أحداث السويداء والتدخّلات الخفية… وموقف الإدارة الذاتية منها
د. أحمد سينو

المقالة تعبر عن رأي الكاتب

مقدمة عن الوضع السوري الداخلي في ظل حكومة الأمر الواقع:
قُبَيل الحديث عن الأحداث الأخيرة التي جرت في السويداء، وبلغت أشدّها وتناولتها وسائل الإعلام المحلية والعربية والدولية، لابدّ من التطرّق للوضع السوري الداخلي الذي بدوره لم يكن نقيّاً؛ مثل حادثة التفجيرات التي طالت كنيسة للمسيحيّين في منطقة الدويلعة في دمشق، والتي استهدفت المكوّن المسيحي، ولا ننسى الحوادث التي استهدفت العلويّين في منطقة الساحل السوري، والتي أدّت إلى مقتل العشرات من السكان العلويّين والسكان الآمنين، بحجّة محاربة فلول النظام السابق، وكذلك أحداث جرمانا وصحنايا في العاصمة دمشق. وتوالت بعدها أحداث قتل وتجاوزات في كل من حيَّي الأشرفيه والشيخ مقصود ذي الغالبية الكردية، واستهداف الكرد في العاصمة دمشق واعتقالهم، وإلى حريق غابات اللاذقية على اتساع 15ألف هكتار، والتي تبنّتها سرايا أنصار السُّنّة، وتلاها ذهاب وفد الإدارة الذاتية إلى دمشق على أساس استكمال المفاوضات بشأن (اتفاق الشرع -عبدي ) الذي وُقّع في العاشر من شهر آذار من عام 2025م، والذي تعثّر لوجود وفد من الاستخبارات التركية وحال دون إحراز تقدّم في المفاوضات، ولم يُستكمَل تنفيذ الاتفاق بسبب إصرار الادارة الذاتية على مطلب اللامركزية، والتأكيد على حقوق المجتمع الكردي وكل مكوّناته في الدستور السوري القادم، واندماج قوات سوريا الديمقراطية في الجيش السوري ككتلة واحدة هذا من جهة، ومن جهة أخرى بسبب تعنّت حكومة الشرع وتمسّكها بالمركزية والدولة الواحدة والجيش الواحد والشعب الواحد والرئيس الواحد، كل ذلك في ظل وجود المبعوث الأمريكي توماس باراك الذي ساند ذلك دبلوماسياً على خلفية الحديث عن رفع العقوبات على سوريا، والدعم البريطاني الذي بلغ حوالي 90مليون جنيه استرليني والمقدّم لحكومة الشرع، في الوقت الذي تتالى اللقاءات بين حكومة الشرع (غير المنتخبة والانتقالية) مع إسرائيل من أجل الانضمام إلى الاتفاقيات الإبراهيمية، وهذه اللقاءات حدثت في أذربيجان بين الوفد الاسرائيلي وحكومة أحمد الشرع، وعلى خلفيتها افتعلت أحداث السويداء برغبة من حكومة الشرع لفرض السلطة المركزية على السويداء، وسحب البساط من الطائفة الدرزية، ورفع الغطاء الإسرائيلي عنها بصفقة التنازل عن مناطق وأراض في الجولان لصالح إسرائيل. لذلك جاءت الهجمات الإسرائيلية على استحياء، وأعلنت أنّ الضربات الإسرائيلية هي رسائل تحذيرية لحكومة الشرع؛ فإسرائيل نفسها تستخدم الدروز كورقة للحصول على مزيد من المكتسبات، والمساندة الإسرائيلية – حسب تصريحاتٍ أوردتها وسائل الإعلام المختلفة – لم تتعدَّ ضربات إسرائيلية على الدبابات السورية التي كانت ترغب باقتحام السويداء والوصول إلى مركز المدينة، علماً أنّ الدروز أنفسهم يمثّلون عدّة تيّارت منها تيار حكمت الهجري وتيار البلعوس.
