“جثّة داعش” هل تحلّلت كلّيًا؟ أم هناك مَن يحاول إحياءها بـ ” قُبلة الحياة”؟

خلال الفترة التي كان فيها تنظيم ” داعش” موجودًا على الأرض، وكانت ملامح وجوده عسكريًا وجغرافيًا وبشريًا واضحة المعالم للجميع، حينها كان التعامل مع ذلك الوجود للتنظيم أسهل بكثير من التعامل معه اليوم، وتأتي تلك السهولة في التعامل معه حينذاك من وضوح الهدف والرؤية، وبالتالي وضوح الخطّة الاستراتيجية للتعامل مع ذلك الخطر من كافة النواحي.

استطاعت قوّات سوريا الديمقراطية (قسد) وبالتعاون مع قوّات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتّحدة الأمريكية أن تضيّق الخِناق على التنظيم، و تحاصره عسكريًّا و جغرافيًّا في ” الباغوز” وهي قرية تابعة لمحافظة ديرالزور السورية وتقع على الحدود (العراقية – السورية) شمال شرقي الفرات، وبعد معارك ضارية مع التنظيم دامت حوالي ستة أشهر تمكّنت (قسد) وبدعم من التحالف الدولي أن تدحر تنظيم “داعش” وتكسر شوكته، وفي الثالث والعشرين من شهر آذار عام / 2019 / أعلنت قوّات سوريا الديمقراطية رسميًا القضاء عل تنظيم “داعش” وخلافته المزعومة في سوريا.

هل انتهى خطر داعش فعليًا؟

بعد إعلان قوّات سوريا الديمقراطية رسميًّا القضاء على ” داعش” والذي يمكن اعتباره انتصارًا عسكريًا جغرافيًأ، لجأ التنظيم الإرهابي إلى اتّباع سياسة مغايرة؛ تعتمد على زرع خلاياه النائمة في مناطق محدّدة من سوريا والعراق، ما يشكّل خطرًا حقيقيًا على العالم بشكل عام وعلى الدول الإقليمية بما فيها سوريا والعراق بشكل خاص.

ويؤكّد هذا الكلام أنّ قوّات سوريا الديمقراطية تعلن بين الحين والآخر ومن خلال دعم من قوّات التحالف الدولي شنّ هجوم على إحدى الخلايا النائمة لداعش، كما تعلن القبض على أحد أو بعض زعماء وأمراء التنظيم الذين يقودون ويديرون تلك الخلايا النائمة، والتي يمكن تشبيهها بالخلايا السرطانية التي تنشط بين الحين والآخر محاولة أن تنهش بالجسد المصاب كلّما سنحت لها الفرصة.

كذلك وليس بعيدًا عن سوريا فإنّ الجيش العراقي وقوّات البيشمركة أيضًا يعلنان وبشكل شبه يومي عن تنفيذ هجمات وعمليّات ضدّ التنظيم الإرهابي في مناطق متفرّقة من العراق وإقليم كردستان، كما أنّهما يعلنان أيضًا إلقاء القبض أو مقتل عناصر من التنظيم المذكور.

مخاطر المعتقلات والمخيّمات التي يُحتجز فيها عناصر التنظيم في مناطق الإدارة الذاتية شمال وشرقي سوريا؟

بعد الهزيمة التي أُلْحقت بتنظيم داعش قام الآلاف من عناصره بالاستسلام لقوات سوريا الديمقراطية، والتي قامت بدورها باحتجازهم في سجون ومعتقلات متفرّقة، إلّا أنّ الأعداد الضخمة من تلك العناصر والتي تشكّل خطرًا بشريًّا يهدّد أمن وسلامة المجتمع المحلّي أوّلًا، كما يهدّد الأمن الإقليمي والعالمي ثانيًا، كون تلك العناصر المعتقلة تُعْتَبر من أخطر عناصر التنظيم، وفي حال سنحت لهم الفرصة سوف يتواصلون مع الخلايا النائمة، وبالتالي سيتمكّن التنظيم من إعادة ترتيب أوراقه و سيعيد تشكيله من جديد، وبالتالي سوف تعود الحياة إلى جثّة التنظيم الإرهابي وستصبح المنطقة والعالم برمّته تحت تهديد خطر جديد بل ربّما يكون أشدّ من خطورة التنظيم قبل الهزيمة، وسوف نعود إلى النقطة “صفر” في مسلسل مواجهة جديدة مع تنظيم “داعش”.

كما أنّ المخيّمات التي تأوي عائلات تنظيم “داعش” من جنسيّات مختلفة لا تقلّ خطورة عن السجون والمعتقلات؛ كون تلك المخيّمات ورغم ما تبذله المنظّمات الدولية والإنسانية من جهود، وما تقدّمه من خدمات لإعادة دمجهم مع المجتمع وتغيير ذهنيّتهم، إلّا أنّ تلك العائلات أيضًا تشكّل خطورة على المجتمع المحلّي، كما تثقل كاهل قوى الأمن الداخلي (الأساييش) وتسبّب لهم عبئًا إضافيًا، بسبب المشاكل الاجتماعية والأخلاقية والفوضى التي تثيرها داخل المخيّمات.

