المنطقة العربية في ظلّ السياسة الإسرائيلية الجديدة
يشهد العالم بشكل عام ومنطقة الشرق الأوسط بشكل خاص أحداثًا وتطوّراتٍ غير مسبوقة (حربًا عالمية ثالثة)؛ هذه الأحداث ناتجة عن ظهور لاعبين جدد “الصين وروسيا” على الساحة الدولية، وهدفها ليس تغيير النظام العالمي “النظام الرأسمالي” -؛ فهذه الدول، وإن كانت تحت أسماء مختلفة ومناهضة للرأسمالية، إلّا أنّها تسير على خطى الرأسمالية – بل هدفها أن تكون شريكة في هذا النظام، وهو ما يعني تهديد مكانة الولايات المتحدة عالمياً، ومنطقة الشرق الأوسط هي المفتاح لهذا التحوّل. حيث بدأت هذه الدول تتنافس للحصول على امتيازات من خلال المشاريع الاقتصادية أو العسكرية في المنطقة؛ لإيجاد موطئ قدم لها في المنطقة، وهي منطقة نفوذ أمريكية باستثناء سوريا ومصر في الوقت الحالي. لذا؛ تعمل الولايات المتحدة من خلال المشاريع الاقتصادية والأحلاف العسكرية للحفاظ على المنطقة ومنعها من الانفتاح على تلك الدول، أو الأصح؛ منع تلك الدول من الولوج إلى المنطقة عن طريق المشاريع الاقتصادية.
حيث تُعتبَر إسرائيل، حليفة الولايات المتحدة، إحدى الدول المحورية في الشرق الأوسط، وهي التي تدير الأحداث من خلف الكواليس، ويُشكِّل يوم السابع من أكتوبر نقطة تحوّل في السياسة الإسرائيلية في المنطقة؛ فالعملية التي قامت بها حركة حماس ضد إسرائيل وأسر المئات، على الأغلب كانت إسرائيل والولايات المتحدة على علم بها؛ وذلك بسبب حرية حركة حماس في الأراضي الإسرائيلية وأسر الإسرائيليين ومن ثم خروجها من دون وجود أي رادع إسرائيلي، لتكون بداية التحوّل في السياسة الإسرائيلية تجاه قطاع غزة والسيطرة عليها وتدميرها بشكل كامل، ومن ثم التوجّه نحو حزب الله في لبنان والميليشيات الإيرانية في سوريا. أمّا يسمّى بـ “محور المقاومة” فقد دعمت على حدّ وصفها حركة حماس؛ وذلك بقصفها لمواقع عسكرية إسرائيلية في الشمال، وآخرها كان مجدل شمس من قبل حزب الله اللبناني، حيث تتّهمها إسرائيل بارتكاب تلك المجزرة، إلى جانب قصف جنوب إسرائيل وتجميد حركة السفن في البحر الأحمر وقناة السويس، وتوقيف العمل في ميناء إيلات الإسرائيلي على خليج العقبة بسبب هجمات الحوثيين؛ كلّ ذلك قابله صمت إسرائيلي حتى الآن باستثناء عمليات الاغتيال التي تطال قادة حزب الله وإيران وحركة حماس، بالرغم من التهديدات إسرائيلية بشنّ عملية عسكرية ضد حزب الله في لبنان.
والأسئلة التي يمكن طرحها: لمَ لمْ تقم إسرائيل بعمليتها العسكرية ضدّ حزب الله حتى الآن وما هدف إسرائيل من ذلك وما تأثيرها على الأزمة السورية؟
إسرائيل والعملية العسكرية على لبنان
بعد السابع من أكتوبر شنّت إسرائيل حرباً على قطاع غزة، واتبعت سياسة الأرض المحروقة للقضاء على حركة حماس، إلّا أنّ الهدف الرئيسي لإسرائيل هو انهاء قطاع غزة واحتلاله؛ وذلك لأهمية موقع قطاع غزة ومينائها من الناحية الاقتصادية ومحاولة تهجير سكانها إلى سيناء، إلّا أنّها فشلت نتيجة إدراك القيادة المصرية للنوايا الإسرائيلية؛ حيث عملت مصر على إغلاق حدودها وتقديم المساعدات للشعب الفلسطيني من الجو. وبالمقابل بدأ حزب الله بقصف المواقع العسكرية الإسرائيلية في الشمال واكتفَت إسرائيل بتنفيذ عمليات اغتيال لقادة حزب الله؛ وأحدثها اغتيال (فؤاد شكر) أبرز قادة حزب الله والذي تتّهمه إسرائيل بالمسؤولية عن هجوم مجدل شمس التي أسفرت عن مقتل 12 طفلاً وفتىً؛ في حين نفى حزب الله تورّطه في هذا الهجوم.
