باستهداف المدنيّين والبنى التحتية وقطع الطرقات وإقامة الحواجز وأخذ الإتاوات؛ وبالتالي انتشرت حالات الفوضى في أرجاء البلاد، وهو ما أدّى إلى حالة من عدم الانضباط  وعدم الاستقرار.

لم يعد خافياً على أحد أنّ تدخّل القوى الخارجية في خطّ الأزمة السورية قد زادت من تعقيدات الحلّ السياسي، وبطبيعة الحال فإنّ هذا التدخّل لن يكون بالمجان ولا لأسباب أخلاقية أو إنسانية، بل على العكس من ذلك، فهي بكل تأكيد ستكون لخلفيات جيوسياسية ومصالح اقتصادية بدون أدنى شكّ، وتُعدّ استكشافات الغاز الطبيعي في شرق المتوسط من أهم الأسباب التي تدعو روسيا خاصةً والدول الغربية عامةً وعلى حدّ سواء للتدخّل في الملف السوري، لما لها من أهمية استراتيجية في رسم سياسات المنطقة، وأثرها على رسم السياسات والعلاقات الدولية والتحالفات الاقتصادية فيما بينها، إنّ استكشاف الغاز في حوض شرق المتوسط زاد من المنافسة الدولية للسيطرة عليه، سواء كان بشكل مباشر أو غير مباشر عبر الحلفاء المحلّيين، فلا يخفى على أحد المنافسة الدولية ما بين القوى العظمى للسيطرة على المضائق والمناطق الجيوسياسية الهامة؛ وبالتالي زادت من حدّة المنافسة ما بين الشركات الكبرى أيضاً، والتي تتسابق للحصول على حقوق التنقيب والاستثمار، خاصةً أنّ التقديرات تشير إلى أنّ احتياطي الغاز في حوض المتوسط سيكون ثاني أكبر احتياطي في العالم بعد الاحتياطي الموجود في سيبيريا الغربية، ولذلك زادت المزاحمة ما بين القطبَين الرئيسيَّين (الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها من طرف، وروسيا الاتحادية وحلفائها من طرف آخر). ففي آذار من عام 2010م أجرى مركز الاستطلاع الجيولوجي الأميركي تقييماً لموارد النفط والغاز غير المكتشفة والتي يمكن استخراجها تقنياً لمنطقتي دلتا النيل المجاورة لمصر، والتي يتوقّع أن تحتوي على أكبر مخزون غير مكتشَف، وحوض الشام في شرق المتوسّط الذي يشمل المناطق البحرية المواجهة لقطاع غزّة ولبنان وسوريا وقبرص وتبلغ نحو 83 ألف كلم 2، واتّبع التقييم منهجية مبنية على المعلومات الجيولوجية والتجارية المتوفّرة حول الآبار وحقول الإنتاج الموزّعة في المنطقة، وقدّرت احتياطات الغاز في حوض شرق المتوسط بنحو 5.1% من مجمل الاحتياطات العالمية، وقدّر التقييم بأنّ المنطقة تحتوي على متوسّط /879/ مليون برميل من النفط  و/286,2/ تريليون قدم مكعّب من الغاز، بينما ذكر تقرير لمركز فيريل للدراسات في برلين في توقّعاته بأن تحتلّ سوريا المركز الثالث عالمياً في إنتاج الغاز، فيما لو تمكّنت من رفع قدرتها الإنتاجية إلى الحدّ الأقصى؛ وبالتالي فإنّ كلّ هذه الأرقام والإحصائيات تزيد من زيادة سيلان لعاب القوى الإقليمية والدولية للوصول إلى هذه المياه الدافئة والغنية بكل هذه الثروات الطبيعية واستغلالها.

بدأت الاتفاقيات بين الجانب الروسي والحكومة السورية عام 2017م، عندما تعاقدت الحكومة مع شركة حماية روسية لحماية المنشآت النفطية والغازية من داعش مقابل الحصول على 25% من الأرباح، ومن ثم استحوذت روسيا عبر عدد من الشركات (ميركوري – فيلادا – اس تي جي وغيرها) على الحقول النفطية والغازية في ريف دمشق الشمالي في موقعَي قارة وبريج، وحقول تدمر الأربعة شرقي حمص، والحقول الموجودة والمكتشفة مقابل الساحل السوري، وذلك عبر عقود أبرمتها مع الحكومة السورية تخوّلها امتلاك حقوق حصرية لإنتاج واكتشاف الغاز والنفط، وتنصّ الاتفاقيات على إعادة تأهيل آبار النفط والبنية التحتية لها، وتقديم الاستشارات في مجال الطاقة وتدريب الكوادر الفنية، وبلغت قيمة هذه الاتفاقيات 40 مليار دولار. كلّ ما سبق وبحسب الصحف الرسمية الصادرة من دمشق أيضاً فقد تم توقيع عقدَين من قبل وزارة النفط والثروة المعدنية السورية مع شركتَي كابيتال ليميتيد (Capital Limited) وايست ميد عمريت (East Med Amrit) الروسيتين، حيث ينصّ العقد الأول على منح شركة كابيتال ليميتيد حقاً حصريا في التنقيب عن البترول والغاز وتنميته في البلوك البحري الأول في المنطقة الاقتصادية والمياه الإقليمية الخاصة بسوريا في البحر المتوسط مقابل ساحل محافظة طرطوس حتى الحدود البحرية الجنوبية السورية – اللبنانية بمساحة 2250 كيلو متر مربع، ومدّة العقد تقسّم إلى فترتين؛ الأولى للاستكشاف ومدّتها 48 شهراً، تبدأ بتوقيع العقد ويمكن تمديدها لـ 36 شهراً إضافيةً، أمّا الفترة الثانية فللتنمية ومدّتها 25 عاماً قابلة للتمديد لمدة 5 سنوات، أمّا تقاسم الحصص بينهما فمرتبط بسعر النفط والغاز العالميين والكميات المنتجة في المستقبل. في حين أنّ العقد الثاني جاء بعد توقيع عقد استكشاف في البلوك الثاني للمنطقة الاقتصادية في المياه الإقليمية السورية في البحر المتوسط، الممتد من شمال طرطوس إلى جنوب بانياس بمساحة 2190 كلم، مع شركة ايست ميد عمريت، كما وتم توقيع عقد لتأجير مرفأ طرطوس لشركة “اس.تي.جي. جي اينجينيرينغ” STG ENGENEERING الروسية، لمدة 49 عاما، إضافة إلى خط الغاز العربي الرابط الوحيد حالياً بين عدة بلدان عربية في المنطقة، أنشئ الخط عام 2008 بطول 1,200 كلم بعد نحو 5 سنوات من العمل، ويمتد من مدينة العريش المصرية إلى مدينة العقبة الأردنية ومن ثم إلى مدينة الرحاب شمال الأردن، فالداخل السوري وصولاً إلى مدينة حمص السورية ومنها إلى مدينة دير عمار في لبنان فبانياس على الساحل السوري.

لا يمكن تجاهل كلّ ما سبق من أرقام واتفاقيات منها سرية ومنها علنية في أهمية الساحل السوري للقوى الكبرى ومطالبة كل طرف بحصّته فيه، وعليه وعند معرفة خفايا الأمور يتبيّن سبب إطالة أمد الأزمة السورية، وكذلك سبب عدم الاتفاق ما بين اللاعبين الكبار على الجلوس لإيجاد حل إنساني لما يعيشه المواطنون السوريون من أسى.

زر الذهاب إلى الأعلى