إيران وأمريكا والصفقة الأخيرة في آب 2023

صفقة الإفراج عن الرهائن الأمريكيين في إيران والمحتجزين في سجن أفين الإيراني، ليست الأولى ولا الأخيرة بين الطرفين، والتي ازدادت التكهنات حولها وحول السياسة الأمريكية حيال طهران والتي اتسمت بالتوتر طيلة عقود من الزمن على مدى تولي عدد من الرؤساء في الولايات المتحدة من الديمقراطيين والجمهوريين  بدءاً من الرئيس جيمي كارتر زمن الخميني مرشد الثورة الإيرانية الذي في عهده تأسست الجمهورية الإسلامية خلفاً للشاه المخلوع رضا بهلوي عام 1979م  قام الطلبة من أنصار الخميني بالهجوم على السفارة الأمريكية واحتجزوا 52 فرداً فيها كرهائن مطالبين بتسليم الشاه الذي كان يخضع للعلاج في أمريكا ، مما يعني أن أسلوب وصيد الرهائن لا يزال متبعاً لدى الجمهورية الإسلامية وحلفائها وميلشياتها في كل من سورية والعراق ولبنان ورغم قطع العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين ورفع شعارات الموت لأمريكا إلا أن الصفقات السرية والتي انعدمت فيها الشفافية الأمريكية ظلت مستمرة وموجودة، ويكفي الإشارة إلى فضيحة إيران غيت عام 1986 والتي تمت بأرسال أسلحة أمريكية إلى طهران ، بوساطة إسرائيلية رغم قرار حظر بيع الأسلحة  إلى طهران ،بهدف إطلاق سراح رهائن أمريكيين في لبنان زمن الرئيس الامريكي رونالد ريغان وتصاعد التوتر عام 1988م عندما أسقطت بارجة امريكية طائرة إيرباص تابعة للخطوط الجوية الإيرانية فوق مياه الخليج والتي قتل فيها حوالي 290 شخصا واستمر قطع العلاقات وتبادل الاتهامات وصارت إيران من دول محور الشر التي تدعم الارهاب  2002م التي استمرت في نهجها التوسعي والطائفي خاصة في سورية والعراق ولبنان واليمن والخليج بما في مناطق شرق السعودية .

وأكملت عملها بتخصيب اليورانيوم وبناء المفاعلات النووية الأمر الذي خلق نوعاً من القلق لدى الولايات المتحدة الأمريكية والغرب وإسرائيل وهذا ما حث الرئيس الامريكي باراك أوباما للتحدث للإيرانيين حكومة وشعبا ومندداً بالقمع العنيف للمظاهرات السلمية في إيران احتجاجاً على الأوضاع الاقتصادية ومطالب تضم حقوق الإنسان بما فيها حقوق القوميات داخل إيران من العرب والكرد والبلوش والأذربيين والتركمان وغيرهم.

وفي عام 2015م توصلت إيران مع القوى الكبرى في إبرام اتفاق نووي يقضي برفع تدريجي للعقوبات عن إيران مقابل ضمانات بأن إيران لن تسعى للتزود بالسلاح النووي

