لقاء الشيباني ووزير خارجية تركيا هاكان فيدان.. الأجندات والموقف الأممي والدولي

لاشكّ في أنّ سوريا ومنطقة الشرق الأوسط تمرّ بأحداث متسارعة ومتلاحقة، فقد انعقد مؤتمر عمان في الأردن لتثبيت وقف إطلاق النار في السويداء، وإدخال المساعدات الإنسانية، ومحاسبة مرتكبي الجرائم بحق الدروز في السويداء، وذلك بحضور المبعوث الأمريكي توم باراك ووزير الخارجية السوري أسعد الشيباني ووزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، دون أي تمثيل للدروز السوريين. ثم انعقد مؤتمر بروكسل للدول المانحة في بلجيكا من أجل إعادة الإعمار، تلك الدول التي تراقب سلوك الحكومة المؤقتة للشرع وتقيّم سلوكها تجاه المكوّنات الداخلية. ثم أعقبه مؤتمر وحدة الموقف لمكوّنات شمال وشرق سوريا الذي حضّرت له الإدارة الذاتية الديمقراطية في مدينة الحسكة والذي أبهر الجميع، دولياً وإقليمياً، بوحدة الصف والتكاتف والتلاحم بين جميع المكوّنات دون استثناء، وشارك فيه زعيم الطائفة العلوية، غزال غزال، وكذلك زعيم الطائفة الدرزية، حكمت الهجري، وقد تناقلته جميع وسائل الإعلام المرئية ومواقع التواصل الاجتماعي، وقوبل بردّ فعلٍ سلبيّ لدى حكومة دمشق المؤقّتة التي أعلنت عن إحجامها حضور مؤتمر باريس مؤقّتاً وفق النصائح التركية، واعتُبِر مؤتمر الحسكة خرقاً لاتفاق 10 آذار، وفق منظور الشرع والحكومة التركية. الحكومة التركية جنّ جنونها عندما تمّ استبعادها، وبدور فرنسي، عن حضور مؤتمر عمان ولاحقاً عن مؤتمر باريس القادم، وعن لعب دور في مؤتمر بروكسل، ولا تخفي تركيا عداءها للكرد والإدارة الذاتية وقسد في كل لقاء حول حل الأزمة السورية، كما أنّ لديها فوبيا من حضور قسد التي يكاد يكون لها الدور الأبرز والرئيسي في حل المعادلة السورية. كما أنّ تركيا أُصيبت بالرعب بسبب الدور والتدخّل الإسرائيلي في مناطق جنوب سوريا والسويداء، خاصة أنّ إسرائيل تتابع بشكل كبير القواعد العسكرية للشرع والفصائل الموالية له في كل مكان من سوريا، وتركيا ترغب بإقامة قواعد عسكرية لها في شمال سوريا لكنّها تخشى الضربات الإسرائيلية المفاجئة، وقد أصابها الهلع جرّاء الضربات الإسرائيلية ضد إيران والمفاعلات النووية الإيرانية الثلاث المعروفة.

فتركيا تتحكّم في قرار حكومة الشرع المؤقتة وتوجّه بوصلتها كما ترغب، خاصة داخلياً وإقليمياً، فما يجمعهما هي الأيديولوجيا الفكرية الإخوانية، والقائمة على المركزية في الحكم وإنكار حقوق القوميات والمكوّنات الأخرى الدينية والعرقية، وتركيا التي مارست القتل والإبادة بحق الأرمن والكرد والسريان هي تركيا ذاتها “العميقة” التي لا تقبل بالآخر المختلف، وتريد لسوريا أن تكون على شاكلة تركيا سابقاً وحالياً، خاصة أنّها تهيمن على كل مفاصل حكومة الشرع المؤقتة، وتريد لها أن تكون نسخة منها خاصة أنّها ذات خلفية سلفية وإخوانية، كجبهة النصرة وهيئة تحرير الشام.