الخلفية التاريخية للدروز:
المكوّن الدرزي من المكوّنات الأصيلة في منطقة بلاد الشام عموماً؛ حيث يتواجد الدروز في محافظة السويداء وفي ريف محافظة دمشق في كل جرمانا وصحنايا وحتى في العاصمة دمشق، ولديهم وجود في لبنان، وهم ممثّلون في البرلمان اللبناني وفي الحكومات اللبنانية المتعاقبة وفق اتفاق الطائف، ولديهم وجود في إسرائيل أيضاً، خاصة في مناطق الشمال، ولهم حضور في جيش الدفاع الإسرائيلي، ويشكّلون غالبية السكان في هضبة الجولان والقرى المحيطة بالمنطقة. أمّا تاريخهم القريب فهم الذين شكّلوا الدولة المعنية أيام الدولة العثمانية، والتي كانت تتمتّع باستقلال داخلي كبير، ومن أمرائهم فخرالدين المعني الأول، وفخر الدين المعني الثاني الذي كانت له علاقات مع الدول الأوربية، وشمل نفوذه وحدود دولته كلاً من لبنان وفلسطين ومناطق واسعة من سوريا. أمّا الدولة الثانية التي أقامها الدروز فهي الدولة الشهابية زمن بشير الشهابي. ولسنا بصدد تناول تاريخهم، بل للدلالة على وجدودهم كمكوّن أصليّ في كل من سوريا ولبنان وإسرائيل، وأنّهم موجودون على أرضهم التاريخية منذ وقت طويل.
الخلفية السابقة لأحداث السويداء:
وهذه تعود بنا إلى السويداء في عهد بشار الأسد الذي كان وفياً تجاه اتفاقاته وتعهّداته مع إسرائيل، كما كان مستقوياً بنفوذ روسيا وقواعدها في اللاذقية وطرطوس في حميميم وغيرها، وكان متحالفًا كذلك مع إيران ومع حزب الله اللبناني، وهذا النظام نفسه كان قد شجّع واستغلّ العشائر البدوية التي كانت تغير بين الحين والآخر على الطائفة الدرزية في محافظة السويداء، لضبط تبعيتهم للنظام السوري ولبشار الأسد، ولايزال بعض أطراف الطائفة الدرزية تؤكّد على عروبتها لإبعاد الشبهة عنها في مسألة عقيدتها وعلاقتها مع إسرائيل.
حرّض بشار الأسد القبائل البدوية في درعا ضدّ الطائفة الدرزية أكثر من مرّة، ولكن سرعان ما كان يقوم بإخمادها وضبطها؛ لضبط الأمور في السويداء، ولضبط علاقة الدروز في سوريا مع دروز لبنان، ولضمان ولائهم للنظام السوري عبر الزعيم الدرزي وليد جنبلاط وحزبه، ومقتل كمال جنبلاط في عهد حافظ الأسد الذي كان يجيد اللعب على الأوراق الطائفية في لبنان والسويداء، والذي اتّهم بقتل الزعيم الدرزي كمال جنبلاط هو رفعت الأسد، شقيق حافظ الأسد وعمّ بشار الأسد.
ملخّص الأحداث الجارية في السويداء:
بدأت شرارة هذه الأحداث في 13 من شهر تموز 2025 عندما قامت بعض العشائر البدوية بخطف مواطن درزي من محافظة السويداء، وتلاها ثأر وانتقام من المسلحين الدروز بخطف 10 أشخاص من العشائر البدوية في درعا، وهكذا بلغ القتال والصراع مداه، ودخل الجيش السوري والقوات التابعة لوزارتَي الداخلية والدفاع السوريّتين بقصد التهدئة وفرض السلطة والنظام من قبل حكومة الشرع الانتقالية، ووجدتها فرصة لتثبيت سلطتها في السويداء ونواحي درعا، وبالتالي التنكّر لكل الاتفاقيات السابقة المحلّية مع الدروز فيما يتعلق بقوات الأمن والجيش التي يجب أن تكون من المكوّن الدرزي، إضافة إلى الهيئات الإدارية المحلية من المحافظ والمؤسسات الاخرى المتعلّقة بمحافظة السويداء لتحقيق شكل قريب من اللامركزية الإدارية. الخسائر كبيرة في الأرواح من المكون الدرزي ومن قوات العشائر البدوية بما، فيها قوات من وزارتَي الداخلية والدفاع السوريّتَين ومن الأمن العام، وهي أرقام كبيرة بموجب وسائل الإعلام المختلفة التي يحددها بعضها بالعشرات وبعضها بالمئات، ولاتزال المواجهات مستمرّة لذا لا يمكن التكّهن بدقة عدد القتلى من كل الأطراف حتى تتوقّف هذه الاحداث ويتم رصدها بدقّة فيما بعد.
