العراق …… مخاض تشكيل الحكومة وأفق الحل

العراق ...... مخاض تشكيل الحكومة وأفق الحل

تشهد الساحة العراقية أزمة سياسية قد تكون الأولى من نوعها منذ سقوط النظام البعثي عام 2003م تحولت إلى نزاع مسلح بين أنصار كتلتي الصدر والإطار التنسيقي وذلك إثر الإخفاق المستمر في التوصل إلى تشكيل حكومة اتلاف وطني فبعد فوز كتلة الصدر في الانتخابات التشريعية الأخيرة التي أجريت في تشرين الأول /أكتوبر 2021 بحصوله على73مقعدا من مجموع 329 مقعدا في البرلمان دخل العراق في مأزق سياسي بسبب فشل الكتلة الصدرية بتشكيل حكومة أغلبية لوحدها.
وزاد عدم التوصل إلى اتفاق من تعقيد الأزمة مع إصرار الإطار التنسيقي الموالي لإيران بالعودة في تشكيل الحكومة إلى أسلوب التوافق المتبع في الدورات السابقة الأمر الذي أدى إلى ارتفاع منحى العنف والإضراب الداخلي ووقوع هجمات مسلحة بين أنصار التيار الصدري وأنصار الإطار التنسيقي في جميع أنحاء البلاد وإغلاق حقول نفطية وسقوط ضحايا من الطرفين هذه الخلافات القائمة كان لها تأثير كبير على الواقع الأمني والاقتصادي للمواطن العراقي الذي مازال يعاني من أزمات حادة في تأمين الخدمات الأساسية رغم الثروات العراقية الهائلة، ورغم كثرة المحاولات التي حاول الشعب العراقي التعبير بها عن عدم رضاه عن الطبقة السياسية إلا إنه كان يصطدم بحقيقة انه لا تغيير للوضع القائم بسبب عدة عوامل دولية وإقليمية فتشكيل الحكومة العراقية هو ليس نتاج إرادة عراقية خالصة وهذا ما أثبتته التجارب في تشكيل الحكومات العراقية السابقة.
إذ لا تسمح هذه القوى المتنافسة والمتصارعة في العراق بوجود كيانات سياسية ذات أغلبية مخالفة لمصالحها وعلى راسها إيران والولايات المتحدة الأمريكية وتركيا وقطر والإمارات إذ من الواضح أن أمريكا التي ترى أنها بذلت الكثير لأجل العراق منذ الإطاحة بالنظام البعثي في 2003م تسعى لمواجهة الدور الإيراني في العراق ولا تريد أن تتشكل حكومة عراقية تتماهى مع تطلعات إيران التي ترغب بخلق دولة تابعة لها وتعول على العراق في ظل العقوبات الأمريكية المفروضة عليها لتصدير نفطها وإنعاش اقتصادها.
هذا التوتر الإيراني الأمريكي ينعكس على مستوى تدخل كل منهما في الشأن السياسي العراقي ويزيد من تعقيد الأزمة العراقية التي فيما يبدو بدأت تشهد تغيير في معادلة التحالفات إذ برزت تأثيرات جديدة في السياسية العراقية تتمثل في التحالف التركي القطري ودخول الإمارات بقوة في الملف العراقي إذ لعبت تركيا والإمارات دور كبير في جمع الأحزاب السنية وتوحيدها ومعالجة الخلافات بينهم كل ذلك في مقابل تراجع الدور الإيراني خاصة بعد خسارة حلفائها في الانتخابات الأخيرة فبالرغم أن إيران تمكنت في العقد الماضي من شق الصف السني إلا أنها تصدم اليوم بمحاولة توحيده من قبل تركيا والإمارات وقطر وهذه بمثابة ضربة وجهت لإيران.
