حصارُ الشهباء في ظلِّ السياساتِ الدوليّة والإقليميّة

وليد حسن

بعد احتلال عفرين من قِبَل تركيا ومرتزقتِها في آذارَ / مارس 2018، نزح حوالي 300 ألف شخص بحسب بعض الإحصائيات، وتوجه أغلبُهم الى مناطق الشهباء التي تقع في مثلّث مسار آستانة، هذا المسار الذي يجمع بين المتناقضين، وتعدّ منطقة الشهباء بؤرةً تحتشد فيها العديد من الأجنْدات والمشاريع المتضاربة، وهي مدخلٌ أساسيّ للدول المعنية بالحرب السّوريّة من أجل التأثير في مجريات الأحداث في العمق السّوري؛ لذا من الطبيعي أنْ تنعكس التطوّراتُ فيها على باقي المناطق، توجد في الشهباء 5 مخيماتٍ للّاجئين موزعةٌ على أماكن مختلفةٍ، وهي: (عفرين وسَرْدَم وشهبا وبَرخُدان وفجر) بالإضافة الى مناطق أخرى خارج المخيمات.

 معاناة المُهجَّرين

لا يتلقّى النازحون في هذه المخيمات سوى القليلَ من الدّعم الدولي، فمنطقة الشهباء بعيدة عن أعين المنظمات الدولية والمجتمع الدولي اللذين تركاها لمصيرٍ مجهول؛  حيث يعاني سكان المخيمات من ضعف الخدمات الطّبية والصّحّيّة والاقتصاديّة، فالنّازحون في الشهباء يعيشون مشاهدَ تراجيديةً  للمأساةِ تفوق تصوّر الإنسان؛ حيث يتسلّل البرد ضيفاً ثقيلاً إلى الخِيَم ويتسرّب الى أجساد الأطفال الغضّة وأجساد كبار السن الهشّة في ظلّ انعدام ما يحميهم سوى خيمةٍ رقيقة ٍتفتقد كل وسائل التدفئة، فالنازحون  يصارعون للبقاء أحياءً؛ حيث البرد القارس في الشتاء والحرّ اللاهب في الصيف، وما يزيد من المأساة هو صعوبة إيصال البضائع أو المساعدات أو الأدوية إلى المنطقة، بسبب موقعها الجغرافي واستمرار حكومة دمشق في فرض الحصار عليها وسيطرتها على الطرق بين الإدارة الذاتية ومناطق الشهباء ، وهو ما يؤدّي إلى نقص الأدوية والعديد من الضروريات الأخرى في مخيمات اللاجئين، بالإضافة الى الضغوط النفسية التي يتعرّض لها قاطنو هذه المخيمات نتيجة ممارسات الفرقة الرابعة التابعة لحكومة دمشق، ناهيك عن القصف المستمر من قبل الاحتلال التركي.

المواقف الدوليّة والإقليميّة من حصار الشهباء:

الموقع الجغرافي لمخيّمات الشهباء ووجودُها في مثلث  مسار آستانة، حيث تركيا تحتل كامل المناطق الواقعة شمال شرقي حلب، وانتشار قوات نظام دمشق والشرطة العسكرية الروسية على طول الحدود الفاصلة مع تركيا عند ناحية شيراوا جنوب شرقي عفرين، بينما  تتمركز عناصر «حزب الله» اللبناني والقوات الإيرانية والميليشيات الإيرانية الموالية للجيش السوري في بلدتي “نبّل والزهراء” المتاخمتين لمدينة عفرين وتقعان في الجهة الجنوبية الشرقية لها، وهذا ما يجعل من مخيمات الشهباء نقطةً لتمرير السياسات الإقليمية والدولية على حساب المأساة الإنسانية التي يعيشها نازحو عفرين في مناطق الشهباء، حيث يحاول كل طرف من هذه الأطراف استغلال هذه المخيمات لتحقيق مصالحه. بالرغم من التباين الموجود والظاهر بين كل تلك القوات فإنّ نقطة الاتفاق هي مسألة الضغط على الإدارة الذاتية والحصول على تنازلات منها؛  فالنظام السوري من خلال الحصار الذي يفرضه على مخيمات الشهباء يحاول الضغط على النازحين ودفعهم لترك المنطقة والضغط على الإدارة الذاتية للحصول على بعض المكاسب السياسية والاقتصادية والعسكرية، وهذا الأمر يتوافق مع الأجندات التركية والتي تسعى للتخلّص من أيّ و جودٍ كرديّ في المنطقة،  فبعد أنْ عمدت إلى تهجير سكان عفرين الأصليين من مناطقهم  والآن تحاول وبشتى الوسائل التخلص منهم في الشهباء، لضمان منع عودتهم إلى أرضهم ما يُسهّل عليها عمليات الاستيطان والتغيير الديمغرافي، لذلك تستمر في قصف مناطق الشهباء.

ويبدو أنّ النظام الايراني ليس ببعيد عن التناغم الموجود بين الاحتلال التركي والنظام السوري، فهو ( النظام الإيراني ) يعتبر مدينة حلب وريفها  ذات أهمية استراتيجية لأطماعه  في سوريا، وتكمن هذه الأهمية في كون حلب إحدى المدن الأربع التي تضمن لإيران السيطرة التامة على سوريا، لذلك فهو يرى في وجود هذه المخيّمات وفكرة الإدارة الذاتية خطراً على مشروعه، ربّما تكون مشاركته غير ظاهرة للعلن إلّا أنّه بالعودة إلى خلفية قوات ( الفرقة الرابعة ) التي تحاصر مخيمات الشهباء نجد أنّ هنالك علاقة مباشرة للنظام الإيراني بحصار الشهباء.

أما الروس الذي يلعبون دور “الضامن” فإنهم لا يتحرّكون حيال القصف المستمرّ للاحتلال التركي على مناطق الشهباء التي تأوي آلاف النازحين، ولا يتحرّكون حيال الحصار المستمر من قبل نظام دمشق للمخيمات، مما يشير إلى رضاهم عن هذه الأعمال والتحركات حيال نازحي المخيمات الذين باتوا بين مطرقة النظام السوري وسندان المصالح الدولية والإقليمية  في ظلّ صمت المنظمات الإنسانية والحقوقية والمجتمع الدولي عمّا يجري في مخيمات الشهباء، ويبقى العبءُ الأكبر واقعاً على كاهل الإدارة الذاتية لإقليم شمال وشرق سوريا في محاولاتها الحثيثة لإيصال بعض المواد إلى المخيّمات رغم كل الصعوبات والعقبات من قبل أطراف أستانة.

المقالة تعبر عن رأي الكاتب

زر الذهاب إلى الأعلى