الأمير السعودي محمد بن سلمان عرّاب عودة سوريا الى الجامعة العربية

المقدّمة:

ورث ولي العهد السعودي  محمد بن سلمان ملف مناهضة النظام السوري المرتبط مع الملف اليمني على خلفية الدعم الإيراني للنظامين السوري والحوثي.

وكان من الطبيعي مع التفاهمات الإيرانية السعودية أن ينعكس الأمر على الملفّين، وهو ما دفع الرياض لقيادة حملة إعادة النظام السوري الى الجامعة العربية.

والحقيقة أنّ الأمير محمد بن سلمان سعى منذ أن استلم  ولاية العهد في 2017 الى اتّباع سياسة خارجية تختلف تمامًا عن كل السياسات السعودية السابقة، فوفق السياسة الجديدة لم تعد أمريكا الحليف الوحيد للسعودية خاصة بعد  تعهّد الرئيس جو بايدن أثناء الانتخابات الأمريكية بعدم التعامل مع ابن سلمان واتّهامه بقتل الصحفي جمال خاشقجي.

وضمن السياسة الجديدة اتّجهت السعودية شرقا نحو روسيا والصين ووقّعت مع إيران في 10 آذار الماضي اتّفاقا لاستئناف علاقاتهما الدبلوماسية.

وعلى ضوء الاتفاقية المذكورة أنجزت السعودية مع إيران التفاهمات المعروفة ( التي  كانت مفتاح الحل للعديد من القضايا الخلافية والمشاكل العالقة بين الطرفين ) وأتاح التقارب الإيراني السعودي أطول وقف لإطلاق النار في مسار الحرب الأهلية المستمرّة في اليمن منذ أكثر من عقد.

ووفق هذه الاستراتيجية الجديدة يعمل ابن سلمان وعبر إصلاح العلاقات مع الدول الأخرى على تحسين سمعة السعودية  في العالم من خلال سياسة الانفتاح في الداخل والخارج وتنفيذ رؤية المملكة 2030 التنموية وتعزيز مكانة المرأة. 

وضمن هذا السياق فإنّ عودة سوريا الى مقعدها في الجامعة العربية تمثّل تتويجا لسياسة وليّ العهد السعودي ونصرًا دبلوماسيًا له ولخلفائه الروس والإيرانيين إضافة إلى بكين

وقالت صحيفة عكاظ السعودية حول هذه التطوّرات الدراماتيكية:

” إنّه بعد خطوة استعادة العلاقات المفاجئة مع إيران الشهر الماضي تريد الرياض الآن أن تكون في طليعة الدول المبادرة الى تهدئة بؤر الصراع الإقليمية مثل سوريا “.

ولكن ماهي المستجدّات التي دفعت السعودية لاتّخاذ موقف التطبيع مع النظام السوري؟

منذ بداية الأزمة السورية 2011 اتّخذت السعودية موقفًا شديدًا من النظام السوري وقطعت العلاقات الدبلوماسية معه، كما أكّدت في أكثر من مناسبة على ضرورة رحيل الرئيس السوري من السلطة كما دعمت قيادات من المعارضة السورية، ولكن الموقف السعودي العلني شهد منذ مطلع العام الحالي تبدّلات عدّة ظهرت خصوصا مع حدوث الزلزال في سوريا وتركيا في 6 شباط الماضي، حيث بادرت السعودية لأوّل مرّة الى إرسال مساعدات الى مناطق سيطرة الحكومة السورية وتم استئناف العلاقات القنصلية بين البلديين.

واعتمدت الجامعة العربية في البيان الختامي الاستثنائي لاجتماع عمان التشاوري الذي ضمّ سوريا ومصر والعراق والسعودية والأردن في الأول من شهر أيار الحالي منهجية تجريبية مرنة تجاه سوريا، ووضعت أمام الرئيس السوري خيار التطبيع بدلًا من خيار العقوبات كسبيل لتغيير سلوكه، ولكن ضمن سياسة “خطوة مقابل خطوة” وضمن هذه الأسس تمّ قبول عودة سوريا الى الجامعة العربية بمساعٍ سعودية.

واذا كان ابن سلمان يسعى فعلًا إلى تثبيت زعامته العربية فإنّ فرض عودة سوريا الى الجامعة يُعدّ إنجازًا مهمّا لولي العهد حتى يبدأ مسيرته ومشروعه العربي بثبات وحتى يرسم خريطة سياسية جديدة في المنطقة بمعزل عن أمريكا ومصالحها.

وحتمًا سيكون التخلّص من التبعية الأميركية وفتح الخطوط على مصراعيها أمام التحالف السعودي الصيني – الروسي – الإيراني وإحياء التحالف الرباعي المشرقي الذي يضمّ مصر والسعودية والعراق وسوريا أبرز عناوين السياسة السعودية الجديدة.

وهذا يعني أنّ ابن سلمان قدّم البراغماتية والواقعية على خيار المضيّ في الانقسامات الجيوسياسية والطائفية المستمرّة منذ عقود.

طبعا من المبكّر ظهور النتائج الملموسة لخيار التطبيع العربي مع سوريا، ولكن من الخطأ أيضا اعتبار قرار الجامعة العربية قفزة في الفراغ  ليس أكثر.