بعد هذا الهجوم توعّدت إسرائيل بردّ عسكري كبير على حزب الله في لبنان، قابلته دعوات دولية وحتى من الحكومة اللبنانية بأن تكون محدودة وأن تستثني بيروت من هذه العملية، إلّا أنها لم تقم بتنفيذ وعيدها حتى الآن ضد حزب الله، بشن عملية عسكرية واسعة في لبنان؛ وهو أمر قد يكون مستغرباً، ويستوجب وضع عدة إشارات استفهام.
الهدف الإسرائيلي من تأجيل العملية العسكرية على لبنان
بعد مجزرة مجدل شمس، توعّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بـردّ قاسٍ على هذا القصف خلال زيارته لمجدل شمس، لكن على الرغم من عمليات القصف التي ينفّذها حزب الله على المواقع العسكرية الإسرائيلية، إلّا أنّ إسرائيل ما تزال ساكنة واكتفت حتى الآن باستهداف قيادات حزب الله وحركة حماس؛ كون الظروف ليست مواتية لها لشنّ عملية عسكرية واسعة ضدّ حزب الله، رغم أنّ العملية مدرجة على جدول الحكومة الإسرائيلية؛ وذلك للأسباب التالية:
- لم تنهِ إسرائيل حركة حماس في قطاع غزة بعد، ولا تريد فتح جبهة جديدة قد تؤثّر على عمليتها في قطاع غزة وتخدم حركة حماس. كما أنّ مسألة توطين الفلسطينيين في مناطق جديدة، كبناء مخيمات جديدة في صحراء النقب أو تهجيرهم إلى سيناء، وهو الهدف الرئيسي لإسرائيل، ما تزال عالقة، وبالتالي؛ فإنّ العملية العسكرية الإسرائيلية ضدّ لبنان سوف تتأجّل على المدى القريب.
- تريد إسرائيل أن تجرّ إيران للدخول في هذه الحرب، واستهداف إسماعيل هنية في طهران دليل على ذلك، وإسرائيل كان بمقدورها استهدافه في قطر أو في أي بلد عربي، إلّا أنّها استهدفته في طهران لجرّ إيران إلى الحرب، وكون إيران لن تسطيع استهداف إسرائيل لاعتبارات سياسية وأمنية، وبالتالي؛ فإنّ إيران سوف تدفع بميليشياتها في سوريا لاستهداف إسرائيل إلى جانب استهداف القواعد الأمريكية في شرق الفرات، وهو ما تنتظره إسرائيل، فإسرائيل تريد شنّ عمليات عسكرية واسعة في لبنان ضدّ حزب الله، وعلى سوريا ضدّ الميليشيات الإيرانية بهدف إضعاف التواجد الإيراني في المنطقة.
- إسرائيل تنتظر الدعم الخليجي لها في حربها دّ الأذرع الإيرانية في المنطقة. فالهدف الاسرائيلي هو إنشاء تحالف عسكري (عربي – إسرائيلي) ضدّ التمدّد الإيراني في المنطقة، وهو في نفس الوقت يخدم التطبيع العربي – الإسرائيلي في المنطقة. دول الخليج هي أيضاً ترغب في إضعاف النفوذ الإيراني في سوريا ولبنان واليمن، كما ترغب في إيجاد حلّ ينهي الأزمة السورية التي تشكّل عائقًا أمام التنمية الاقتصادية التي تقوم بها، وبالأخص المملكة العربية السعودية “رؤية بن سلمان 2030”. لذا؛ فإنّ دول الخليج ما تزال في حالة تردّد بين الحياد وعدم الانخراط في هذه الحرب أو الانصياع للأجندة الإسرائيلية والأمريكية في المنطقة؛ فحياد دول الخليج يعني مزيدًا من الأزمات الاقتصادية في المنطقة، فالعمليات العسكرية التي يقوم بها الحوثيون في البحر الأحمر قد شلّت حركة التجارة في البحر، كما توقّفت معظم الموانئ على البحر الأحمر، إلى جانب قناة السويس، عن الحركة، وتكبّدت الدول التي تطلّ على البحر خسائر مادية كبيرة. كما أنّ تنفيذ الأجندة الأمريكية والإسرائيلية وضرب الأذرع الإيرانية في المنطقة (الحوثيين في اليمن، والميليشيات الإيرانية في سوريا) قد تدفع نتيجتها الدول الخليجية ثمناً باهظاً؛ كون منطقة الخليج ستكون تحت مرمى الصواريخ الإيرانية، فإيران لن تستطيع استهداف إسرائيل، لذا؛ ستصب جام غضبها على دول الخليج وبالأخص المملكة العربية السعودية، وهو ما تخشاه المملكة. لذا؛ تحاول إسرائيل استمالة دول الخليج للحصول على دعمها قبل أن تشنّ حربها على حزب الله والميليشيات الإيرانية.
