العلاقات المستقبلية الأمريكية-السعودية
أ. عبد الرزاق علي
العلاقة ما بين المملكة السعودية والولايات المتحدة علاقة استراتيجية ضاربة الجذور في عمق الروابط التاريخية الحديثة وهي علاقة ذات أبعاد اقتصادية وسياسية حيث تدور السعودية في فلكها وهي من الدول الهامة والمفصلية للولايات المتحدة. لأن الكتلة الخليجية السعودية الغنية بثرواتها النفطية هي من أولويات واهتمامات السياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة. هذه العلاقة لم تتبدل أو تتغير بمجيء رئيس وذهاب آخر ولا بتنصيب ملك أو وفاة آخر على مدار عقود من الزمن هذا النمط من العلاقات هي ثابتة وراسخة ومستمرة وإن شابها تعثر في مرحلة ما كما حدث مع الملك فيصل وموقفه المعروف بقطع النفط في حرب تشرين 1973 لكنها لا تكاد تذكر في مسيرتها الطويلة أما الآن بدأت تتأرجح ما بين أمريكا والسعودية بناءً على التصريحات الإعلامية والوعود الانتخابية للمنتخب الأمريكي للرئاسة (جو بايدن) حيث قال بأن السعودية “دولة منبوذة” غير مبالية بمبادئ حقوق الأنسان وخير مثال على ذلك مقتل الصحفي جمال خاشقجي مما أثار هذا الأمر حفيظة ولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان . الأمر الذي جعله يتخذ موقفاً في قمة جدة حيث أبى أن يلبي طلبات بايدن في النفط والطاقة والاستمالة إليه إلى أن انفجر الوضع في إصدار بيان (أوبك بلس) والتي هي مجموعة قوامها ثلاث وعشرون دولة مصدرة للنفط يلتقي ممثلوها كل شهر في فيينا لتقرير مقدار النفط الخام الذي سيتم طرحه في الأسواق العالمية. لقد أحدث هذا القرار للمنظمة في خفض الانتاج بمقدار مليوني برميل نفط يومياً حالة غير مسبوقة من الغضب في الأوساط السياسة في واشنطن نظراً لما له من تداعيات سياسية واقتصادية سلبية على الولايات المتحدة وحلفائها والدول المستهلكة للنفط. بهذا الصدد يرى المحللون الاقتصاديون بأنه كلما تم خفض الإنتاج أدى إلى ركود الاقتصاد العالمي وزاد السعر على المعتاد. فبالرغم من المحاولات الأمريكية الحثيثة في ظل التقاء أعضاء المنظمة في فيينا والاتصال مع المسؤولين في الدول الصديقة لواشنطن والذين هم أعضاء في المنظمة حيث تم حثهم على التصويت ضد خفض الإنتاج. إلا أن اجتماع فيينا جاء عكس ما يتمناه الرئيس الأمريكي (جو بايدن) وكان هذا القرار بمثابة صفعة لزيارته وضربة قوية ومؤلمة للعلاقات التاريخية الأمريكية – السعودية ووقتها صرح البيت الأبيض في بيان بأن الرئيس الأمريكي أصيب بخيبة أمل بسبب قرار قصير النظر وهذا ما دفع الولايات المتحدة بمواصلة إنتاج النفط من المخزونات الوطنية حسب ما يقتضي الأمر والبحث عن طرق أخرى لكبح جماح أسعار الوقود وهي قضية رئيسية بالنسبة للناخبين الأمريكيين في انتخابات التجديد النصفي المقرر اجراؤها في تشرين الثاني أضف إلى ذلك ضخامة تكاليف استخراجها هذه من جهة ومن جهة أخرى ربما يعطل هذا البيان جهود أمريكا لوضع حد أقصى لسعر النفط الروسي وهي خطة اقترحتها الولايات المتحدة كوسيلة للحد من تدفق الأموال في البلاد واستخدامها في الأغراض العسكرية ونتيجة لما سبق تعالت الأصوات في الكونغرس الأمريكي تدعو لإعادة النظر في العلاقة مع الرياض حيث طرح النائب الأمريكي (توم بالينونسكي) مشروع قانون في مجلس النواب يطالب إدارة الرئيس بسحب أنظمة الدفاع ضد الصواريخ و٣ آلاف جندي الذين هم قوام القوات الأمريكية في كل من السعودية والإمارات حيث تابع النائب قائلاً : لقد حان الوقت لكي تستأنف الولايات المتحدة دورها كدولة عظمى في علاقتها بزبائنها في الخليج . كذلك أضاف السيناتور الأمريكي ( كريس مورفي ) بأن تقليص حجم الإنتاج يفرض علينا إعادة النظر بشكل شامل لتحالف الولايات المتحدة مع السعودية التي اختارت نوعاً من التفاهم مع الروس في هذا الوقت المتأزم وهذا ما أغاظ بايدن وأغضب مجلس الشيوخ لذا حذر زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ (تشاك شومر) في بيان ما قدمت به السعودية لمساعدة الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) في الاستمرار في شن حربه الوحشية ضد أوكرانيا سيبقى في ذاكرة الأمريكيين طويلاً واستطرد قائلاً بأن جميع السبل التشريعية للتعامل مع هذا الأجراء قائمة ومن بينها تشريع (نوبك) والتي هي بخصوص معاقبة وتحديد سلوك الدول المصدرة للنفط . أما تداعيات هذا البيان على الصعيد السعودي جاء متطابقاً ومنسجماً مع قناعات الأمير السعودي ومن ورائه الإمارات العربية المتحدة حيث أفاد المسؤولون السعوديون بأننا لا نريد أن نزج النفط في الأزمة السياسية العالمية وعلى وجه التحديد الأزمات الراهنة ومنها الأوكرانية على وجه الخصوص إنما نريد أن نخلق شيئاً من التوازن في الأسواق العالمية وفي معرض السؤال من قبل أحد الإعلاميين لوزير الطاقة السعودي بخصوص تداعيات خفض الإنتاج النفطي ومستقبل العلاقة السعودية الأمريكية أجاب ساخراً : أنصحكم بالاستمتاع في هذا اليوم المشمس.
أجمع المحللون السياسيون والباحثون الاقتصاديون بأن العلاقات تحكمها لغة المصالح دوماً – هذه اللغة قادرة على تجاوز الخلافات التي تظهر هنا وهناك وأنا كمتابع أنظر إلى الموضوع من هذه الزاوية بأن العلاقات الأمريكية السعودية استراتيجية وذات بعدٍ زمني طويل وطابع قوي وهي علاقات قائمة على المنفعة والمصلحة المشتركة وذات أهمية كبيرة للدولتين الغنيتين اقتصادياً. هذه العلاقات التاريخية مؤثرة وفعالة دولياً وشرق أوسطياً وداخلياً وبتصوري سوف تتغلب لغة المصالح في النهاية وإن رسمت إشارات استفهام كبيرة بين الطرفين سرعان ما ستتلاشى وستعود لكن ليس بالوتيرة المطلوبة.
المقالة تعبر عن رأي الكاتب