“السابع من أكتوبر”  تغييرٌ للخرائط الجغرافية والسياسية

شرفان سيف الدين

يُعَدُّ تاريخ السابع من تشرين أول/أكتوبر من عام 2023م حدثاً مفصلياً، ليس في تاريخ الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني فحسب، وإنّما في تاريخ منطقة الشرق الأوسط والعالم؛ ففي صبيحة العطلة الرسمية في إسرائيل تفاجأ المجتمع الإسرائيلي في الجنوب المحاذي لقطاع غزة بهجوم مسلّح من قبل عناصر من حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، استهدف الهجوم المدنيين والعسكريين، وراح ضحيته ما يقارب 1200 إسرائيلي، وأسر ما يقارب 240 آخرين، وأطلقت حماس على هذه العملية اسم (طوفان الأقصى)، أمّا إسرائيل فأطلقت على العملية المضادّة في القطاع اسم (السيوف الحديدية).

نشأت حركة حماس عام 1987م من صلب حركة الإخوان المسلمين العالمية، في ظروف نشأت فيها معظم الحركات الراديكالية والدوغمائية والأيديولوجية وغيرها في العالم، والتي كانت تهدف للوقوف في وجه الغول الغربي المتمثّل بالرأسمالية العالمية في أوج الصراع ما بين المعسكرَين الشرقي والغربي، والذي انتهى بتفكّك الاتحاد السوفياتي وهيمنة الغرب – وأمريكا على وجه الخصوص – على القرار العالمي السياسي والاقتصادي، خاصةً مع ربط عملتها بالذهب، وتشكيل قاعدة موازية للاحتياطيات العالمية المتمثّلة بديونها وعملية البيع والشراء.

 بالعودة إلى حركة حماس، التي انطلقت – كما باقي الحركات في تلك الفترة – بعناوين وشعارات فضفاضة، منها: تحرير الأراضي الفلسطينية كاملةً، ورفض الحلول السلمية التي لا تؤدّي إلى زوال إسرائيل، ورفض القرارات الدولية التي من شأنها تقسيم فلسطين التي تعتبرها الحركة وقفاً اسلامياً ولا يجوز التفريط به، وقد فرضت حركة حماس أفكارها بالقوة على الشارع الفلسطيني وباقي الفصائل الفلسطينية التي خالفتها الرأي؛ كل ذلك أدّى لترسيخ الأصوات التي كانت مقتنعة بأنّ الحركة أساساً ربما تكون منتجاً إسرائيلياً (رغم عدم وجود أي دليل مادّي ملموس على ذلك)، ولكن تغاضي إسرائيل عن ممارسات حماس، وتسهيل بعض الأمور لها، وخاصةً عملية تسليحها وتقوية شوكتها؛ كل ذلك كان كافياً لتصبح حماس ندّاً لحركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية أو البديل عنهما، أو على أقلّ تقدير لضرب وشقّ وحدة الصف الفلسطيني، وهكذا وبالتوازي مع كل الظروف والمعطيات والتسهيلات السابقة باتت حركة حماس واقعاً ملموساً حقيقياً ضمن الحركات الفلسطينية.

أسباب أحداث السابع من أكتوبر ورهاناتها:

لم تكن أحداث السابع من أكتوبر وليدة اللحظة أو الصدفة، لكنّها كانت نتيجة طبيعية للكثير من العوامل والظروف، ويمكننا تقسيم أسبابها إلى داخلية وخارجية. وعليه؛ ومن أهم الأسباب الداخلية:

–        خلافات حماس مع حركة فتح ومنظمة التحرير على مرّ العقود الماضية، وتناقض الحركتين في رؤيتهما حول حلّ القضية الفلسطينية.

–        تسلّم يحيى السنوار منصب رئاسة المكتب السياسي للحركة في قطاع غزة، وتوتّر العلاقات مع المنفذ البرّي الوحيد المتمثّل بجمهورية مصر العربية، خاصةً بعد سقوط الرئيس الإخواني محمد مرسي وتسلّم عبد الفتاح السيسي القيادة.

–        ارتماء القيادة الخارجية في حضن كل من تركيا وقطر، ووضعها رقاب أهل غزة تحت رحمة المساعدات المالية الحصرية تحت إشراف أمريكي وإسرائيلي.

–        الإهمال التنموي الداخلي وزيادة الحصار الخارجي.