- انتظار نتائج الانتخابات الأمريكية؛ فإسرائيل بحاجة إلى دعم أمريكي لا محدود، والأخيرة لديها تحفّظات تجاه المخطّطات الإسرائيلية في المنطقة. فبعد أن أعلن الرئيس الأمريكي (جو بايدن) انسحابه من انتخابات الرئاسة الأمريكية لعام 2024وترشيح نائبته كامالا هاريس بديلًا له عن الحزب الديمقراطي، باتت حظوظ ترامب أكبر للفوز بولاية ثانية غير متتالية، وبالتالي؛ فإنّ فوز ترامب سيخدم المخطّطات الإسرائيلية في المنطقة؛ فـترامب هو صاحب مشروع الاتفاق الإبراهيمي “التطبيع العربي (الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب وعمان والسودان) مع إسرائيل” وعودته تعني استكمال هذا المشروع؛ وذلك بإجبار المملكة العربية السعودية للتطبيع مع إسرائيل. وهو صاحب مشروع إنشاء تحالف استراتيجي للشرق الأوسط “الناتو العربي” بقيادة الولايات المتحدة لحماية المنطقة من التهديدات الإيرانية وتوسّعها في المنطقة. على الرغم من أنّ المشروع لم يتقدّم قيد أنملة في فترة ولايته الأولى، إلّا أنّ التحوّلات الكبيرة في المشهد السياسي والعسكري والاقتصادي التي تمرّ بها المنطقة باتت أكثر ملاءمة لإنشاء هذا التحالف، فما كان مستحيلاً في السابق بات واقعياً اليوم ضمن هذه الظروف التي تشهدها المنطقة. لذا؛ فإنّ إسرائيل بحاجة إلى ترامب للحصول على دعم الولايات المتحدة بشكل كامل في عملياتها العسكرية المستقبلية ضدّ حزب الله والميليشيات الإيرانية ومشروعها التوسّعي في المنطقة.
هدف السياسة الإسرائيلية في المنطقة
تعاني المنطقة منذ قرابة عقد من الزمن من أزمات، وهذه الأزمات – سواء أكانت مفتعلة أو غير مفتعلة – قد أثّرت بشكل كبير على السياسة الداخلية والخارجية لكثير من الدول العربية، وجعلتها تتخبّط في ظلّ صراع بين القوى العظمى على النظام العالمي، والتي ألقت بظلالها على المنطقة. وبسبب انفتاح دول المنطقة على الصين وروسيا، وخطر المشروع الصيني الاقتصادي “مبادرة الحزام والطريق” والتمدّد الروسي العسكري على مناطق نفوذ الولايات المتحدة في الشرق الأوسط؛ تعمل كل من الولايات المتحدة وإسرائيل على تنفيذ استراتيجيتها في المنطقة، والتي تقوم على:
- إنهاء حركة حماس في قطاع غزة وتهجير سكانها إمّا إلى صحراء النقب من خلال إقامة مخيّمات منفصلة عن بعضها للسيطرة عليهم ومنع عودة حماس، أو تهجيرهم إلى سيناء بعد إجبار مصر للقبول بهذا الحلّ؛ عن طريق زيادة الضغوط الاقتصادية عليها، ومن ثم تحويل القطاع إلى مستوطنات إسرائيلية، ونتيجة للموقع الاستراتيجي لقطاع غزة في المشروع الاقتصادي الأمريكي؛ حيث يشكّل ميناء غزة البوّابة الرئيسية نحو أوروبا في هذا المشروع، لذا؛ تعمل الولايات المتحدة على تطوير الميناء وتوسيعه بما يخدم مشروعها لا بما يخدم المساعدات الفلسطينية، كما أنّ لإسرائيل مشاريع اقتصادية مستقبلية، وقطاع غزة جزء رئيسي فيها، لذا؛ لا بدّ من السيطرة عليها، “كمشروع شق قناة مائية تربط خليج العقبة بالبحر المتوسّط، أي؛ ربط ميناء إيلات بميناء غزة” لإضعاف مصر اقتصادياً وجعلها تدور في فلكها.