وقد نشرت صحيفة ” الإندبندنت” البريطانية تحقيقًا لمراسلتها في سوريا ” بِل ترو” يتناول الأطفال الأجانب المقيمين في المخيّمات السورية، “ترو” تقول في التحقيق” إنّ مستقبل الأطفال المحتجزين في شمال شرقي سوريا قاتم، حيث تخلّت حكوماتهم عن كثير منهم”

مراسلة الصحيفة قابلت عددًا من الأطفال المحتجزين في مركز “هوري” في بلدة (تل معروف) شرق قامشلو، وتروي (ترو) أنّه “على مقاعد الدراسة في الفناء الصغير للمنشأة التي يديرها الأكراد يتجمّع مئة وعشرون طفلًا من أكثر من /25/ دولة مختلفة”

وتوضّح أنّ” أحد الأشياء الوحيدة التي توحّد هؤلاء الأولاد هو أنّهم نشؤوا لسنوات تحت خلافة الدولة الإسلامية، ويجدون أنفسهم الآن بعيدين عن عائلاتهم وأوطانهم”

والسؤال الذي يشغل الكثير من المتابعين والمراقبين هو: لماذا تخلّت الحكومات والدول عن مواطنيها الذين التحقوا بصفوف التنظيم؟ ولماذا لا تتحمّل تلك الحكومات والدول مسؤولياتها تجاههم؟ بل تترك كلّ العبء والمسؤولية على كاهل قوّات سوريا الديمقراطية (قسد) وقوى الأمن الداخلي (الأساييش) في مواجهة خطر تلك المخيّمات.

ماذا لو أبصر تنظيم “داعش” النور من جديد؟

يرى الكثير من المراقبين أنّ تنظيم “داعش” ورغم إعلان قوّات سوريا الديمقراطية عن القضاء عليه، إلّا أنّ خطورته لا تزال موجودة، كما أنّ فرصة عودته إلى المشهد ليست مستحيلة، خصوصًا إذا وجد التنظيم الفرصة سانحة أمامه عندما تنشغل قوّات سوريا الديمقراطية بمعارك أخرى مع الفصائل الموالية لتركيا من جهة ومع الجيش التركي نفسه في حال شنّت تركيا هجومًا برّيا على مناطق شمال شرق سوريا، تركيا التي تهدّد بتنفيذ ذلك الهجوم بين الحين والآخر كلّما شعرت بالحاجة إلى ذلك، ولا تتوانى في إيجاد وخلق الذرائع والحجج التي تسوّغ لها الهجوم، وآخرها التفجير الإرهابي في شارع ” تقسيم” في استانبول والذي سارعت تركيا وعلى جناح السرعة بإلصاق التهمة بقوّات سوريا الديمقراطية التي أعلنت وبكلّ وضوح عدم مسؤوليّتها لا من قريب ولا من بعيد عن الهجوم.

قوّات سوريا الديمقراطية تعلن صراحة بأنّها وفي حال تعرّض مناطقها لأيّ هجوم برّي تركي سوف تعلن إيقاف عملياتها ضدّ” داعش” وسوف تتفرّغ للدفاع عن مناطقها، وهذا الأمر إذا ما حدث سوف يكون بمثابة “قُبلة الحياة” للتنظيم، كما سيكون تعاونًا تركيًا واضحًا وصريحًا وغير قابل للشكّ مع ” داعش” رغم أنّ صفحة تركيا في هذه المسألة بالتحديد ليست بيضاء، بل تشوبها الكثير الكثير من النقاط السوداء التي باتت تسيطر على بياض الصفحة لدرجة أنّ لونها مائل للسواد إن لم نقل إنّ لونها بات أسودَ قاتمًا.

وبخصوص قرار (قسد) إيقاف عمليّاتها ضدّ تنظيم داعش في فترة انشغالها بالضربات الجوية التركية الأخيرة، والتي استهدفت المرافق الحيوية والبنية التحتية لمناطق شمال وشرق سوريا، يقول أستاذ العلاقات  الدولية في الجامعة الأمريكية في القاهرة رائد العزّاوي لموقع “سكاي نيوز عربية”: ” إنّ القرار سيؤثّر كثيرًا على جهود مكافحة الإرهاب وخصوصًا ضدّ تنظيم (داعش) كون قوّات سوريا الديمقراطية لديها باع طويل بمقارعة التنظيمات الإرهابية و التكفيرية المختلفة، وتمتلك قدرات وإمكانيات قتالية هائلة في هذا السياق، ونتذكّر هنا خاصّة ما حدث في كوباني قبل سنوات، حينما تمكّنت من دحر (داعش) هناك وهو في أوج قوّته آنذاك، كما و أنّ (قسد) ساهمت بالعديد من العمليات القتالية والاستخباراتية النوعية ضدّ الدواعش طيلة السنوات الماضية، وعلى الأرض لديها قدرات لا يمكن الاستهانة بها.”

وتابع العزّاوي:” وبالتالي فانسحابها من التنسيق مع التحالف الدولي سيرتدّ سلبًا على جهود مكافحة الإرهاب العالمي”

بناءً على ما سبق، يمكن القول إنّ “داعش” لم تتحلّل جثّته بعد، رغم الضربات الموجعة التي تلقّاها ولا زال يتلقّاها على يد قوّات سوريا الديمقراطية بالتعاون مع التحالف الدولي، وتلك “الجثّة” لا تزال تحوي خلايا نائمة، وتحاول تلك الخلايا أن تبقي ذلك التنظيم على قيد الحياة بشكل أو بآخر، كما أنّ هناك أيادٍ إقليمية تلعب دورًا غير خافٍ في الإبقاء على حياة التنظيم المذكور، كونه يقدّم لها خدمات كبيرة وأحيانًا ينوب عنها في القيام ببعض العمليّات هنا وهناك.

زر الذهاب إلى الأعلى