والسؤال: ما هو المهم لدمشق الحل العربي أو ما يُسمّى بجبهة المقاومة والممانعة الإيرانية؟

أعتقد أنّ كلّ الأمور تسير باتجاه أنّ الأسد لن يقطع علاقاته بطهران، وبالمقابل فإنّ إيران مضطرّة حاليا لقبول التطبيع العربي مع دمشق لعدم قدرتها على الاستمرار في دعم  سوريا اقتصاديًا وعسكريًا، ولكن سيكون تطبيعًا مشروطًا ووفق الإملاءات الإيرانية للنظام السوري.

الخاتمة :

تتفاوت المواقف الإقليمية والدولية من التطبيع مع النظام السوري وتنقسم الى أربعة اتّجاهات رئيسة:

الاتّجاه الأوّل:

ويمثّل تركيا وهي متحمّسة للتطبيع لاعتبارات نابعة من الداخل التركي.

الاتّجاه الثاني:

ويمثّل السعودية والإمارات …إلخ، وغرضه طيّ صفحة  الثورات العربية نهائيا.

وهذا الاتّجاه يربط التطبيع مع سوريا بتحقيق تقدّم في مسار الحلّ السياسي.

الاتّجاه الثالث:

 ويمثّل أمريكا وأوروبا والإدارة الذاتية، وترفض واشنطن أيّة خطوات تطبيعية لا تأخذ مصلحة الشعب السوري بعين الاعتبار ولا تكون مقرونة بتحقيق تقدم في مسار الحل  السياسي القائم على قرارات مجلس الأمن وخاصة القرار 2254

ولكن من الواضح أنّ التأثير الأمريكي قد أصبح ضعيفا ولم تعد الدول العربية تخضع له خصوصا السعودية والإمارات العربية المتحدة اللتان تُعتبَران دولتين أساسيتين وحليفتين لواشنطن.

الاتّجاه الرابع:

ويمثل إيران ومن يدور في فلكها، وإيران توافق على التطبيع العربي مع سوريا ولكن ضمن الحدود المرسومة من قبلها، أي أنّها تريد من سوريا أن تطبّع شكليًا لحين حصول تغيّرات سياسية إقليمية ودولية لصالحها.

والسؤال الأهم هو: ماهي تداعيات التطبيع على الإدارة الذاتية؟ وما هو موقف الإدارة الذاتية من التطبيع؟

إذا رجعنا الى التاريخ فإنّ معظم التفاهمات والاتفاقيات (  الثنائية والثلاثية والرباعية ….الخ  ) التي تمّت بين الدول المحتلة لكردستان كان العامل المشترك فيها هم الكرد، وكان معظمها عدوانيا ومؤامراتيا عليهم وعلى ومستقبلهم السياسي مثل:

– اتفاقية سايكس بيكو ( عام 1916 ) التي تمّ بموجبها تقسيم كردستان الى أربعة أجزاء.

– واتفاقية لوزان عام 1923 التي ألغت اتفاقية سيفر الدولية ( التي اعترفت لأوّل مرة بحق الشعب الكردي في الحرية والاستقلال الذاتي ) –  واتفاقية الجزائر التي تمّت بين صدام حسين وشاه إيران وكانت  سبب معظم  النكسات التي حلّت على الشعب الكردي في العراق.

– وأخيرا اتفاقية أضنة ( سيّئة الصيت )  في 20 تشرين الأول  1998 ( التي تمّت بين سوريا وتركيا إثر تدهور العلاقة بين البلدين بسبب وجود  السيد عبد الله أوجلان في دمشق، وتستخدمها أنقرة ضد الكرد في سوريا “كلّما دقّ الكوز بالجرة”.

أمّا بخصوص موقف الإدارة الذاتية من عودة سوريا الى الجامعة العربية فقد رحّبت الإدارة بالتطبيع، وحسب البيان الصادر في 11 أيار الحالي فإنّ الإدارة الذاتية:

” تولي أهمية  بالغة للدور العربي، وإنّ عودة سوريا الى  محيطها العربي وعمقها الاستراتيجي يمكن أن تكون خطوة  مهمة في دفع العملية  السياسية  في سوريا  وتحفيز الحل السياسي للأزمة”.

 وذكر البيان بأنّ الإدارة الذاتية دعت في وقت سابق(من خلال المبادرة السياسية التي أطلقتها في 18 نيسان 2023 ) الى وجوب أن تلعب الدول العربية والأمم المتحدة دورًا إيجابيًا في الحل السوري.

وحدّدت الإدارة استعدادها للمساهمة في العمل معا بالتنسيق مع الدول العربية والأمم المتحدة حول القضايا الأساسية  التي تتطلّب جهودًا مشتركة بخصوص الحل في سوريا.

بالتأكيد فإنّ الوضع الكردي السوري مختلف هذه المرة سواء من الناحية العسكرية أو الاقتصادية أو السياسية ….إلخ، ولدى الكرد حلفاء أقوياء ولكن يجب أن تتحسّب الإدارة الذاتية لمؤامرات الأعداء ودسائسهم وقد خبرت عدوانيتهم، ولكن إذا سارت الأمور عكس مجاريها فإنّ التطبيع المجّاني يمكن أن يقوّض العدالة الانتقالية والانتقال السياسي ويحول دون انتقال سوريا الى نظام ديمقراطي.

زر الذهاب إلى الأعلى