لقاء الشيباني وهاكان فيدان في أنقرة والأجندات:

خلال مؤتمر صحفي بعد اللقاء ركّز الشيباني على إسرائيل وأشار إلى أنّ تدخّلاتها تهدّد استقرار سوريا والمنطقة وتسعى إلى إثارة الفوضى، وزعم أنّه بحث مع الجانب التركي سبل التعاون السياسي والتنسيق الأمني؛ إلّا أنّ وزير الدفاع السوري قد رافق الشيباني إلى أنقرة لتوقيع اتفاقيات للتعاون العسكري والتدريب والدعم بالمعدات العسكرية والأمنية والتقنية؛ وذلك في محاولة من تركيا لشرعنة التدخّل التركي في الداخل السوري وعزمها على نسف أية تجربة ديمقراطية تحقّق مشاركة كل المكوّنات في حكومة وطنية جامعة، كما عبّر الشيباني خلال المؤتمر الصحفي عن أنّ حكومة الشرع تقوم بحماية الدروز وأنّ الدروز جزء أصيل من الشعب السوري، وأنّ الحكومة بصدد محاسبة مرتكبي الانتهاكات وتعمل على إدخال المساعدات إلى السويداء. ومن أجل أن تظهر الحكومة أنّها قد عدّلت من سلوكها قامت بإيصال حولي 30 شخصاً من كبار السنّ من الدروز (من درعا إلى جرمانا) بالتعاون مع الهلال الاحمر السوري؛ وهذا يعود إلى الضغوط الأممية والدولية على الحكومة السورية المؤقّتة، كما يعود إلى البيان الرئاسي الصادر من الأمم المتحدة، وإلى تقييم وزارة الدفاع الأمريكية بخصوص تقييم قوات الحكومة السورية المؤقّتة التي تضمّ فصائل أجنبية غير منضبطة وموالية للشرع ولتركيا، وقد أكّد هاكان فيدان على نفس المخاوف التركية من التدخّلات الإسرائيلية التي تسعى إلى إضعاف سوريا وإحداث الفوضى وزعزعة الاستقرار فيها، خاصة في اللاذقية والسويداء، كما أكّد فيدان أنّ بلاده تسعى مع الحكومة السورية للقضاء على المؤامرات، وتسعى لإعادة المهجّرين، وركّز فيدان أيضاً على الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية بقوله: “على الأكراد وقف ألاعيبهم، وقد رفضوا إلقاء السلاح والاندماج في الجيش السوري”. ومن جهة أخرى تسعى تركيا لإعادة نفوذ روسيا إلى قواعدها السابقة في سوريا؛ وذلك لتحقيق التوازن مع نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية، ومع نفوذ إسرائيل التي تتحرّك بحرية كاملة في الأجواء السورية لضرب القواعد التركية ومخازن السلاح لدى حكومة الشرع والفصائل الموالية له، خاصة تلك الفصائل الأجنبية المرتبطة بتركيا، كجماعة أنصار الدين وغيرهم؛ فمن المؤكّد أنّ وجود روسيا سيحدّ من هذه الاعتداءات – حسب الزعم التركي – ويقيّد حركة إسرائيل، ولذلك فقد نصح رجب طيب أردوغان حكومة الشرع والشيباني بزيارة موسكو في الأسبوع الماضي، حيث تم اللقاء بين الشيباني ولافروف، ثم اللقاء مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإعادة نفوذ روسيا وقواعدها إلى سوريا، وحقيقة الأمر أنّ المتابع للشأن السوري يجد أنّ الحكومة السورية المؤقتة في حالة تراجع كبير، دولياً وإقليمياً؛ بسبب الجرائم والانتهاكات في الساحل وفي مدينة السويداء، وكذلك بسبب خرق وقف إطلاق النار مع قوات سوريا الديمقراطية في مناطق حلب ومنبج ودير حافر، والاستفزازات التي تقوم بها، وهذا خرق لاتفاقية 10 آذار بين مظلوم عبدي وأحمد الشرع. وبعد تحقيقات اللجان الأممية واللجان الوطنية؛ بدأت حكومة الشرع، وعبر وسائل الإعلام العربية كقنوات الحدث والعربية، تعترف بأخطائها وجرائمها في الساحل، ولا يخفى على أحد الأجندات التركية في تحقيق خريطة الاتفاق الملّي بضمّ حلب والموصل، والسيطرة على مناطق الإدارة الذاتية وصولاً إلى كركوك، فهذه أهداف عميقة ثابتة للدولة التركية مهما تغيّرت الحكومات والدساتير فيها، فهي دولة غير قابلة للوثوق بها.