ماذا يريد الشرع من السويداء؟
ما تريده حكومة الشرع الانتقالية هو الانسحاب من الاتفاقات التي وقّعها مع المكوّن الدرزي، وفرض السلطة المركزية في المحافظة، في تحوّل لافت مستغلّاً تناغمه مع إسرائيل وأمريكا، ليبدأ عملياته العسكرية في السويداء، وفرض السلطة المركزية في عموم سوريا، مع الدروز والعلويين والمسيحيين، ومع الكرد والإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا والتي توقّفت أو تعثّرت حتى هذه اللحظة. يعتمد الشرع في الوقت الراهن على الدعم والمساندة التركية في فرض السلطة المركزية، محاولاً تقليد رجب طيب أردوغان، زعيم حزب العدالة والتنمية، في المراوغة والتبدّل في المواقف بأسلوب فاضح لا يخفى على أحد.
من يقف خلف أحداث السويداء؟
ربما تعود أحداث السويداء وتفجّرها إلى عودة الشرع من أذربيجان وتوقيعه الاتفاقات الإبراهيمية مع إسرائيل، وإلى تفاهماته مع تركيا بهذا الشأن، أو أنّه جرى تفاهم بين إسرائيل وتركيا بخصوص الوضع الداخلي السوري عموماً، لذا فقد أُخمِدت الحرائق في غابات الساحل عندما بلغت الحدود التركية، لتندلع أحداث السويداء وبموافقة تركيّة وربما إسرائيلية، وبصمْت روسيّ وأمريكيّ وأوربيّ، ومراقبة من إيران التي تحاول بدورها ألّا تحرج خالية الوفاض في سوريا وفي لبنان، وفي فلسطين من خلال الحرب في غزة ودعم حماس.
الوضع في سوريا معقّد ولا يمكن فصله عن الصراعات والحروب الجارية في عموم منطقة الشرق الأوسط، بل حتى لا يمكن فصله عن الصراعات الدولية كالحرب الروسية – الأوكرانية.
موقف الادارة الذاتية في شمال وشرق سوريا من أحداث السويداء:
دعت الإدارة الذاتية، عبر بيان، إلى درء الفتنة، والمحافظة على السلم الأهلي، كما دعا البيان الحكومة السورية إلى تحمّل مسؤولياتها في حماية السلم الأهلي، وإلى حماية جميع السوريين دون تمييز، والابتعاد عن خطاب الأقلّية والأكثرية، والابتعاد كذلك عن التحريض وخطاب الكراهية، كما يدعو البيان جميع القوى الوطنية والديمقراطية للتدخّل لوقف الحرب والنزيف الذي يجري في السويداء، ويشير البيان إلى أنّ الحل في سوريا يمرّ عبر تحقيق التعدّدية وقبول الآخر، وعبر اللامركزية التي تكفل الحقوق والحريات.
كما صدر بيان آخر من مجلس سوريا الديمقراطية جاء في مضمونه متوافقاً مع البيان السابق. وتبقى الإدارة الذاتية مثالاً عصرياً يُحتذَى به من حيث التأكيد على وحدة الأراضي السورية التي وصفها بالخط الأحمر، ومشاركة كلّ المكوّنات في المصير الواحد، ولا يجوز ومن غير المقبول من حكومة الشرع المؤقّتة والانتقالية وغير المنتخَبة أن تتلاعب بالقرارات المصيرية التي تتعلّق بمستقبل سوريا كالقانون والدستور السوري، بل يجب أن يقرّه الشعب السوريّ عبر الاستفتاء والانتخابات، لا أن تكون القرارات مزاجية وارتجالية من حكومة الشرع وداعميها أيّاً كانوا.