دير الزور إعادة خلط للأوراق وفتنة بنكهة المصالح

أكثر من اثنتي عشرة سنة على الأزمة السورية وما زالت العقلية التي تدير الأزمة تتراوح مكانها، فحزب البعث ومنذ عام 1963م أي منذ وصوله لسدة الحكم في سوريا بانقلاب عسكري لا يدير المنطقة إلا بعقلية عسكرية وقبضة أمنية بحته، رغم مرور كل هذا الوقت وخسارة الأراضي السورية وتدهور في الأحوال الاقتصادية التي بدورها أدت إلى تدهور حالة النسيج الاجتماعي والثقافي العام في عموم سوريا، إلا ان تعنت وعنجهية القيادة المتسلطة على مركز القرار في دمشق لا تريد إخراج رأسها من بين الرمال المغمورة فيها، بعد التدهور المتسارع للاقتصاد السوري وخاصةً مع بداية العام الحالي لم يعد أمام المواطن السوري أي منفذ أو مخرج أو فسحة تنفس أبداً، وجاءت التظاهرات السلمية في جنوب البلاد كرد فعل طبيعي على حالة الفوضى واللا مبالة التي تعيشها البلاد، فعاد الشعب السوري إلى نقطة البدء والتي خرجت مطالبة بالحرية والكرامة وسبل العيش الكريم وإلى ما هنالك من حياة طبيعية يعيشها الإنسان. ولتغيير بوصلة الأحداث حاول ويحاول النظام السوري كما كل مرة توجيه بوصلة الأحداث إلى الجهة المعاكسة، وعليه كانت هذه المرة المناطق الخاضعة لإدارة قوات سوريا الديمقراطية وبالتحديد مدينة دير الزور وأريافها هي الهدف.

دير الزور على مستوى النسيج الاجتماعي:

لا يخفى على أحد أن منطقة دير الزور هي منطقة عربية وعشائرية بحتة، وهي تعتبر من أكثر المناطق تمرداً في التاريخ الحديث على الأنظمة والقوانين التي تدير المنطقة، ولكن رغم ذلك فإن الطبيعة العشائرية التي تتصف بها المنطقة توكد مدى أصالة شعبها وأرضها والتاريخ المشرف لها في بناء الوطن ومدى التضحيات الجسام التي يقدمها أبناؤها في سبيل المصلحة العامة للبلاد، إن من يتابع النسيج الذي يتكون منها محافظة دير الزور يتأكد علم اليقين بان النسيج الوطني المكون لهذه البلاد تتأصل مع أصالة وعراقة أبناء هذه المحافظة، وهي التي كانت سباقة في الانخراط في الثورة السورية المطالبة بالحرية والكرامة للشعب السوري في نيل حقوقه الإنسانية والمجتمعية في إدارة حقيقية ديمقراطية.

في المجال السياسي والعسكري:

تعتبر مدينة دير الزور من أكبر المحافظات السورية من حيث المساحة، حيث يبلغ مساحتها 33 ألف كيلو متر مربع أي ما يعادل 12.8 ميلاً مربعاً، وهي تمتد على الحدود مع جمهورية العراق وعليه فإنه توجد علاقة دم وصلات ذي قربى ما بين الطرفين، وبسبب الجغرافية الصعبة والصحراوية التي تتمتع بها المنطقة فقد كانت الحاضنة المناسبة لاحتضان التنظيمات الإرهابية القادمة من الجار العراقي وعلى رأسها تنظيم داعش، الذي قوبل من بعض عشائرها بالرفض فكان مصيرها المجازر الدموية الوحشية بحق أبنائها، مع تمدد وتوسع قوات سوريا الديمقراطية في دحر الإرهاب المتطرف انتسب أبناء دير الزور إلى هذه القوات الوطنية بغية تحرير أراضيهم من هذه المجاميع الإرهابية، وفعلاً تم تحرير دير الزور في ربيع عام 2019م منها بشكل نهائي، وتم تشكيل إدارة مدنية وعسكرية على حد سواء من أبناء المنطقة لإدارتها ذاتياً.

بحسب معهد دراسة الحرب الأمريكي (ISW): “قامت إيران والنظام السوري بإرسال قوات وعتاد إلى خط التماس مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في شمال وشرق سوريا في الفترة من 7 تموز إلى 12 تموز المنصرم، وقام كلاهما بنشر قوات وعتاد إضافي في المنطقة منذ ذلك الحين. وقد تمت عمليات الانتشار الإيرانية والسورية في شرق سوريا جنبًا إلى جنب مع التنسيق العملياتي المتزايد مع روسيا. وقام فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإسلامي بتوجيه انتشار الميليشيات في محافظة دير الزور، وبشكل أساسي إلى خطوط السيطرة مع قوات سوريا الديمقراطية ابتداءً من أوائل تموز، وأشرف فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني أيضاً على نشر الميليشيات المدعومة من إيران في مناطق الصحراء السورية الوسطى بالقرب من منطقة الحظر التي يبلغ طولها 55 كيلومترًا حول حامية التنف، وقامت قوات روسية بنقل 17 شاحنة محملة بالأسلحة إلى الميليشيات المدعومة من إيران في مدينة دير الزور في الفترة ما بين 19 و20 حزيران. وانتشرت وحدات الجيش السوري والحرس الجمهوري بما في ذلك الفيلق الخامس المدعوم من روسيا في محافظة دير الزور في الفترة من 7 إلى 20 تموز بالقرب من القوات المدعومة من إيران وعلى طول خط السيطرة مع قوات سوريا الديمقراطية. وهناك أدلة كثيرة على تزايد تهديد داعش في سوريا بما في ذلك مسيرة دعم لداعش يوم 7 تموز في بلدة عزبة وهي قريبة من خط السيطرة”.

