زيارة الرئيس السوري إلى بكين الأهداف والمصالح المشتركة

المقدمة :

العلاقات بين الصين وسوريا تعود إلى آلاف السنين، منذ تأسيس مشروع طريق الحرير , وكانت الصين  نقطة البداية لانتقال  قوافل تجارة الحرير والتوابل  والأفاوية  إلى سوريا  ومن سوريا الى أوربا  الأمر الذي أسس لتاريخ طويل  من العلاقات التجارية والثقافية  بين البلدين  .

وزيارة الرئيس السوري اليوم الخميس إلى الصين  ليست الأولى  , فقد تبادل الطرفان  عدة زيارات من قبل  .

لقد زار الرئيس الصيني  دمشق  في عام 2001 وزار الرئيس السوري بكين في عام 2004 , وضمن هذه الزيارات المتبادلة توطدت العلاقة بين الطرفين  .

 ووقفت الصين  إلى جانب النظام في الأزمة الحالية  واستخدمت حق الفيتو مرارا وتكرارا في مجلس الأمن  ( مع روسيا ) ضد القرارات  التي حاولت الأمم المتحدة  إصدارها ضد النظام السوري  في الأزمة الحالية  .

وضمن توافق البلدين  قامت الصين  ببناء  المدينة الصناعية  الحرة  في منطقة عدرا بالقرب من  دمشق  ونظرا لضخامتها  فإنها شكلت البوابة  ألأولى لدخول بكين الى سوريا  والشرق الأوسط  والمدينة  عبارة  عن مجمع صناعي  استثماري كبير  يضم نحو 600 مصنع  لنحو 200 شركة  صينية  وهي على شكل مستعمرة صناعية  لإنتاج عدد كبير من السلع والمنتوجات  الصناعية  ويتم توزيعها  الى نحو 17 دولة  في الشرق الأوسط وأوروبا , وتضم المدينة محلات ضخمة للعرض  على مساحة 500 ألف متر مربع كمنطقة تجارية حرة خاصة  , ويمكن توصيل  بضائع وإنتاج هذه الشركات  في مدة لا تزيد  عن عشرة أيام  الى زبائنها  في حين يتطلب  وصولها  من الصين  نحو 40 يوما  .

وهذا المجمع  يعطي الصين فرصة مهمة  للدخول إلى الأسواق بتكلفة أقل .

والخطوة الصينية الاستراتيجية الثانية باتجاه سوريا هي توقيع  رئيس هيئة التخطيط  والتعاون الدولي  السوري مع  السفير  الصيني  في كانون الثاني  2022  وتهدف  ضم سوريا  رسميا  لمبادرة الحزام  والطريق الذي سيربط الصين بباكستان  وإيران والسعودية والخليج وصولا الى سورياوشرق المتوسط   وهي الأداة الصينية الممولة  بقيمة تريليون دولار   ( الف مليار دولار ) للدخول بشكل ناعم الى  الشرق الأوسط وإفريقيا تحت غطاء  التنمية الاستراتيجية .

والسؤال هو :

ماذا تريد الصين من سوريا  وماذا تريد سوريا من الصين ؟؟؟!!!!! .

وللإجابة على هذا السؤال  ينبغي فصل السؤالين على الشكل التالي :

أولا : ماذا تريد الصين من سوريا ؟

للإجابة على هذا السؤال ينبغي  أن ندرك أن موقع سوريا الجغرافي والجيواستراتيجي مهم جدا للصين  بسبب وقوع سوريا على سواحل البحر الأبيض المتوسط  و في قلب الشرق الأوسط   وبسب قربها من منابع البترول في السعودية والخليج والعراق وهي بوابة مهمة إلى أوروبا  , ليس هذا فحسب بل سوريا يمكن أن تكون موطئ قدم  مناسب لتحقيق الحلم الصيني بالوصول إلى شاطئ البحر المتوسط   و بالتالي السيطرة على التجارة حول العالم وهذا سيحقق لبكين  تفوقا على المستوين الاقتصادي والسياسي ويحقق لها بعد استراتيجي كخط أمامي لمواجهة  أمريكا في المستقبل .

لذلك تحاول بكين استعمال كل الأدوات الناعمة لثبيت أقدامها في الشرق الأوسط  كما هو الحال في علاقتها الاستراتيجية مع إيران  وعلاقتها الجديدة مع السعودية ودول الخليج, وهذا التطور السياسي والتحول يحقق للصين  غاية أكبر  وهي الوصول الى أوربا عبر سوريا  والبحر المتوسط.

ولكن يجب أن ندرك أن الصين ليست مستعجلة  في هذه المسألة  ولا تريد أن تلفت  انتباه أمريكا لهذا التسلل الناعم , ولهذا تتبع الصين سياسة ( خطوة وراء خطوة ) والسياسة الناعمة والدبلوماسية الهادئة من خلال العلاقات  الثقافية والتجارية  وتبادل المنح الدراسية والاتفاقات ذات المدى الطويل مع سوريا وغيرها في منطقة الشرق الأوسط   .

ورغم أن الصين لم تتدخل عسكريا في الأزمة السورية إلا أنها تدخلت دبلوماسيا  من خلال استخدام حق الفيتو لعدة مرات  ( كما ذكرنا سابقا ) .

وترى إسرائيل أيضا أن نوايا الصين في سوريا  موضع جدل وأن  لدى تل أبيب مخاوف  من العلاقة السورية الصينية  .