في حين يمكننا ذكر بعض الأسباب الخارجية لا حصرها أيضاً، ومنها:

–        الاتفاق الابراهيمي الموقّع ما بين إسرائيل ودول الخليج التي كانت بمثابة الصفعة لحركة حماس، والتي رأت حماس فيها نوعاً من الخيانة العربية للقضية المركزية للعرب، حسب مخرجات القمة العربية عام 2002م، والتي أكّدت على حلّها بشكل عام وشامل قبل أي نوع من التطبيع أو العلاقات الدبلوماسية أو السياسية أو الاقتصادية مع إسرائيل.

–        زيادة حالة الفوضى في الشرق الأوسط، ووصول بعض الملفات إلى حالة التأزّم في إيجاد أي حلّ سياسي لها.

–        توجّه السعودية ومصر إلى الاهتمام بشكل أكثر للحدّ من القرار الإيراني في التدخّل في الشؤون العربية، والحدّ من تغلغل إيران في مفاصل كثير من الدول؛ مثل العراق وسوريا ولبنان واليمن، ومنع تشكيل طوق شيعي حول السعودية.

يُضاف إلى ما سبق؛ زيادة سوء الحالة الاقتصادية للسكان في قطاع غزة، وارتفاع الأصوات الداخلية الشعبية التي بدأت تشكّك في شعارات الحركة وعدم تمكّنها من تلبية احتياجات القطاع من أساسيات الحياة؛ كلّ ذلك كان كفيلاً ليخلق لدى قيادات حماس الداخلية – على أقل تقدير – الخوف من أن تصبح معزولة ومنبوذة داخلياً وخارجياً، وبالتالي؛ التفكير في طريقة للخروج من هكذا حسابات، ورأت قيادات حماس – خاصةً الداخلية – أنّ صفقة الجندي الإسرائيلي (جلعاد شاليط) كانت مميّزة في التاريخ الفلسطيني، وأنّه يمكن تكرارها وربما بشكل أوسع وأكبر، وبالتالي؛ تكون النتائج أعظم لخلق هالة من العظمة للقيادات التي ستخطّط وتدبّر وتنفّذ ذلك، متجاهلة مصير الشعب الفلسطيني عامة، وغزة على وجه الخصوص، حول النتائج الكارثية التي ستترتّب على هذه العملية؛ حيث انعكست بشكل سلبي على الحركة والشعب الفلسطيني، وقد منحت حركة حماس الحجج لإسرائيل لتنفيذ مخطّطاتها في المنطقة؛ فكان الردّ الإسرائيلي سريعاً وقاسياً على لأهل غزة، وما تزال إسرائيل مستمرّة لغايته في كسر لقاعدة إمكانية تدخّل دول الجوار والقوى العالمية الفاعلة لإيقافها والجلوس إلى طاولة المفاوضات؛ وبذلك كان رهان حركة حماس على إمكانية ضبط إسرائيل خاسراً، كما أنّ رهان الحركة على تركيا وإيران لم يكن صائباً.

تأثير السابع من أكتوبر على المنطقة:

بعد الردّ الإسرائيلي على عملية طوفان الأقصى – حسب تسمية حماس- واتباع سياسة “الأرض المحروقة” في البداية، ثمّ اختيار إسرائيل للأهداف الدقيقة لقيادات حماس؛ مثل عملية اغتيال رئيس المكتب التنفيذي للحركة، إسماعيل هنية، في العاصمة الإيرانية طهران، ثمّ اغتيال العقل المدبّر داخلياً، يحيى السنوار، وبعده محمد الضيف الناطق باسم كتائب القسام وأبو عبيدة؛ كلّها تخلق بعض إشارات الاستفهام لدى المراقبين والمحلّلين حول تواطئ داعمي حركة حماس، سواء بقصد أو بدون قصد، حول ما يحدث في المنطقة؛ كل ما حصل في السابع من أكتوبر ألقى بظلاله على باقي دول المنطقة، وخلق جوّاً من الحرب في شرق أوسط على صفيح ساخن وملتهب أصلاً.

