سياسة أردوغان من صفعة إلى أخرى

يوجد في مخيلة الرؤساء الأتراك بدءاً من كمال أتاتورك إلى أردوغان وهم بأن الشعب التركي يعيش في وسط محيط من الأعداء لذا يرون في إعادة امجاد الإمبراطورية العثمانية الآفلة التي قامت على جماجم شعوب المنطقة فقد تم إبادة كل من الأرمن والسريان والكرد والصرب والبلغار واليونان، والتاريخ يعيد نفسه والمشهد يتكرر اليوم بحق شعوب شمال وشرق سوريا على أيدي السلطان العثماني الجديد أردوغان، ولا يمكننا فصل مناطق شمال وشرق سوريا عن الاستراتيجية التركية الجديدة القائمة بالسيطرة على البلدان العربية من أجل إعادة جزء من الإمبراطورية المقبورة كونها لا تفارق مخيلة الرؤساء الأتراك وبالتحديد أردوغان، وما إن انطلقت الاحتجاجات في البلدان العربية والتي أطلق عليها الربيع العربي، وجدت تركيا أن الفرصة سانحة من أجل السيطرة على هذه البلدان عبر توظيف الإخوان ودعمهم، وغداة بدء الاحتجاجات والأزمات في البلدان العربية سارعت تركيا في محاولة منها لكسب هذه الأزمات لصالحها عبر جماعة الإخوان المسلمين نظراً لكون أردوغان لديه نزعة إسلاموية إخوانية راديكالية وهو تلميذ نجم الدين أربكان المختص في الإسلام السياسي وعلى أثر ذلك قام أردوغان بتمتين علاقاته مع الجماعات الإخوانية في الدول العربية والتي تصنف جماعة إرهابية في الكثير من البلدان العربية.

لذا ما إن بدأت الاحتجاجات في مصر بالمطالبة بإسقاط نظام حكم حسني مبارك قامت تركيا بدعم جماعات الإخوان المسلمين من أجل الانقضاض على الحكم وبالفعل استطاع محمد مرسي الإخواني وبدعم تركي كبير بالوصول إلى السلطة وعلى أثر وصوله إلى الحكم سارعت تركيا إلى زيارته من أجل تقديم الدعم له وترسيخ النفوذ التركي في مصر، إلا أن الشعب المصري وقيادته العسكرية تمكنوا من فضح المؤامرة المحبكة بين أردوغان والإخوان فبدأت بالمظاهرات ضد حكم مرسي (وبحسب معهد واشنطن قامت تركيا بإرسال رئيس الاستخبارات التركية هاكان فيدان إلى مصر من أجل مساعدة مرسي وأخباره بأنه هناك تحركات من أجل الإطاحة به) كل هذا لم يفد نظام مرسي وداعميه حيث استطاع  وزير الدفاع المصري عبدالفتاح السيسي وبدعم شعبي من الإطاحة بمرسي الإخواني وتسلم مقاليد الحكم في مصر، وبهذا تكون أولى الصفعات القوية الموجهة ضد تركيا في إعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية وبعثرت أحلامه الطوباوية.

أما الصفعة الثانية التي تعرض لها نظام أردوغان فهي قيام الجيش السوداني بتنحية عمر حسن البشير الرئيس الإخواني  الذي يعرف بارتباطه الوثيق مع أنقرة كونها من أكبر الدول الداعمة والممولة للجماعات الإخوانية عبر العالم، فبعد تنحية البشير بدأ حلم أردوغان ينهار في جزيرة سواكن الذي قام بعقد اتفاقية لا يمكننا ذكر جميع بنودها، والتي يمكن تلخيصها بأنها تقتضي بقيام تركيا بإعادة تنشيط الجزيرة وبناء قاعدة عسكرية لها من أجل إحكام السيطرة على السودان ودعم الإخواني عمر البشير، إلا أن بعد الإطاحة بالبشير لا أحد يعلم إذا كانت الحكومة الجديدة ستقبل بهذه الاتفاقية، كونهم يخالفون سياسة البشير وقاموا بالإطاحة به، وحتى الآن مصير الاتفاقية غير معروف ويمكن أن تحدد الأيام المقبلة ذلك، وبذلك تكون أنقرة أمام صفعة ثانية في حال عدم قبول الاتفاقية.