- إضعاف حزب الله سياسياً وعسكرياً في لبنان؛ من خلال القيام باجتياح بري واسع بحيث تنهي خطر حزب الله ومنعه من تشكيل أيّ تهديد مستقبلي على أمنها القومي، وإجبار لبنان للتطبيع معها، وبالتالي؛ ستكون بداية انهيار ما يسمّى بمحور المقاومة.
- إجهاض مبادرة الحزام والطريق الصينية؛ من خلال ربط المنطقة بالمشروع الاقتصادي الأمريكي “مشروع الممرّ الاقتصادي الذي يربط بين جنوب آسيا وأوروبا عبر الخليج العربي والشرق الأوسط “
- إنّ جعل إسرائيل جزءًا من هذا المشروع يهدف لجعلها بوّابة الوصول إلى أوروبا، وبالتالي؛ حصولها على حصة الأسد من هذا المشروع.
- ربط دول الخليج اقتصادياً بإسرائيل، وبالتالي؛ تسريع عملية تطبيع المملكة العربية السعودية مع إسرائيل.
- ربط الدول العربية، وبالأخص المملكة العربية السعودية ومصر، بأحلاف عسكرية بقيادة الولايات المتحدة “الناتو العربي” أو تحت أي مسمّىً، ولإسرائيل الدور الأكبر في المنطقة نتيجة تفوّقها العسكري والبدء بعملية تطهير المنطقة من الأذرع الإيرانية سواء في لبنان أو في سوريا أو في اليمن.
تأثير السياسة الإسرائيلية على سوريا
لم تكن إسرائيل بعيدة عن الأزمة السورية؛ بل يمكن القول أنّها هيَّ التي كانت تدير الأزمة بشكل غير مباشر من خلف الستار، فقد أضعفت الأزمة السورية ما يسمّى بمحور المقاومة؛ فباتت الأجواء والأراضي السورية مستباحة للطائرات والصواريخ الإسرائيلية التي تقوم بقصف مواقع الميليشيات الإيرانية وحزب الله، وتستهدف قادة إيران وحزب الله في سوريا، إلّا أنّ هذا لا يعني أنّ الأمن القومي لإسرائيل قد بات مستتبّاً وبعيداً عن التهديد؛ فالميليشيات الإيرانية باتت قريبة من الحدود الإسرائيلية، كما أنّ حزب الله بات يمتلك أسلحة جديدة ومتطوّرة؛ وهو ما تعتبره إسرائيل ثاني أكبر تهديد لها بعد حركة حماس.
فإسرائيل، وعلى الرغم من قيام حزب الله -ومنذ السابع من أكتوبر- بقصف المواقع الإسرائيلية وآخرها مجدل شمس، قد التزمت الصمت ولم تبدِ أيّ ردّ عسكري سوى استهداف قادة حزب الله. إلّا أنّ هذا لا يعني أنّ إسرائيل لا تنوي مهاجمة حزب الله؛ فشنّ عملية عسكرية ضدّ حزب الله في لبنان سيؤدّي إلى فتح جبهة جنوب سوريا، حيث تتركز الميليشيات الإيرانية وحزب الله، وبالتالي؛ ستكون إسرائيل أمام جبهتين: لبنانية وسورية، وهنا تأتي أهمية التطبيع العربي في دعم إسرائيل من جهة، ودور الأسد في شلّ حركة هذه الميليشيات وإضعاف النفوذ الإيراني في سوريا من جهة أخرى. لذا؛ فإنّ العملية العسكرية الإسرائيلية المرتقبة على حزب الله سوف تحمل معها رياح التغيير على الأزمة السورية، وستأخذ الأزمة السورية منحىً جديداً، لكن قد تكون للأسد مطالب مقابل لعب هذا الدور، ومنها:
- إنهاء ما تسمّى بالمعارضة “الائتلاف السوري” سياسياً وعسكرياً.