الموقف الأممي والدولي من حكومة الشرع المؤقتة:

وقد تجلّى ذلك في البيان الرئاسي الصادر من الأمم المتحدة بخصوص سوريا وإحياء المادة (2254) والتي تقتضي تشكيل حكومة انتقالية في سوريا، والتي جاءت منسجمة ومتوافقة مع رؤية الإدارة الذاتية الديمقراطية وقوات سوريا الديمقراطية، حيث رحّبت الإدارة الذاتية بذلك خلال بيان وردت فيه إدانة للجرائم والانتهاكات التي وقعت في السويداء وضرورة حماية المدنيين، وضمان وصول المساعدات الإنسانية، وأبدت الإدارة الذاتية استعدادها للتعاون مع الأمم المتحدة وضمان المساءلة العادلة وحماية المدنيين، كما رحّبت الإدارة الذاتية بالقرار (2254) لتحقيق انتقال سياسي حقيقي يضمن مشاركة الجميع دون إقصاء، وأشار بيان الإدارة الذاتية إلى أنّ البيان الرئاسي قد جاء منسجماً مع اتفاق 10 آذار بين دمشق وقوات سوريا الديمقراطية، وأنّه جاء منسجماً كذلك مع مخرجات كونفراس وحدة الموقف لمكوّنات شمال وشرق سوريا الذي انعقد في الحسكة، كما أشار البيان إلى أنّ الإدارة الذاتية تبدي استعدادها التام لتنفيذ القرار (2254)، وتشكيل هيئة حكم انتقالي شاملة، وصياغة دستور توافقي يُرضي الجميع، وصولاً إلى انتخابات نزيهة وبإشراف الأمم المتحدة.

أمّا موقف الولايات المتحدة فيمكن حصره في تقييم البنتاغون لقوات الحكومة السورية المؤقّتة، والذي أشار إلى أنّ تلك القوات تتشكّل من جبهة النصرة وهيئة تحرير الشام وفصائل سُنّية متطرّفة، وهو بناء هشّ لا يمكن التعويل عليه، كما يضمّ فصيل “حرّاس الدين” الذي أعلن عن حل نفسه لكنّه ما يزال ذا نفوذ بين قوات أحمد الشرع؛ وأشار البيان إلى أنّه، وبناءً على ما سبق، يجب منح قوات سوريا الديمقراطية استقلالية أكبر ممّا مضى في شمال وشرق سوريا. يمكن أن يكون هذا تحوّلاً جديداً في الموقف الأمريكي فيما يتعلّق بمسألة اندماج قوات سوريا الديمقراطية في الجيش السوري المزمَع تشكيله حالياً. كما أبدى البنتاغون حذره من تزايد قوة ونفوذ حكومة الشرع (التي تخضع لمراقبة الاستخبارات الأمريكية والدولية) وحذّر من أنّ هذه الحكومة قد تتواصل مع فلول داعش في البادية؛ وهذا لا يتعارض مع الرؤية الاسرائيلية التي تحاول أن تجد لها تواجداً في الجنوب السوري، والتي تنزعج من التدخّل التركي السافر في الشؤون السورية والفلسطينية في غزة.

أمّا بالنسبة للموقف الأوربي

فهو لا يتعارض مع الرؤية الامريكية، بل إنّ أوروبا أكثر شفافية من الولايات المتحدة، وخاصة فرنسا التي تدعو إلى مؤتمر في باريس لحل المسألة السورية دون دعوة تركيا للحضور؛ وهذا ما يقلق تركيا ويثير خوفها وقلقها، ودول الاتحاد الاوربي متوافقة مع الرؤية الفرنسية، خاصة ألمانيا وبريطانيا وبقية دول الاتحاد الأوربي.