لقاء بوتين  أردوغان  الخلافات أكثر من  التفاهمات

لم يعد خافياً  على أحد عمق الخلافات بين روسيا وتركيا خاصة بعد الانتخابات التركية الأخيرة في أيار المنصرم، وفوز أردوغان بولايته الأخيرة ،وتغيير بوصلته إلى الغرب نتيجة الأقتصاد المتهالك وانهيار الليرة التركية إلى حد غير مسبوق ، وعدم قبول الشعب بحروب خارجية أخرى ترهق خزينة الدولة  مما ينعكس سلبا على أقتصاد الدولة ، ومن جهة أخرى معرفتها التامة إن روسيا  لن تستطيع مساعدتها  نتيجة الحصار و الحرب الأوكرانية التي أَثَرت بشكل كبير على أقتصادها فليس أمامها خيار مرة أخرى سوى الأرتماء في حضن الغرب للنهوض بأقتصادها ودعم ليرتها من خلال قروض واستثمارات خارجية  ، وبالرغم من ذلك هل تقطع تركيا علاقاتها مع روسيا ؟ فجواب هذا السؤال من المستحيلات لأن العلاقات التركية الروسية متشابكة  مع بعضها البعض في أدق التفاصيل ، وما زيارة الرئيس التركي أردغان إلى موسكو إلا برهان  على ذلك بعدما جرى تمهيد من قبل  وزير خارجيته “هاكان فيدان ” لتمهيد الطريق لهذه الزيارة المليئة بالأشواك .

فتأتي أهمية هذه الزيارة إلى موسكو بعد ظهور تناقضات وخلافات حول ملفات عدة أبرزها اتفاقية الحبوب وسعي أردوغان للتقارب مع الغرب  مما أنعكس سلباً على ملفاتٍ مشتركة بين الطرفين  ومنها الملف السوري ومحاربة الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا ، فبداية الخلاف كان بشأن الملف الأوكراني  عندما سلمت أنقرة  خمسة قادة من كتيبة أوزوف إلى كييف بالرغم من الاتفاق  الذي  يقضي ببقائهم في تركيا  حتى نهاية الحرب المندلعة بين روسيا وأوكرانيا منذ 24 فبراير” نيسان ” 2022م  مما أدى لإستياء روسي من أنقرة على لسان المتحدث الرئاسي الروسي “ديمتري بيسكوف ” إن الواقعة تشكل انتهاكاً صارخا بين موسكو وأنقرة عندما أقدمت الأخيرة على تسليم القادة من كتيبة أوزوف إلى أوكرانيا بعد زيارة الرئيس الأوكراني “زيلينسكي ” إلى أنقرة ولقائه بأردوغان  تزامناً مع تقارب تركي- أمريكي وغربي من خلال إبداء تركيا مرونة في انضمام السوبد إلى حلف الناتو و بالمقابل وعدته الغرب بتقديم التسهيلات من أجل الانضمام إلى الاتحاد الأوربي بالإضافة إلى انفتاح واشنطن أكثر على تركيا من خلال عدة تصريحات ورسائل مبطنة بين الطرفين وهذا الخلاف أنعكس بشكل كبير على اتفاقية الحبوب حيث أنهت موسكو في يوليو العمل بأتفاقية  الحبوب  التي تمً التوصل إليها بوساطة تركيا مما أتاح  تصدير الحبوب عبر ممرات آمنة في البحر الأسود بعيداً عن مناطق الصراع بين موسكو وكييف وكما أثرت في الملف الأبرز وبشكل مباشر الأزمة السورية وتحديداً مسار التطبيع بين الأحتلال التركي وحكومة دمشق ومنذ وقتها يشهد هذا المسار حالة من الجمود والتخبط بين الطرفين بالرغم من وساطة إيرانية فيها بالإضافة إلى قيام الطيران الروسي والسوري بالقيام بغارات على مواقع مرتزقة الاحتلال التركي في المناطق التي تسمى “بخفض التصعيد” مما نتج عنها قصف متبادل لمواقع قوات حكومة دمشق على خطوط التماس .