- إجبار دولة الاحتلال التركي للانسحاب من الشمال السوري المحتل وتسليم المناطق المحتلة للنظام كونها دولة محتلة؛ وقد يكون هذا أحد الأسباب التي تفسّر محاولات أردوغان للتطبيع مع الأسد، وكخطوة استباقية يسعى أردوغان للحصول على صفقات من الأسد قبل الخروج من سوريا بـ”خفَّي حُنين”. فدولة الاحتلال التركي باتت مقيّدة أكثر تجاه الإدارة الذاتية نتيجة الضغوط الدولية عليها بعد قصفها الهمجي للبنى التحتية لمناطق الإدارة الذاتية. وقد تتواجد رغبة أمريكية في الربط بين الشمال السوري المحتل والجنوب السوري ومناطق الإدارة الذاتية؛ وقد يكون هذا الأمر أيضاً أحد الأسباب الأخرى التي تجعل من تركيا تهرول نحو النظام للتطبيع معه وتسليم المنطقة للنظام ولكن بشرط محاربة الإدارة الذاتية.
- عودة النظام إلى شرقي الفرات؛ وهذا الأمر مرتبط من جهة بالوجود الأمريكي في المنطقة والتي ستؤثّر على استراتيجيتها في الشرق الأوسط، وفي عدم السماح للنظام وروسيا بالسيطرة على كامل الجغرافية السورية والاستفادة من مصادر الطاقة، ومن جهة أخرى فإنّ تلك العودة مرتبطة بالمفاوضات مع مجلس سوريا الديمقراطية وقوات سوريا الديمقراطية، اللذان يرفضان عودة النظام إلى المنطقة من دون الوصول إلى اتفاق شامل سياسياً واقتصادياً وعسكرياً.
إذاً؛ في هذا السياق إنّ المنطقة مقبلة على تغيّرات جذرية خاصة في حال فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية، وذلك من خلال استكمال مشروع الاتفاق الإبراهيمي “تطبيع المملكة العربية السعودية مع إسرائيل ولا يمكن استبعاد لبنان وحتى سوريا من هذا المشروع بعد إضعاف حزب الله في لبنان وإضعاف النفوذ الإيراني في سوريا”، وهو ما يعني قيام إسرائيل بعملية عسكرية واسعة، وبدعم عربي دون الانخراط فيها، ضدّ الأذرع الإيرانية في سوريا ولبنان، إلّا أنّ هذا الدعم قد تقابله عودة خطر الصواريخ الحوثية على منطقة الخليج، وبالأخص المملكة العربية السعودية التي ستجد نفسها مجبرة للعودة إلى محاربة الحوثيين، كما أنّ مصر ليست بعيدة عمّا يحدث في البحر الأحمر وتأثّر قناة السويس؛ حيث انخفضت وارداتها إلى مستويات قياسية نتيجة تأثّرها بالعمليات التي يقوم بها الحوثيون في البحر الأحمر وشلّ حركة التجارة، ومع انخراط الولايات المتحدة في محاربة الحوثيين وإعطاء ضمانات لحماية منطقة الخليج من الخطر الإيراني؛ حينها ستكون الأجواء مهيّأة لبناء تحالف (عربي- إسرائيلي – أمريكي) “الناتو العربي” لمواجهة الخطر الإيراني. كما أنّ الدور الإيراني المزعزع لاستقرار المنطقة “مناطق الإدارة الذاتية لإقليم شمال وشرق سوريا” من خلال دعم بعض العشائر العربية لمواجهة قسد وخلق فتنة عربية كردية، وقيام الميليشيات الإيرانية بقصف القواعد الأمريكية، قد تضطر قوات سوريا الديمقراطية، في حال تم إثبات ذلك؛ للبدء بعملية عسكرية لإبعاد خطر تلك الميليشيات عن مناطق الإدارة الذاتية وتحرير الميادين والوصول إلى منطقة التنف وقطع الإمدادات على ما يسمّى بـ”جيش العشائر”. إذاً؛ فالمنطقة متّجهة نحو التصعيد العسكري في ظل السياسة الإسرائيلية الجديدة والاستراتيجية الأمريكية لمواجهة التمدّد الصيني -الروسي والخطر الإيراني، وقد تكون بداية النهاية للأزمة السورية ووضع النقاط على الحروف بعد أكثر من عقد من الزمن.