لبنان: بقيت لبنان لعدة أعوام حبيسة الأنفاس، ولم تقوَ على اختيار رئيس توافقي بسبب “فيتو” حزب الله وحركة أمل الشيعيّتَين وتعنّتهما في سير أمور الدولة البيروقراطية بسلاسة، ولكن مع توجّه إسرائيل شمالاً واستهداف كوادر حزب الله الفاعلين عبر ما باتت تُعرف بعملية تفجيرات أجهزة البيجر، ومن بعدها العملية النوعية التي استهدفت قياداته العليا، وعلى رأسهم زعيم الحزب حسن نصرالله ونائبه هاشم صفي الدين؛ قد أصاب الحزب بشلل وارتباك لدى القيادة، وبالتالي؛ كان له انعكاس على الداخل اللبناني الذي سارع إلى انتخاب رئيس للبلاد، وتشكيل حكومة بدأت بالضغط داخلياً بالتوازي مع الضغط الخارجي لنزع سلاح حزب الله وإبقاء السلاح ضمن مؤسسة الدولة العسكرية حصراً وتحت سيادة الجيش؛ هذا القرار الذي ما زال في عملية صدّ وردّ داخلي وإقليمي، يبدو أن حلّه لن يكون بالأمر السهل أو بأقلّ الخسائر.

سوريا: كانت الازمة السورية، طوال أربعة عشر عاماً من عمرها، رهينة التجاذبات والحسابات الإقليمية والدولية، ونظراً لأهمية سوريا الجيوسياسية والاستراتيجية فقد بقيت أزمتها حبيسة المصالح الضيّقة للمتحكّمين في ملفها، لكن بعد السابع من أكتوبر، وعدم تمكّن سلطة دمشق من الخروج من تحت العباءة الإيرانية والرجوع للحضن العربي، أصبحت سوريا الهدف التالي في مرمى الغرف السوداء الغربية التي أسقطت ورقتها، ليبدأ البديل بالتحرّك من أقصى الشمال الغربي، وخلال أحد عشر يوماً يُسقط العاصمة دمشق، ليبدأ الجانب الإسرائيلي بتنفيذ باقي المهمّة في القضاء على جميع الترسانة العسكرية الموجودة وتدميرها بشكل نهائي، وذلك لكي لا تستفيد منها القوى الراديكالية الواصلة حديثاً إلى سدّة الحكم. وبعد مرور عشرة أشهر يبدو أنّ البديل يقوم بدور وظيفي ليس إلّا؛ وقد تبيّن كل ذلك من خلال تهميش الشارع السوري بشكل عام من أي تمثيل فعليّ أو ديمقراطيّ لقيادة المرحلة الانتقالية، كما تبيّن كذلك من خلال الانتهاكات والمجازر المرتكَبة في الساحل والجنوب تحت مسمّى ممارسات فردية أو أنّ الجهات المرتكبة لا تمثّل الحكومة.

العراق: التيّار المعطّل في الحكومة المركزية العراقية، والمحسوب على إيران، لم يكن مستبعداً من كل ما يجري، وتعتبره القوى الغربية شريان الربط الأساسي ما بين طهران ودمشق ولبنان، وعليه؛ وبعد إسقاط النظام في دمشق كان لابدّ من تقليم أظافر هذه القوة، وذلك من خلال جسمها السياسي المتحكّم في القرار في بغداد، ومن خلال ميليشياتها العسكرية المنضوية تحت مسمّى الحشد الشعبي الذي يحاول – حسب المتابعين – تغيير نفسه ما بين الحين والأخر؛ ولكن ذلك لا يستبعد استهداف الحشد بشكل مباشر إذا ما اضطرّ الأمر لذلك.

اليمن: تُعَدُّ حركة الحوثي اليمنية الذارع الأساسية لإيران، ومحورها في الجنوب، وتسبّب القلاقل للقوى الغربية، خاصةً مسألة التضرّر الاقتصادي من خلال استهدافها للسفن التجارية، ولكن فعلياً فإنّ المتضرّر الأول والأكبر هي قناة السويس، والتي تعتمد عليها مصر بشكل أساسي في عمليات التنمية الاقتصادية للبلاد؛ لتكون ورقة ضغط على مصر لاستقبال اللاجئين من غزة في سيناء أو المساعدة في ترحيلهم إلى الخارج.

حركة الحوثي كان لها نصيب في عمليات إسرائيل الأخيرة، والتي تخدم أجندة إسرائيل في المنطقة، والتي استهدفت القيادات السياسية للحركة.

 إيران: رغم المحاولات الإسرائيلية المتكرّرة على مدار عام ونصف عام من حرب غزة لاستجرار الجانب الإيراني للانخراط المباشر في الحرب ضدّها، من خلال استهداف قيادات حماس على أراضيها، واغتيال ربيبها المدلّل حسن نصر الله، إلّا أنّه يبدو أنّ إيران لم تجد في نفسها القوة الكافية للانخراط في أي حرب هي بالأساس غير جاهزة لخوضها مع إسرائيل، حتى وصل الأمر إلى منتصف العام الحالي حيث بادرت إسرائيل بشنّ حرب ضروس ضدّ المواقع العسكرية الإيرانية ومفاعلاتها النووية، وتدمير صورة إيران أمام العالم وأمام حلفائها بأنّ إيران ليست الندّ الفعلي للقوى الغربية في الفترة الحالية على أقلّ تقدير.

