مشاريع طرق الحرير الثلاث وصراع الهيمنة

في ظل الصراع المحتدم على مناطق النفوذ في العالم  بين قوى الهيمنة العالمية  الكبرى  المتمثلة بالتنين الصيني والدب الروسي والنسر الأمريكي فكل منهم  يبحث عن مدّ نفوذه أكثر فأكثر والتفرد بالهيمنة العالمية التي كانت مقتصرة على واشنطن ولكن بعد الحرب الأوكرانية  والصراعات التي رافقت الربيع العربي ، بدأ العالم يتجه إلى تعددية الأقطاب مرة أخرى والكل يبحث عن الهيمنة والنفوذ فالصين مثلا  تنفض الغبار عن طريقها الحريري القديم بهدف توسيع نفوذها، فتكرر الفكرة  روسيا كي تحدد أماكن سطوتها ، ثم تأتي أمريكا  فتطلق مشروعاً لقطع الطريق على الأثنين عن طريق الاتفاق بينها  من جهة ومن جهة أخرى دول الخليج العربي بقيادة السعودية مفادها تدشين مشروع عملاق يوازي فكرة الحزام والطريق الصيني  حيث يبدأ من إسرائيل ويتجه إلى الخليج لكي ينتهي بالهند .

فالحزام والطريق هو مشروع صيني عملاق أطلقه الرئيس الصيني الحالي “شي جي بينغ “وهو وفق  الصينيين مشروع لخدمة العالم وتطوير البنية التحتية لعدد من الدول التي تمر فيها حيث تسهل عمليات التجارة وغير ذلك من الأسباب الاقتصادية الموسعة ،ولكن وفق أعدائها فهو مشروع سياسي يهدف لتطويق العالم من قبل بكين ،حيث وفق خارطة الطريق للمشروع ستدشن الطريق الذي يبدأ من أراضيها  ويمر عبر آسيا الوسطى مروراً بإيران وتركيا ليصل إلى أوربا ” القارة العجوز ” وهذا المخطط هو مسار واحد من المشروع إذ هناك مسارات أخرى تربط العالم بعضه ويعرف بطريق الحرير الجديد في حين يضم مساراً بحرياً يمر من الصين ويمر قبالة السواحل الهندية وصولاً إلى السواحل الشرقية لإفريقيا  والتي سيقطعها وصولاً لأوروبا  وتحديداً الشرقية منها، وما إن يكتمل هذا المشروع حتى تضمن الصين نفوذاً ما بعده نفوذ على خارطة الهيمنة العالمية الجديدة ، ولكن بكين ليست وحيدة على هذا الكوكب من حيث القوة والنفوذ ، حيث خرجت روسيا معلنة بأنها  هي الأخرى بصدد تدشين خط حرير خاص بها بما يخدم مصالحها وأمنها ويحدد لها مناطق سطوتها يفصل بين الشرق والغرب مبادرة تعرف باسم ” ممر الشمال – الجنوب ”  ينطلق من أقصى الشمال الروسي وصولاً إلى أقصى جنوبي إيران  ومنه إلى القارة الافريقية وكما الطريق الصيني هناك مسارات أهمها التي يقطع البر محاذياً  لبحر قزوين وصولاً لجنوب إيران وصولاً للهند والثالث يتماشى مع الخط الثاني وصولا للهند ولأن روسيا والصين ليستا وحيدتين  على  الساحة  الدولية أيضا فقد جاءت أمريكا من بعيد لكي تقطع الطريق على الاثنين  لتقدم مجازيا مشروعاً يمكن تسميته أيضاً طريق الحرير على الطريقة الأمريكية وبدأ العمل عليه نتيجة اللقاءات المكوكية “الأمريكية- السعودية  – الهندية ” في مطلع عام 2023م يهدف لربط الشرق الأوسط  تحت اسم الشراكة من أجل البنية التحتية العالمية والاستثمار، كانت واشنطن قد أعلنت عنها رفقة الدول السبع  الكبرى منتصف عام 2022م  وتستهدف ضخ استثمارات في البنية التحتية للدول المنخفضة والمتوسطة الدخل من أجل مواجهة مبادرة الحزام والطريق الصينية والتي تمنح بكين مزيداً من النفوذ والهيمنة الدولية بحيث تبدأ من إسرائيل لتمر عبر السعودية ومروراً بالإمارات والتي من سواحلها سوف يمر مسار بحري إلى  الهند  أي أن المشروع الأمريكي  عبارة عن مسار واحد  ينقسم إلى شقين الأول بري عن طريق السكك