إن أهداف الزيارة لم تحقق هدفها حيث كانت تريد من خلالها أبتزاز أوربا لكي تقوم بإيقاف دعم  كييف ماديا ومعنوياُ وبالعتاد العسكري مما يؤدي إلى تخفيف العقوبات على موسكو إلا أن كل ذلك لم يأت بالنتيجة المرجوة منها بل على العكس زادت في دعم أوكرانيا وشدًد العقوبات أكثرعليها ، وكما تريد موسكو بإكمال مسار التطبيع  بين حكومة دمشق والاحتلال التركي  في ظل خلافها الحاد مع موسكو ولكن الأمر لن يحدث في الأمد القريب لأن حكومة دمشق  غير مستعدًة لهذا التطبيع في ظل تدهور الوضع الأقتصادي والسياسي والذي بات يهدد النفوذ الروسي فيها ولذلك تبحث موسكو على إبقاء الشراكة بين طهران وأنقرة لتقوية نفوذ حكومة دمشق المنهار أصلاً وإبقاء المعادلة متوازنة بين الجميع .

والأحداث الأخيرة في أرياف دير الزور كانت فرصه سانحة لتركيا لتنفيذ مخططاتها التوسعية  وهنا تلاقت مصالح كل من روسيا وتركيا وإيران والحكومة السورية وضرب عصفورين بحجر واحد عبر إشعال الفتنة وجعلها ” كردية – عربية ” من خلال دعم مرتزقتها هناك  لتضغط على القوات الأمريكية وقوات سوريا الديمقراطية  في المنطقة من جهة ومن جهة أخرى اللعب على الوتر الطائفي والأقتتال الكردي العربي  مما يسمح لتركيا احتلال مساحات جديدة ضمن الأراضي السورية في ظل انشغال  قوات سوريا الديمقراطية بهذه الأحداث وعدم وجود  إمكانية القتال على  عدة جبهات مما سيؤدي إلى زيادة الهجمات التركية  على مناطق شمال وشرق سوريا عن طريق المسيرات ،أو القصف المدفعي والصاروخي ،أو حتى الهجوم المباشر عبر مرتزقتها كما يحدث في منيج وتل تمر بين الحين والآخر فموسكو وطهران ودمشق لاتريد من تركيا أحتلال مساحات أخرى من الأراضي السورية إنما تريد استخدام مرتزقة  نواف البشير  المدعوم من حكومة دمشق الذي يسهل السيطرة عليهم وهذا ما تبين في مشاركته في فتنة دير الزور ودوره الأساسي فيها إلى جانب المرتزق الآخر ” إبراهيم الهفل ” أحد شيوخ العكيدات وفشلهم رغم الأبواق الإعلامية الضخمة التي تدعمهم مثل ” أورينت – الميادين – والجزيرة ” والحملة الشرسة على قوات سوريا الديمقراطية وعمليتها في دير الزور “تعزيز الأمن “.

فبوادر إعادة التقارب في العلاقات بين “تركيا وروسيا ” توضحت من خلال تصريحات بعض  مسؤولي الروس والأتراك و الأيرانيين  حيث أعلن وزير الخارجية التركي ” هاكان فيدان ” خلال زيارته إلى موسكو في الخميس الماضي ” إن استئناف العمل باتفاقية الحبوب له أهمية كبرى  للأمن الغذائي العالمي يساهم في  استقرار منطقة البحر الأسود .

وفي “31”أب قال وزير الخارجية الإيراني حسين عبد اللهيان  خلال زيارته لدمشق “إن علاقات الصداقة بين أنقرة ودمشق هي لصالح البلدين والمنطقة .

فالخلاصة : إن اللقاء الذي حدث في منتجع سوتشي على البحر الأسود بين بوتين وأردوغان من المرجح أن يعيد الدفء إلى العلاقات الروسية التركية مما سيشكل زخماً لإكمال الأتفاقيات المبرمة بين الطرفين وخاصة فيما يتعلق بالشأن السوري ، وإنجاح عملية التطبيع بين دمشق وأنقرة  مما سيؤدي إلى المزيد من الضغط على المناطق الآمنة في شمال وشرق سورية من خلال زيادة الهجمات عليها بعد فشل مخططها في دير الزور وتحويله إلى اقتتال “كردي – عربي “وبنكهة طائفية عنصرية  بحتة .

زر الذهاب إلى الأعلى