كل ما سبق ذكره ينفي بالدليل القاطع ما يتم تداوله إن الأحداث الأخيرة من أسبابها اعتقال قادة من مجلس دير الزور العسكري وتقديمهم للمسألة والمحاسبة، والذي يعتبر بالأساس شأناً داخلياً عسكرياً يخص قوات سوريا الديمقراطية وفصائلها وتشكيلاتها ومجالسها وإلى ما هنالك من إجراءات عسكرية تتعلق بالانضباط العسكري الداخلي لدى القوات العسكرية، والتي ربما يكون لها علاقة بترتيب البيت الداخلي لا أكثر. إن كثرة التشكيلات والفصائل العسكرية المنضوية تحت سقف قوات سوريا الديمقراطية لا يعني أبداً خلق حالة من الفوضى أو عدم الالتزام بالقرارات الصادرة عن القيادة العامة.

يقول السيد عبد الله أوجلان في المجلد الخامس ل مانيفستو الحضارة الديمقراطية: ” يلاحظ أساساً أن الدويلة القومية الكردية تبقى دوماً ورقة احتياطية مخفية في اليد ويروج لها وكأنها ستشاد اليوم أو غداً، وذلك بغرض التحكم بالدول القومية في المنطقة، وشل تأثير الحركات الكردية المتطلعة إلى حفاظ الكرد على وجودهم، والترويج نظرياً وعملياً بأن الشعب الكردي عاجز عن فعل أي شيء بمفرده، وذلك سعياً للتأكيد على أنه وكأن بناء مجتمع ديمقراطي حر ومتساوي أمرٌ مستحيل”.

مما لا شك فيه أن منطقة شمال وشرق سوريا تتعرض لهجمة مركزة وشرسة ومن عدة محاور المحور الشمالي محور تركيا والفصائل الإرهابية تحت مسمى الجيش الوطني، والمحور الجنوبي محور النظام السوري وإيران والمحور الشرقي والبادية السوري محور داعش الإرهابي، بطبيعة الحال ربما لا يوجد الكثير من القواسم المشتركة ما بين القوى سابقة الذكر ولكن ما هو مشترك بطبيعة الحال يعتبر من أهم النقاط الأساسية وهي انسحاب القوات الأمريكية من سوريا وإضعاف قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وعليه بدأت التحشدات الإعلامية مع حالة الفوضى الأخيرة من اجل تجييش القوة العشائرية ضد المكون الكردي أو المجموعات الانفصالية المتعاملة مع الخارج والمتمثل بالقوى الأمريكية.

في المقابل فإنه من المهم بمكان لقوات سوريا الديمقراطية إرساء الأمن والاستقرار في المنطقة، وتتمة مكافحة الخلايا الإرهابية الداعشية والاجرامية التي تتعامل معها، كما وأنه من أهم أولويات قوات التحالف الدولي هو تحجيم الدور الإيراني في المنطقة وقطع صلات الوصل الطبيعية ما بين الحدود العراقية والسورية وضبط الحدود بينهم وتهيئة الأجواء المناسبة لانتقال السلطة.

في المجال الاقتصادي:

لم يعد خافياً على أحد مدى التسارع في تدهور الاقتصاد السوري وخاصةً مع بداية العام الحالي والذي أصبح في حالة يرثى لها مع تزايد الضغط الدولي على الحلفاء الرئيسيين للنظام السوري، روسيا وبعد حربها المستمرة مع أوكرانيا أصبحت تواجه ضغوطاً مالية عالمية، وكذلك إيران التي تعيش حالة من العزلة الاقتصادية عالمياً، ومع حالة الضبط المتشددة من قبل الجارة الأردن على حدودها مع سوريا وقطع منابع تهريب الكبتاكون المصدر الرئيس للنظام لتنشيط اقتصاده المتدهور، تضيقت حلقات الخناق الاقتصادي عليه اكثر فأكثر وما التحركات الشعبية الأخيرة في الجنوب إلا خير دليل على ذلك، ولكي يتم إلهاء الشعب عن هذه التظاهرات والمطالب المحقة فإنها تخلق حالات فوضى هنا وهناك للتغطية على فشلها في قيادة الدولة، ولكي توصل فكرة إن الجماعات الانفصالية والمتعاونة مع الغرب هي التي تسيطر على مقدرات البلاد من مواد أساسية واستراتيجية مثل آبار النفط والغاز وحقول القمح. وعليه فان القوى السابقة الذكر والتي تعادي المشروع الكردي في المنطقة تسعى إلى ان يفضي حالة الفوضى التي تشهدها منطقة دير الزور إلى صراع قومي كردي – عربي، بكل تأكيد إن الاعتماد في التحوير والتوجيه في هذا المنحى سيكون بالاعتماد على بعض زعماء العشائر الموالين لدمشق وقنوات الإعلام المأجورة، بهدف ضرب الاستقرار النسبي في المنطقة وإرباك قوات التحالف الدولي وقسد وأيضاً احراج القسم الآخر من الشيوخ والوجهاء الذين يحتكمون إلى صوت العقل.

زر الذهاب إلى الأعلى