أما الوضع في ليبيا فيبدو من الصعب التكهن بما ستؤول إليه الأمور، إلا أن الجيش الوطني الليبي المدعوم سعودياً وإماراتياً ومصرياً من أكثر القوى سيطرة على الساحة الليبية من حيث المساحة التي تقدر بـ 50%، أما حكومة الوفاق الإخوانية المدعومة من تركيا فتسيطر على 20% من مساحة ليبيا، والمساحة المتبقية تسيطر عليها مجموعات مختلفة كمجلس الشورى، وقد اتهم  الجيش الوطني بقيادة المشير حفتر بدعم تركيا للجماعات المصنفة إرهابياً على أثر إرسالها  لمجموعات من جبهة النصرة إلى ليبيا لمساعدة حكومة الوفاق، وتتعرض تركيا وجماعاتها في ليبيا لضربات موجعة على أيدي الجيش الوطني، وقد يسفر مستقبلاً عن تفوق للجيش الليبي على حساب حكومة الوفاق وبذلك تكون النهاية الفعلية لأحلام أردوغان التوسعية.

أما وضع جماعات أردوغان الإخوانية في سوريا الذين عول عليهم أردوغان من أجل استلام الحكم في سوريا إلا أنه فشل في ذلك وبات المشهد واضحاً وظاهراً للعيان، فقد تم استخدامهم كوقود للوقوف في وجه الكرد، وآخره صفقة عفرين مقابل الغوطة والحبل على الجرار، وأصبحت الجماعات الإخوانية في سوريا بيدقاً بيد أردوغان يوجههم كيفما يشاء من دون أي معارضة من قبلهم.

في ظل هذه الصفعات التي تتعرض لها حكومة أردوغان إثر فشل جماعاته الإخوانية في التسلق إلى الحكم في مصر وسقوطهم المدوي في السودان والمأزق في ليبيا، وخسارة جماعاته في الوصول إلى الحكم في سوريا أصبحت تركيا منبوذة خارجياً وعدوة لكلٍّ من مصر والسعودية والإمارات بسبب أطماعها في هذه الدول ودعم جماعات معارضة لهذه الدول وأصبحت سياسة أردوغان من صفر مشاكل المعلنة في 2003م إلى صفر أصدقاء وخسر الكثير من أحلامه في التربع على عرش الإمبراطورية التركية الحديثة.

أما على الصعيد الداخلي فنتيجة السياسة الرعناء والحكم الشمولي والإرهاب السياسي بحق معارضيه وخاصة الكرد  أدت إلى خسارته للانتخابات في إسطنبول وأنقرة وأزمير وانشقاق ما يقارب المليون من حزب العدالة والتنمية  وانخفاض قيمة الليرة التركية إلى أدنى مستوى لها في التاريخ بسبب الفساد والسياسة الاقتصادية غير المتزنة كل هذه الانتكاسات أججت النار في داخل تركيا وجعلتها دائما في حالة غليان، لذا ومن أجل تغطية هذا الفشل الخارجي والداخلي وبث الرماد في عيون الأتراك والمعارضين لسياسة أردوغان، قامت تركيا بغزو شمال وشرق سوريا من أجل خفض التصعيد الداخلي عليها وتخفيف حدة الاحتقان في الشارع التركي.

فتدمير سري كانيه بشكل شبه كلي بعد قصفها جواً وبراً والإعدامات الميدانية بحق أكثر من أربعين مدني بالإضافة للسياسية هفرين خلف والتمثيل بجثتها واستخدام الأسلحة المحرمة دولياً ضد المدنيين عبر قصف سري كانيه بالفوسفور الأبيض، وهذا التصرف المشين لا ينبع من قوة، فالقوي لا يستعمل الفوسفور ولا يقتل المدنيين ويشردهم فهذه الأعمال العدوانية دليل واضح على إخفاق أردوغان وحكومته على الصعيد الداخلي والخارجي وبذلك يكون جبل أردوغان قد تمخض فولد فأراً.

زر الذهاب إلى الأعلى