الحديدية يقطع الشرق الأوسط العربي ويتخلله طرق وشوارع برية تربط المنطقة ببعضها البعض والشق الأخر بحري ينطلق من الخليج إلى الهند وهذا المخطط لربما تشارك فيه دول أخرى ومسارات أخرى أهمها خط الغاز الإسرائيلي الذي يمر عبر الأراضي الأردنية ومن ثم السورية عابرة من منبج إلى تركيا ومنها إلى أوربا وهذا المشروع ليس سكك حديدية وطرق برية وبحرية فقط  بل تتعدى إلى أبعد من ذلك بكثير من النواحي السياسية والجيوسياسية من خلال رؤيا أوسع من نواحي الطاقة والخدمات والتجارة والاقتصاد  لكن معالم هذا المشروع لم تتضح بعد بسبب العلاقات السعودية الإسرائيلية والخلافات القائمة بين الطرفين في ملفات عديدة أهمها القضية الفلسطينية وموقف السعودية منها  التي ترى نفسها زعيمة العالم الإسلامي السني وأرض مقدساتها والتي من خلالها لا يعرف مستقبل هذه العلاقة وشروط مقدمة  إلى واشنطن لتنفيذ هذا المشروع  ومن ضمنها امتلاك السعودية لبرنامجها النووي السلمي بغرض الطاقة  وبإشراف أمريكي بالإضافة إلى تعهدات أمنية موقعة من الكونجرس الأمريكي كضمان لصفقات الأسلحة المتطورة للرياض وكبادرة  حسن نية تلوح “الرياض” بحل  فلسطيني إسرائيلي لتكون بداية التطبيع بين” الرياض و تل أبيب” وما بين هنا وهناك  تتحرك واشنطن لإتمام المشروع وإن غلفته أمريكا بمنافع اقتصادية إلا أنه مشروع سياسي بحت لمواجهة النفوذ الصيني والروسي معاً ومعروف ما توصلت إليه بكين من نفوذ بالمنطقة أهمها وساطتها بإعادة العلاقات بين السعودية وإيران وحروب تجري بالخفاء في كافة القطاعات السياسية  والاقتصادية والتكنولوجية  وحتى الفضاء في حين تدرك أمريكا بأنها لا تستطيع الدخول في حرب مباشرة مع الصين  على الأقل في الوقت الحالي لما يمتلكه الصينيون من قوة  تكنولوجية وعسكرية كبيرة لا يستهان بها ولكنهم يسعون إلى تطويقها وتحجيمها من جهة ومن جهة أخرى انشغالها بالحرب الروسية الأوكرانية من جهة أخرى ، فكما هو الحال في مشروعها  تعمل واشنطن ليل نهار  لحصار الصين من خلال  “اليابان وكوريا الجنوبية والفلبين”  ،و حتى أنها كادت أن تضع الفلبين في مواجهة عسكرية مباشرة مع الصين وتقوية نفوذها في المنطقة في حال ضمت بكين  جزيرة تايوان إليها في المستقبل القريب و اندلاع أي حرب في هذه المنطقة كما تخطط واشنطن ، ولمواجهة مشروع الصيني استطاعت إقناع أستراليا  بسباق التسلح أمام المد الصيني في جنوب شرق أسيا  في هذا  وقت اقترحت هذا المشروع على العرب خاصةً أن الدول العربية أبدت  انفتاحاً على الصين مما  أثار حفيظة واشنطن  حتى بدأ الصراع على الولاء والتحالف وحتى الآن العرب يقودون التوازن ما بين  العلاقة بين الطرفين  تضمن بطاقة ضغط على الطرفين لتحقيق بعض المكاسب في وقت تريد واشنطن زج العالم كله في حرب مع الصينيين وما هو واضح أن هناك حروباً بالوكالة من خلال مشروع مقابل مشروع  بانتظار من سيكون مشروعه هو الأنجح ولذلك في الآونة الأخيرة واشنطن تريد إعطاء دور  للسعودية بغية تطبيعها مع إسرائيل  ومنع تقاربها من إيران وإخراج الخليج  العربي من الفلك الصيني  وربطه من جديد بالعجلة الغربية بزعامة أمريكا.

الخلاصة فالعالم يتجه نحو تعددية الأقطاب من جديد من خلال خلق حروب جديدة ومناطق نفوذ جديدة ومشاريع جديدة بما يتماشى مع عما سبقها في القرن الماضي من خلال خلق كيانات ودول جديدة وفق مشروعها.

زر الذهاب إلى الأعلى