مجزرة زاخو…التوقيت والأهداف

مجزرة زاخو...التوقيت والأهداف

في وقت كانت الأنظار تتجه فيه صوب العملية العسكرية التركية المرتقبة في شمال وشرق سوريا، قصف جيش الاحتلال التركي بالقذائف المدفعية في العشرين من شهر تموز/ يونيو الماضي منتجع سياحي في قضاء زاخو جنوب كردستان أسفر عن مقتل تسعة مدنيين وجرح خمسة وعشرين آخرين معظمهم من النساء والأطفال، ما أثار ردود أفعال غاضبة إزاء المجزرة سواء على المستوى الشعبي والتي شملت معظم أرجاء العراق أو على المستوى الحكومي حيث رفعت وزارة الخارجية العراقية شكوى لمجلس الأمن الدولي ضد الاعتداء التركي وخرقه للسيادة العراقية؛ الأمر الذي رأى فيه مراقبون نهجاً عراقياً مختلفاً في التعامل، خاصة أن أغلبية الضحايا كانوا من العرب القادمين من وسط وجنوب العراق للاصطياف؛ ما تسبب في أزمة دبلوماسية بين البلدين مع إصرار تركيا رفض الاعتراف على أنها من نفذت الهجوم متهمة حزب العمال الكردستاني بذلك، إلا أن التحقيقات العراقية أثبتت عكس ذلك.

المجزرة تأتي بعد وقت قصير من قمة طهران الثلاثية التي جمعت بين تركيا وروسيا وإيران، والتي تلقى فيها أردوغان تحذيرات من حلفائه الروس والايرانيين من أن أي عملية عسكرية تركية في شمال وشرق سوريا ستهدد الأمن والاستقرار في المنطقة، كما وأنه لا يمكن الفصل بين توقيتها وبين الخسائر التي يتكبدها الجيش التركي في مناطق زاب وآفاشين ومتينا سيما بعد عمليتها العسكرية الأخيرة “قفل المخلب”. فبالنظر إلى الوضع في جنوب كردستان هذه ليست المرة الأولى التي تستهدف فيها تركيا المدنيين، إذ تشهد تلك المنطقة وبذريعة محاربة حزب العمال الكردستاني عمليات عسكرية مكثفة لأكثر من ثلاثة عقود، لذا بات من الواضح أن تركيا وبحجة حماية حدودها وأمنها القومي تعمل على تبني سياسات تغيير ديمغرافي بإجبار السكان المدنيين في تلك المنطقة على النزوح وزعزعة الأمن المحلي وفرض واقع جغرافي جديد على غرار مشروعها الاستيطاني في شمال وشرق سوريا وبالتالي استكمال إقامة ما تسميه ” بالمنطقة الآمنة “.

وبالتزامن مع ما جرى في زاخو تصاعدت حدة الاستهدافات التركية لمناطق الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، هجمات في غالبيتها نفذت عبر الطيران المُسيّر تسببت في سقوط ضحايا من المدنيين وقيادات لقوات سوريا الديمقراطية. وتركيا وبمنظورها القومي الشوفيني وبمنظور تطلعاتها الاستعمارية ترى أن كل منطقة في شمال سوريا إلى شمال العراق على أنها منطقة واحدة وعلى أنها تخضع “للميثاق الملي ” الذي يعد هذه الأراضي جزءاً من الأراضي التركية، وهذه قضية حساسة وخطيرة سيما وأنها تأتي قبل وقت قصير عن عام 2023 وهو موعد ما يسمى مرور مائة عام على اتفاقية لوزان؛ لذا فإنّ أردوغان يريد فرض وقائع على الأرض من خلال العمل العسكري ومن خلال شعار محاربة الإرهاب وبالتالي فرض السيطرة التركية على كامل هذه المنطقة سواء في شمال سوريا أو في شمال العراق؛ وإلا كيف يفسر وجود أكثر من أربعين قاعدة عسكرية ومقار أمنية تركية في شمال العراق وجنوب كردستان، وكيف يفسر تجاوزها لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي الإنساني في القيام بمثل هذه المجازر وخرق سيادة الدول، هذا بالإضافة للطيران المُسيّر الذي يجوب الأجواء في شمال سوريا والعراق دون أي اعتراض، مما لا شك فيه أن سياسة الحرب التي تتخذها حكومة حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية حولت تركيا إلى منطقة أزمة وصراع، وبدأت المعارضة تحشد الرأي العام ضد سياسات أردوغان تحديدا بخصوص نواياه لتقسيم البلدين “سوريا والعراق”، ما يعني أن المجتمع الدولي بشكل عام وشعوب المنطقة بشكل خاص هم بحاجة لموقف واضح إزاء السياسة التركية واطماعها الاستعمارية في دول الجوار، إذ أن كل ما تعلنه من حجج لحماية حدودها وأمنها القومي ومحاربة حزب العمال الكردستاني ليست إلا ذرائع لتنفيذ أجنداتها على الأرض، ودون ذلك سيواصل أردوغان هذا المشروع خاصة وأنه أصبح يراهن عليه للفوز في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة في الصيف المقبل؛ وليس من المستبعد أن تُرتكب مجازر في مناطق أخرى.

زر الذهاب إلى الأعلى