لكن استمر التوتر بين الجانبين وتصاعد  لاستمرار إيران ببرنامجها المتعلق  بالصواريخ الباليستية واستمرار دعمها لحزب الله وفصائل الحشد الشعبي في إيران والعبث بأمن العراق ولبنان وسوريا وغيرها من المناطق ، وفرض الأمريكيون عقوبات جديدة على النظام الإيراني في عهد الرئيس ترامب لقيام إيران بتجارب صاروخية باليستية، تحمل أقماراً صناعية إلى مدار الأرض وذلك عام 2017م وفيها أعلنت إيران أنها ماضية في برامجها مهما كلف الأمر ورغم بقاء الاتفاق النووي على ما هو عليه إلا أنه جمد وتوقف العمل به ، رغم الحراك والضربات الإسرائيلية المستمرة للمطارات ومخازن الاسلحة الإيرانية في كل من سورية ولبنان، ولايزال التوتر هو عنوان المشهد في العلاقات بين الجانبين الإيراني والأمريكي والملفت في الأمر عقد صفقة أخيرة بين واشنطن وطهران بخصوص الإفراج عن الأموال الإيرانية المجمدة في كوريا الجنوبية وتقدر بـ 6 مليارات من الدولارات ترسل إلى البنوك القطرية عبر سويسرا وتبادل أسرى إيرانيين في أمريكا مقابل سجناء أمريكيين في إيران ويبدو أن الصفقة تتم بنجاح بين الطرفين ، وبوساطة عمانية التي لها باع طويل في الوساطات السرية والصفقات الأمريكية الإيرانية ، والجدير ذكره حسب المراقبين أن نجاح هذه الصفقة قد تزيد من فرص التعاون الدبلوماسي بين البلدين خاصة ما يتعلق بقضية الاتفاق النووي وحسب بعض التسريبات أن هذه الصفقة هي جزء من تفاهمات واسعة بين ايران والولايات المتحدة بمعنى يمكن تسمية ذلك بالاتفاقية غير الرسمية بين الجانبين لأن إيران خفضت تخصيب اليورانيوم 60% كما لا يسمح لها بشن الهجوم على جنود أمريكيين من قبل المليشيات التابعة لإيران في كل من سوريا والعراق ، ويمكن استنتاج أهمية إيران من الناحية الاستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية فهي تطل على الخليج وعلى مضيق هرمز الاستراتيجي وهي تشكل قوة عظمى إقليمية تتحاشاها كل الدول العربية المجاورة  والتي تشعر بتهديد كبير من أيديولوجيتها الدينية خاصة السعودية والدول الخليجية الأخرى، وهذا التهديد يدفعها إلى حضن الولايات المتحدة والتي تدفع مئات المليارات من الدولارات لتأمين حدودها وهذا يعود بالفائدة على الولايات المتحدة ، وربما هذا من أحد الأسباب التي تدفع الولايات المتحدة لتعلن أنها لا تسعى إلى تغيير النظام الإيراني ، وأنها أي أمريكا كانت تقدم دعماً خجولاً للثورات والمظاهرات الديموقراطية في إيران خاصة بعد الاحتجاجات التي عمت جميع الولايات الإيرانية بعد حادثة مقتل الفتاة الكردية مهسا أميني أوجينا أميني لم تقدم الولايات المتحدة سوى تأمين الاتصالات والأنترنت أثناء الاحتجاجات ، فالولايات المتحدة تدير الأزمات في مناطق متفرقة من العالم ولا تحلها، إلا نادراً وهي تسعى إلى مصالحها وتحقيق أجنداتها بالمقام فهي حالياً موجودة في سورية وشرق الفرات ، ولا تكلف نفسها عناء وضع حد للمسيرات التركية التي تصطاد المدنيين من حين إلى آخر وتترك لتركية الاستمرار في تهديداتها المستفزة من حين إلى آخر رغم معارضة فرنسا للضربات التركية بالمسيرات التي تطال المدنيين، في الوقت الذي تزداد الضجة الإعلامية ضد إيران وتزويد قواتها في الشرق الأوسط بالجنود والآليات والطائرات، للقواعد الأمريكية تفضي النتيجة إلى صفقة أمريكية إيرانية ويتم الإفراج عن الأموال المجمدة الإيرانية، ليستمر الدعم للحرس الثوري والفصائل التابعة له، رغم تقيد إيران في الاتفاق أن الاموال ستنفق على الغذاء والأدوية ، كما تشير تسريبات إلى تعزيز قاعدة التنف الامريكية بقوات من الجيش الوطني التابع لتركية ، خاصة بعد الاستدارة التركية الاخيرة نحو الناتو ، والولايات المتحدة بعد موافقة تركية لانضمام السويد إلى حلف الناتو ، وقد كشف نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل عن الكثير من الألاعيب الامريكية التي غالبها تتسم بالازدواجية والسرية وعدم الشفافية ، بل تصل أحيانا حد ضربات في الظهر للحلفاء كما حدث في  رأس العين وتل أبيض، من قبل دونالد ترامب مما يعني أن قوات سوريا الديمقراطية كانت محقة في موقفها حينما رفضت محاربة القوات الإيرانية وميلشياتها في دير الزور وأبو كمال، وما موافقة أمريكا على الاتفاق السعودي الإيراني وبرعاية صينية إلا شكل من أشكال استغلال الازمات، من أجل أن تظل أزمة اليمن على حالها بين الحوثيين والسعوديين والإماراتيين ومن ثم مع إيران، أي أن يبقى الوضع مأزوما ومعلقاً دون حل ليأتي الوقت المناسب للاستفادة من الوضع واستغلاله .

زر الذهاب إلى الأعلى