تجدد مسلسل العنف في وسط باريس بحق النشطاء الكرد عود على بدء

نذير صالح

في العاشر من كانون الثاني عام 2013م تم اغتيال ثلاث ناشطات كرديات من باكور كردستان في الدائرة العاشرة من وسط باريس وهن المناضلات ساكنة جانسيز، وفيدان دوغان، وليلى سويلمز، وذلك بطلقات نارية في قلب المركز الثقافي الكردي في مدينة باريس (بلد الخبز والنبيذ والمنابر الديمقراطية الحرة ؟؟؟). وعلى إثر ذلك ألقت الشرطة الفرنسية في باريس القبض على شخص إرهابي من أصحاب السوابق الإجرامية يدعى (عمر غوني) بتهمة قتلهن على اعتباره عميل لدى الاستخبارات التركية دون أن يصدر أي تعليق أو توضيح من جانب المسؤولين الأتراك في أنقرة رغم الصدى الواسع للجريمة النكراء التي هزت ضمير المجتمع الإنساني، ووجدان أحرار العالم المتمدن سيما أن ساكنة هي من الأعضاء المؤسسين لحزب العمال الكردستاني والتي أمضت سنينا عجاف في سجون وأقبية التعذيب في تركيا الفاشية بامتياز.

علما أن الاغتيال جرى في توقيت حساس جدا حيث كانت عملية السلام جارية بين الساسة الكرد والأتراك لإيجاد حل عادل للقضية الكردية في باكور كردستان حيث كانت اللقاءات تجري بين حزب الشعوب الديمقراطي والمفكر عبدالله أوجلان في مكان أسره في جزيرة إمرالي، وفجأة أدعت المحكمة الفرنسية بناء على أقاويل وافتراءات محامي الدفاع عن غوني أنه رجل مريض نفسيا وقضية الاغتيال هي مسألة شخصية، وتم بموجب ذلك طمس معالمها وأفادت جميع التحليلات أن الاستخبارات الفرنسية قد حادت عن جادة الصواب وخالف القاضي شرائط ونزاهة القضاء تحت ضغوط تركية وتبرئة الاستخبارات التركية التي نسجت ودبرت خيوط المذبحة الوحشية رغم بيانات الإدانة العالمية لهذه العملية الدموية الغادرة بحق المناضلات الكرديات الثلاث، وبينوا بوضوح ما بعده وضوح وجلاء أن استهداف الشهيدات هو استهداف مقصود ومبيت لحقوق الشعب الكردي والذي يشكل 40% من المجتمع التركي.

واليوم تتكرر المأساة وتتجدد  بحق الجالية الكردية في باريس في23-12-2022م وفي الدائرة العاشرة وسط باريس داخل المركز الثقافي الكردي، والذي أودى بحياة ثلاثة من الكرد وعدد من الجرحى جراء إطلاق النار عليهم بشكل مقصود ومبيت من قبل مسلح له باع طويل في الإجرام وقتل الأبرياء يبلغ من العمر ( 69عاما) وهو سائق قطار سابق متقاعد حسب تصريح وزير الداخلية الفرنسية (جيرالد موسى دارمانان) ،وقد استنكر الرئيس الفرنسي ماكرون، وأدان هذه الجريمة الآثمة واصفا إياها بالشنيعة، ودعا إلى حماية الجالية الكردية في فرنسا كون المهاجم استهداف المركز بشكل واضح، وإن دل هذا على شيء إنما يدل على أن مسلسل استهداف الكرد من زعماء ونشطاء ليس صدفة، فلكل هذه الجرائم دوافع سياسية تغذيها وتشرف عليها الاستخبارات التركية، وهي ضالعة في هذه الجرائم الإرهابية للحد من نشاط الساسة والنشطاء الكرد الذين يقضون مضجع أردوغان وزبانيته من العنصريين البغاة.

هذا وقد أدان وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن هذا العمل الدنيء بحق ثلة من الشباب والشابات الكرد، وعبر عن تضامنه الصادق وتعاطفه مع ضحايا الهجوم العنصري الغادر، ويبدو جليا أن المسلح المهاجم استهدف عناصر المركز من الكرد على وجه الخصوص كونه يدرك تمام الإدراك أن من يرتاد المركز هم على الأغلب من الكرد المهتمين بالشأن السياسي والكردي ومن الفارين من الديكتاتورية التركية وغيرها، فالمعتدي ناشط يميني متطرف ومعروف وله صلات وعلاقات مع دوائر استخباراتية خارج حدود الجمهورية الفرنسية، وقد توقع الكثير من المحللين أن المهاجم على علاقة مع الأوساط العنصرية في تركيا فهي ليست حادثة عادية عابرة أو محض صدفة وليدة الساعة، وطبعا لتركيا باع طويل في اختفاء وقتل الصحفيين والسياسيين والنشطاء في العالم خاصة من الكرد، وهذا العمل الشنيع جزء لا يتجزأ من ثقافة القادة الأتراك من أتاتورك إلى الطاغية أردوغان الذي تفوح من خياشيمه الصفراء روائح مجازر الأرمن والسريان ومقابر الأناضول وجثث الكرد فهم أقوام بدائية وفي أقصى درجات الهمجية والميل الغريزي لسفك الدماء ونحر البشر إن هذه الأعمال الجبانة والجرائم الدموية ذات العمق التاريخي تعود إلى أكثر من قرنين من الزمن الغابر، وهذا جزء من سياسة أجداد الأتراك الإقصائية والإلغائية الذين تفوح منهم نوازي الشر وشين الموت، فتركيا تحاول دوما وأبدا أن تصدر مشاكلها الداخلية المستعصية إلى ساحات شعوب ودول أخرى، وعلى اعتبار أن العثمانيين لديهم شعور بالنقص الثقافي والجذب الفكري التاريخي ويدركون تماما أنهم غرباء وافدون وطارئون على شعوب آسيا الصغرى فهم يحاولون ومنذ أمد بعيد خلق وهم لدى الأتراك بأنهم يعيشون في وسط محيط من الأعداء المتربصين بالدولة التركية، وقد نجحوا في ذلك وإلى حد بعيد وما زالت جرائمهم الوحشية ترن في آذان الشعوب المنكوبة من البلقان واليونانيين والأرمن والسريان، أما جرائمهم بحق الكرد فهي قصة تاريخية تستمر فصولها الدموية إلى اليوم في كردستان قاطبة، ويظن أردوغان ومن هم على شاكلته من الأفاعي السامة أنه بهذا الأسلوب الهمجي الدنيء سينتصر لكنه نصر مؤقت بطعم الهزيمة المرة، فإذا كان للباطل جولة فللحق كل جولة وإن العدالة آتية ولو بعد حين وعلى الباغي تدور الدوائر.

المقالة تعبر عن رأي الكاتب

زر الذهاب إلى الأعلى