المبادرة الأمريكية.. فرصة أخيرة لحماس:

الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب يعمل على إقفال معظم الملفات الساخنة على الساحة الدولية، بهدف نيله جائزة نوبل للسلام؛ فالمقترح الأخير المعتمد من قبله والمكوّن من إحدى وعشرين بنداً، والمقدّم لحركة حماس تحت ضغط القبول، والذي تم اعتماده من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي أيضاً بضغط شخصي منه، يُعَدّ أو أنّه تم التأكيد من قبل الأمريكيين على أنها الفرصة الأخيرة قبل وقوع الكارثة العظمى، حسب تعبير ترامب، المقترح والبنود الواردة تضع حركة حماس أمام خيارَين أحلاهما مُرّ؛ فإمّا القبول الذي يُعَدّ بطعم الاستلام، أو الرفض الذي يُعَدّ نوعاً من الانتحار، وخاصةً في البنود المتعلّقة بسلاح الحركة بشكل عام (الدفاعي والهجومي) على حدّ سواء. بطبيعة الحال؛ التيار الإيراني ضمن الحركة رافض، كما يرفض ويتعنّت حزب الله اللبناني في الجنوب، لكن الضغط القطري والمصري على التيّار المقابل سيكون له التأثير الأعظم، حسب القراءات التحليلية، وعليه؛ فانّ قرار قبول حركة حماس الذي تمّ الإعلان عنه حتى قبل انتهاء المدّة المسموح بها إنّما يدلّ على أنّ الحركة ربّما استنفذت كل احتمالاتها التي راهنت عليها، وأوّلها مسألة الرهائن المحتجزين، والموقف العربي والإسلامي، وليتبيّن للقارئ السياسي أنّ ملف فلسطين بشكل عام، وملف غزة بشكل خاص، هما أكبر بكثير من حجم حماس، وقادم الأيام حبلى بكثير من التفاصيل التي تكمن فيما بين السطور، خاصةً مع موافقة حماس المبدئية المقترنة بكلمة (ولكن).

زر الذهاب إلى الأعلى
RocketplayRocketplay casinoCasibom GirişJojobet GirişCasibom Giriş GüncelCasibom Giriş AdresiCandySpinzDafabet AppJeetwinRedbet SverigeViggoslotsCrazyBuzzer casinoCasibomJettbetKmsauto DownloadKmspico ActivatorSweet BonanzaCrazy TimeCrazy Time AppPlinko AppSugar rush
amavi5d sesetoto situs slot titi4d Situs Slot Toto Slot Situs Toto Situs Slot Situs Toto sontogel idrtoto akuntoto situs slot slot gacor situs slot leon188 Wikatogel babe138 slot login slot deposit pulsa tanpa potongan toto slot situs toto toto togel https://id.desapujonkidul.net/ toto togel toto togel toto slot titi4d karatetoto situs gacor situs toto toto slot situs toto toto slot toto slot toto slot ollo4d Jinhoki slot deposit 1000 gaib4d situs toto slot gacor situs toto sontogel hantutogel naruto 88 sontogel slot deposit 1000 gaib4d ilmutoto toto togel link agustoto situs toto slot 4d slot88 agustoto login togel 4d dewadora login dewadora login toto slot okewin agustoto login situs toto link toto slot dewadora login paten188 okewin slot togel 4d agustoto login toto slot toto slot mayorbet kiostoto angker4d mayorqq situs toto slot gacor hari ini toto ib88 situs toto situs togel slot gacor toto slot toto sbctoto https://injectcare.com/ situs toto link slot situs toto toto slot rp888 situs slot gacor maxwin https://es.sumal.com/ CONGOR4D situs toto togel slot PEWE4D toto slot https://toto228.com toto slot toto slot situs toto dewadora login situs toto situs toto cheat slot dentoto toto situs togel naruto 88 toto login roma77 tribun62 cheat engine slot toto slot JHONBET77 tribun62 situs toto situs toto MAXWIN288 CUAN288 pajaktoto rtp pajaktoto rtp RP888 rp888 situs toto pajaktoto pajaktoto rtp pajaktoto slot slot toto TOTO SLOT slot777 https://vostokintur.ru/ monk4d