ولعل ما يزيد من مخاوف إيران أكثر أن الحزب الديمقراطي الكردستاني أيضا يتمتع بعلاقات جيدة مع تركيا وهذا ما تعتبره تهديدا مباشرا لنفوذها ومصالحها الاستراتيجية في العراق ما يعني إن إيران التي تعتبر من أبرز الداعمين للأحزاب السياسية الشيعية لم تعد قادرة على أن تدير البيت الشيعي في تحالف واحد في الوقت الذي تمكنت فيه تركيا من جمع الأحزاب السنية المتشتته في تحالف واحد اسمه “تحالف السيادة”.
تنامي الدور التركي وتدخله في تشكيل الحكومة الجديدة لم يأت من فراغ بل لمخاوفها من عواقب ولادة أي حكومة جديدة قد تسعى لفتح ملف وجودها العسكري وغير الشرعي في باشور كردستان إلى جانب قصفها المستمر وانتهاكها للأراضي العراقية بحجة مكافحة الإرهاب.
لذا فهي لا تريد عراقاً قوياً يمنع التدخلات الخارجية ويحد من تطلعاتها الاستعمارية الرامية إلى تقسيم العراق وإعادة دمج ولاية الموصل والتي تشمل أربيل والسليمانية ودهوك وكركوك بتركيا ضمن مشروع ما يسمى” بالميثاق الملي”
ما يدل على أن حالة الانسداد السياسي التي وصل إليها العراق في تشكيل حكومته الحالية لا تتعلق بالخلافات القائمة داخل البيت الشيعي فقط والتي كانت فيه إيران اللاعب الوحيد في المشهد السياسي العراقي وإنما اليوم تغيرت المعادلات مع دخول لاعبين إقليميين آخرين.
هذا كله عدا تحديات وعوامل داخلية أخرى كالخلافات بين حكومة إقليم كردستان والأحزاب والكتل السياسية الرئيسية بسبب ملف النفط والغاز ومطالبة هذه القوى بتسليم هذه الملفات لحكومة المركز في بغداد سيما بعدما قضت المحكمة الاتحادية العليا في شباط المنصرم بعدم دستورية قانون النفط والغاز لحكومة الإقليم الصادر عام 2007 وإلغائه، لذا تبحث حكومة الإقليم والقوى السياسية الكردية من خلال تشكيل الحكومة الجديدة عن الطرف الذي سيلبي مطالبهم الأساسية حول المواد الدستورية الخلافية بين أربيل والمركز وهي النفط والمناطق المتنازع عليها ووضع البيشمركة.
وبالتوازي مع كل ما قد سلف فإن بقاء الحال على ما هو عليه في السياسية العراقية وإصرار الكتل والأحزاب السياسية على الاستقواء بالقوى الإقليمية والدولية ورفضها الانفتاح على بعضها يزيد من تعقيدات تشكيل الحكومة الجديدة كما يعني أن الحكومة الجديدة لن تتشكل بعيدا عن التوافق والمحاصصة وبالتالي لن تختلف عن سابقاتها.
ما يعني أن الحل يبقى بدخول جميع الأطراف من الأحزاب والكتل السياسية على خط التهدئة والجلوس للتفاوض وحل أزماته الداخلية وردع التدخلات الخارجية والبدء بمبادرة لحل الأزمة وتشكيل الحكومة على أسس وطنية وذلك ليس فقط من أجل حلحلة المشكلات السياسية القائمة وإنما أيضا للبدء في عملية تنمية شاملة وتحسين الخدمات في ظل ارتفاع معدلات البطالة وتدهور الوضع المعيشي، وإلا فاستمرار التدخلات والخلافات خصوصا بين الأحزاب الشيعية بشقيها التيار الصدري والإطار التنسيقي سيجعل العراق على صفيح ساخن قد يؤدي به إلى مزيدٍ من التصعيد والاحتقان وسيكون له تداعيات سلبية على موقف العراق الاقتصادي والسياسي وعلاقته الخارجية.

زر الذهاب إلى الأعلى