 وتعمل بكين على انفتاح الدول العربية  على النظام السوري  وضمن هذه السياسات  تتعامل الصين  مع النظام السوري  وتعمل على حل النزاع في سوريا  عبر الحل السياسي  ونستطيع أن نقول أن بكين  تتحرك ببطيء  في سوريا  ولكن بخطة استراتيجية لتوسيع حضورها في الشرق الأوسط .

ثانيا :ماذا تريد سوري من الصين ؟

لا شك أن لقاء الأسد مع الرئيس الصيني في هذه الزيارة سيكون لقاء قمة  ولقاء البحث  في آفاق التعاون الاقتصادي  بين البلدين  والهدف هو توقيع  عدد من الاتفاقات الاقتصادية  الثنائية  وتعزيز العلاقات العسكرية .

وذكرت صحيفة الوطن السورية أن هناك أسباب غير معلنة للزيارة .

وحقيقة الأمر أن  النظام السوري يرى  أن هناك نقاط تشابه بين النظامين السوري والصيني ( نظامين شموليين ……) وهذا عامل إضافي لتفاهم البلدين.

 وعبر الرئيس السوري بشار الأسد أثناء زيارته  إلى الصين  في يونيو 2004 عن احترامه  للثقافة الصينية وتاريخها  العريق  وأثنى على الإنجازات  الضخمة التي حققتها الصين  على المستوى  الثقافي والاقتصادي والاجتماعي  .

وقال الأسد أثناء لقائه  مع الرئيس الصيني في الزيارة السابقة ” أن سوريا ترحب  بالمؤسسات  والشركات  الصينية للاستثمار  والاشتراك  في بناء الاقتصاد السوري.

وحسب صحيفة الأخبار اللبنانية  ( المقربة من حزب الله ) من المرجح أن يرافق الرئيس الأسد  وفد سوري  عالي المستوى  إلى العاصمة الصينية بكين  لعقد اجتماعات على مستويات عالية  مع المسؤولين الصينيين  من أجل تطوير العلاقات  الثنائية بين البلدين  والدور الصيني المحتمل  في مساعدة سوريا  على تجاوز أزمتها الاقتصادية.

لقد بات الحصول على المال الخارجي من أولى أولويات دمشق لأن المصادر المالية المحلية قد نضبت أو في طريقها الى النضوب  والنفاذ أو قد نفذت  في معظمها.

 ويعتقد النظام أن ضعف الاقتصاد السوري في الوقت الحاضر هو السبب الأساسي للمشاكل المتجددة  في سوريا  ولهذا يرى في الصين طوق نجاة لحل المشاكل السورية الطارئة.

ويمكن القول أن النظام بحكم  استمراره طويلا باللعب  على التنافس  الروسي – الإيراني  سويا واستنزافه لهما اقتصاديا  ومن ثم عجزه عن تسديد الديون المتراكمة عليه  من قبل الطرفين وبالتالي اضطراراه  إلى توقيع عقود استثمارية لمعظم منشآته الاقتصادية وتسليمها للروس والإيرانيين  و أصبح  مرتهنا في قراره الاقتصادي  لهما  ولهذا  لم يعد لديه موارد  خاصة بعد توقف الروس نهائيا  عن دعمه اقتصاديا  بسبب الحرب مع أوكرانيا  , وامتناع إيران  عن دعمه ماليا بسبب العقوبات ت وضعف الموارد  , لهذا يسعى النظام حاليا الى إدخال الصين  على الأقل اقتصاديا الى عمق سوريا للحصول على مساعدات مالية  بأي ثمن  وقد يجد في المساعدة المادية الصينية  متنفسا  وطوق نجاة.

وحسب صحيفة الأخبار  فإن الأسد  يريد من بكين  الإيفاء بوعودها  الاقتصادية  خاصة في هذه المرحلة الحرجة  التي يمر بها النظام  والتي تتزامن  مع الاحتجاجات في السويداء وجنوب سوريا على خلفية التردي المعيشي  والانهيار الاقتصادي وانعدام القوة الشرائية في الأسواق المحلية  .

والسؤال الثاني الذي يطرح نفسه هو :

هل ستستجيب بكين لطلبات الأسد وهل ستحدث الزيارة  تغيرات غير مسبوقة  في سوريا؟

من المؤكد أن بكين ستكون إيجابية  وكريمة مع الأسد خاصة وإنها قد أرسلت له طائرة خاصة لتقله وزوجته والوفد المرافق لهما إلى بكين (ربما تكريما للرئيس السوري وزوجته أو خوفا على حياتهما  لا فرق)  وستلبي لهما الطلبات المالية والاقتصادية الضرورية ولكن بتحفظ أو ربما تعطيه قرض بحدود 500 مليون دولار أو مليار لا أكثر, ولن تغامر بكين  في وضع كل ثقلها في الشأن السوري بوجود أمريكا  قبل حل الأزمة  .

 والسؤال الثالث هو :

هل ستتضارب مصالح كل من روسيا وإيران مع مصالح بكين على الأرض السورية وهل ستقبل كل من روسيا وإيران  مشاركة الصين في الكعكة السورية  ؟

أعتقد أن هدفا مشتركا يربط الأطراف الثلاثة وهو مناكفة أمريكا وحماية النظام من أجل أغراضهم الاقتصادية والجيوبوليتيكية والاستراتيجية  ولهذا لن تتضارب مصالحهم في المدى المنظور  .

زر الذهاب إلى الأعلى