الصراع الأمريكي الروسي في إفريقيا النيجر مثالاً

إن الصراع الأمريكي الروسي يتوسع كل يوم أكثر فأكثر نتيجة المصالح الاقتصادية والنفوذ السياسي وتخطو خطوة جديدة هذه المرة نحو إفريقيا فانقلاب النيجر وما لحقه من انقلابات في مالي وجارتها بوركينا فاسو. خرج زعماء” إكواس” المجموعة الاقتصادية والسياسية لغرب إفريقيا بدعمٍ من باريس وواشنطن بالتهديد بشن عملية عسكرية على الانقلابيين في النيجر في حال لم يعد الإنقلابيون الرئيس المخلوع “محمد بازوم” إلى السلطة من جديد. ولكن حال اليوم لا يشبه الأمس بعد أن خرج  قادة وزعماء المجموعة بقرارات جديدة تركزت على حل أزمة النيجر بالطرق الدبلوماسية والسلمية واكتفت بإجراءات عقابية منها إغلاق الحدود وتجميد أصول الإنقلابين المالية في تراجع ملحوظ عن التدخل عسكرياً بعد الانقلاب رغم نشر” إكواس ” قوة احتياط عسكرية على حدود النيجر، وترك الباب مفتوحا ً لأي تدخل عسكري ولكن كخيار أخير وقد يكون هذا الخيار مستبعد في الوقت الحالي بعد قيام الانقلابيين بتشكيل حكومة مدنية،

ويبدو أن النيجر وعلى وقع أقدام جاراتها ” مالي – وبوركينا فاسو ” قفزت  إلى حضن روسيا وتحالفت مع رئيسها  “فلاديمير بوتين” عدو الغرب اللدود، إذ أن  عدم  التدخل العسكري من قبل مجموعة إيكواس لم يكن فقط بالمعوقات اللوجستية والعسكرية للدول الإفريقية بل بتشكيل “مالي وبوركينافاسو” تحالفاً لرد أي عمل عسكري ضد النيجر، مع رفض الجزائر الحليف الأهم لروسيا على حدود مالي أي تدخل  عسكري في المنطقة، مع تسريبات بتهديد قادة الانقلاب بقتل “بازوم ” في حال أي تدخل عسكري في البلاد ، والاستعانة بقوات الفاغنر الروسية المتمركزة في مالي للقتال مع جيشها.

إن تشكيل حكومة جديدة على  رأسها شخصية مدنية معروفة وهو” علي الأمين الزين ” الذي بات رئيساً للحكومة قد أعطت النيجر أول أشاره أنها ذاهبة نحو حكومة مدنية  بعيدة عن حكم العسكر وهو ما يجهض أي شماعة للتدخل العسكري في البلاد، إذ إن تعيين قادة الانقلاب رجل الاقتصاد ووزير المالية الأسبق رئيسا ً للوزراء “علي الأمين الزين” يأتي لتخفيف الضغوطات التي تواجههم سلطات الانقلاب من المجموعة الاقتصادية والسياسية لغرب إفريقيا “إيكواس ” ومن الغرب وبالأخص من فرنسا التي فقدت الكثير من نفوذها في إفريقيا، تقف اليوم عاجزة مرة أخرى أمام خسارة مستعمرة أخرى و حديقة خلفية لها في القارة السمراء خاصة ًمع وضوح قوة الدب الروسي على الأرض والميلان الشعبي الكبير في النيجر نحوها في انقلاب واضح على فرنسا، إضافة إلى تذبذب الموقف الأمريكي بين الرافض لحكومة الانقلاب وبين إقامة علاقات جديدة مع حكومة الانقلاب، وهذا ما يتجلى بسفر المسؤولة في وزارة الخارجية الأمريكية ” فكتوريا نولاند “إلى نيامي عاصمة النيجر  حيث أجرت لقاءات مع كبار مسؤولي المجلس العسكري والتي وصفتها بالواضحة والصعبة خاصة إن القادة العسكريين لم يهتموا بالمقترحات الأمريكية بشأن استعادة النظام الديمقراطي في البلاد وكما قوبل طلبها بالرفض للقاء الرئيس المطاح به  “محمد بازوم ” ولكن السبب الأساسي للزيارة قد تكون من أجل الحفاظ على المصالح الأمريكية في المنطقة وكسب الانقلابيين إلى صفهم عن طريق ملف الإرهاب “محاربة القاعدة وتنظيم داعش وجماعة بوكو حرام التي تنشط بقوة في المنطقة” وعدم السماح للروس بالتوغل أكثر في غربي أفريقيا، إلى جانب عدم رغبة الولايات المتحدة زعزعة استقرار المنطقة بحروب جديدة تؤثر على المشاريع الاستراتيجية لها لنقل الغاز من غرب أفريقيا إلى أوروبا والاستغناء بشكل كامل عن الغاز الروسي. من هنا نجد أن روسيا تحاول التمدد أكثر في غرب أفريقيا وعقد اجتماعات مع القادة الأفارقة لوقف المشاريع الغربية لنقل الغاز إلى القارة الأوروبية أو على الأقل أن تكون شريكة أو لها حصة في تلك المشاريع من خلالها تكون قادرة في التأثير على أي محاولات تؤثر على مكانتها في السوق الأوروبية.

فالخلاصة إن رقعة الصراع الأمريكي الروسي بدأت يتسع أكثر فأكثر فالبداية كانت في ليبيا ثم سوريا فأوكرانيا فالقارة السمراء ووصولا ًإلى النيجر وباقي دول غربي إفريقيا والتي أصبحت حرباً بالوكالة والتي تدفع فاتورتها الشعوب الفقيرة والمضطهدة الذين أضحوا وقوداً لصراعهم .

زر الذهاب إلى الأعلى