الخلافات الأمريكية التركية تتفاقم
د . مرشد اليوسف

وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية مارك روبيو لم يحدد بعد موعدا لزيارة أنقرة وهذا بحد ذاته تجاهل متعمد وهذا التجاهل يأتي وسط تدهور العلاقات التركية-الأمريكية .
والعلاقة بين الطرفين تمر بمرحلة معقدة منذ سنوات ، حيث يتداخل فيها البعد الاستراتيجي مع الخلافات العميقة حول قضايا جوهرية .
وتجاهل وزير الخارجية الأمريكي مارك روبيو زيارة أنقرة يمكن تفسيره بعدة زوايا ، أبرزها أن واشنطن لم تعد ترى تركيا شريكًا موثوقًا كما كانت في السابق، خصوصًا مع استمرار أنقرة في اتباع سياسات لا تتماشى مع المصالح الأمريكية والغربية .
فتركيا كانت دائمًا ذات أهمية استراتيجية لواشنطن باعتبارها عضوًا في الناتو ، وجسرًا بين أوروبا والشرق الأوسط ، ولكن التحولات الأخيرة جعلتها أقرب إلى أن تكون حليفًا غير موثوق بدلاً من شريك أساسي .
فواشنطن لم تعد ترى أنقرة كقوة يمكن الاعتماد عليها في ملفات الشرق الأوسط بل كطرف يخلق مشاكل داخل الناتو ، سواء عبر تقاربها مع روسيا أو من خلال سياستها المستقلة التي تتحدى الأولويات الغربية .
وأحد أكبر مصادر التوتر هو الدعم الأمريكي لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والتي تمثل بالنسبة لتركيا تهديدًا مباشرًا .
بينما تنظر واشنطن إلى قسد كحليف أساسي في الحرب ضد داعش وترى أن دورها ضروري لاستقرار شمال و شرق سوريا .
وترى أنقرة أن أي دعم أمريكي لقسد هو تهديد للأمن القومي التركي ، مما يدفعها إلى تصعيد خطابها والتلويح بالعمليات العسكرية ضد المناطق الكردية ، رغم التواجد الأمريكي في مناطق قسد .
والخلاف حول قسد أصبح نقطة انكسار في العلاقات الثنائية ، حيث لا يبدو أن أي طرف مستعد لتقديم تنازلات حقيقية .
ومع اندلاع الحرب في غزة ، تبنت تركيا موقفًا أكثر حدة ضد إسرائيل ، حيث وصف الرئيس التركي أردوغان إسرائيل بأنها دولة إرهابية وأعلن دعمه لحماس .
وهذا يتعارض بشكل صارخ مع السياسات الأمريكية التي تعتبر إسرائيل حليفًا أساسيًا في المنطقة .
وموقف تركيا يضعها في مواجهة مباشرة مع السياسة الأمريكية الداعمة لإسرائيل ، مما يخلق فجوة جديدة في العلاقات بين البلدين .
وترى واشنطن أن موقف أنقرة ليس مجرد دعاية سياسية ، بل يعكس تحولًا أيديولوجيًا في السياسة الخارجية التركية نحو الاستقلالية عن الغرب والاقتراب من القوى المناهضة للسياسات الأمريكية في المنطقة .
وضمن هذا السياق فإن العلاقات التركية-الروسية أصبحت عامل قلق كبير بالنسبة لواشنطن ، خاصة بعد شراء أنقرة لمنظومة الدفاع الجوي الروسية S-400 ، وهو مما أدى إلى فرض عقوبات أمريكية عليها وإخراجها من برنامج الطائرات المقاتلة F-35 .
ورغم أن أنقرة تحاول لعب دور الوسيط بين الغرب وروسيا في عدة ملفات ، مثل أزمة أوكرانيا ، لكنها في الوقت نفسه تتعامل مع موسكو بشكل منفصل عن سياسات الناتو .
وهذا التقارب يجعل واشنطن تشكك في مدى التزام تركيا بالحلف الأطلسي ، مما يدفع أمريكا إلى تهميش أنقرة وعدم منحها الأولوية في العلاقات الدبلوماسية .
كما أن دخول تركيا في خلافات مع عدة أعضاء في الناتو ، مثل اليونان وفرنسا ، بالإضافة إلى تعطيلها انضمام السويد إلى الحلف لفترة طويلة ، جعلتها تبدو كدولة مُعرقلة داخل الناتو بدلاً من كونها دولة داعمة لمصالح الحلف .
ووفقا لتلك السياسات ترى واشنطن أن تركيا لم تعد تلعب الدور التقليدي كحليف استراتيجي للناتو ، بل أصبحت قوة إقليمية تتصرف وفقًا لمصالحها الخاصة دون تنسيق مع الغرب .
والسؤال :
هل تتجه العلاقات بين أمريكا وانقرة نحو القطيعة؟
بتصوري أن التجاهل الأمريكي لأنقرة قد يكون جزءًا من استراتيجية الضغط ، لكنه لا يعني القطيعة الكاملة .
فتركيا لا تزال تمتلك موقعًا استراتيجيًا مهمًا وفيها أكبر القواعد الأمريكية في الشرق الأوسط (قاعدة انجرليك التي تحتوي على القنابل الذرية الأمريكية ) .
وتظل تركيا ذات أهمية كبيرة في بعض الملفات ، مثل البحر الأسود وأوكرانيا والتوازنات في الشرق الأوسط .
ومع ذلك ، فإن العلاقات الثنائية تمر بمرحلة إعادة تعريف ، حيث لم تعد واشنطن ترى أنقرة كحليف موثوق ، بل كقوة تحتاج إلى ضبط وتحييد في بعض الملفات .
وإذا استمرت تركيا في التصعيد ضد إسرائيل، وواصلت تقاربها مع روسيا ، ولم تتراجع عن موقفها المعادي لقسد ، فمن المتوقع أن يزداد الفتور في العلاقات ، وقد تتجه واشنطن إلى تعزيز تحالفاتها مع قوى أخرى في المنطقة مثل اليونان وقبرص ، مما قد يزيد من عزلة تركيا على المدى البعيد .