سوريا الغد، التوقّعات والدلالات

في ظل المتغيرات الدولية والإقليمية شهدت العواصم العربية حراكًا وانفتاحًا على النظام السوري، مثل دولة الامارات العربية المتحدة وسلطنة عمان والاردن والعراق وغيرها من الدول العربية، خاصة بعد الزلزال الذي ضرب كلًّا من سوريا وتركيا وانهالت المساعدات الإنسانية والإغاثية على دمشق من مختلف الدول وخاصة الدول العربية، ترافقت مع زيارات سياسية للرئيس السوري بشار الأسد إلى  الامارات وسلطنة عمان ثم زيارته إلى موسكو وتلتها اجتماعات وتصريحات بخصوص الانسحاب التركي من الأراضي السورية المحتلّة ثم الاجتماعات الرباعية التي ضمّت موسكو وتركيا وإيران وسوريا على مستوى وزراء الدفاع والاستخبارات الامنية للبلدان المذكورة، وصولاً إلى الاجتماعات على مستوى وزراء الخارجية لدواعٍ انتخابية لصالح تركيا وأردوغان والتي لم تأت أكُلها سوى بعض اللقطات التي جمعت بين المقداد وزير خارجية سوريا وجاويش أوغلو وزير خارجية تركيا، ثم تلاها الحراك والدور العربي واجتماعات عمان واجتماع جُدّة والقاهرة تمهيداً لإعادة سوريا إلى الجامعة العربية، ومن ثم التأم شمل القادة العرب من الملوك والامراء والرؤساء في قمّة جُدّة والتي ألقى فيها الرئيس السوري كلمته عن الولاءات والأحضان ومشيداً بالعروبة التي يستخدمها كمظلّة من حين إلى آخر.

ومن دواعي جذب سوريا إلى الصف العربي، ظهور العديد من المشكلات التي تركت آثارًا سلبية على البلدان العربية كالمشاكل الأمنية الحدودية بين سوريا والاردن، وتهريب المخدّرات وتصنيعها في سوريا بالتعاون مع حزب الله اللبناني ومليشيات الحرس الثوري الإيراني في سوريا بدعوى أنهم مستشارين للقوات السورية، ومواقع تصنيع (الكبتاغون)والتهريب والتوزيع موجودة على الحدود بين سوريا ولبنان في مناطق جبال القلمون بطول يبلغ تقريباً 80كم وبعمق يصل إلى 10 كم والتي يسيطر عليها حزب الله اللبناني بالتعاون مع جهات سورية قد تطال قائد قوات الفرقة الرابعة ماهر الأسد شقيق الرئيس، وتتسرّب هذه المخدّرات عبر الحدود الأردنية إلى العربية السعودية ودول الخليج وتهدّد أمنها واستقرارها، وهي محاولة من العرب لحل هذه المسألة من خلال القمة العربية وإلزام سوريا بتنفيذها مقابل تقديم المساعدات والمال لسوريا وإعانتها من قبل المملكة العربية السعودية والدول الخليجية الأخرى وعلى رأسها دولة الامارات العربية المتحدة، كما أنّ مشكلة اخرى أرادت الدول العربية التخلّص منها والتي سبّبت إحراجاً وضغطًا على الدول العربية، وهي مشكلة عودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم عودة آمنة، فالسوريون كلاجئين يعانون من أوضاع مزرية في كل من لبنان والأردن ويتجاوزون عدّة ملايين في البلدين المذكورين، ناهيك عن وجودهم في بقية الاقطار العربية كمصر والسودان وبقية الدول الخليجية التي لم تبد أي استعداد وترحيب بهم منذ بدء الازمة السورية، وهذا دليل على أنّهم كانوا معنيين أكثر باستقرار بلادهم وأوضاعهم  من قضايا القومية والأخوة والعروبة وغيرها، وهذه المسألة يريد النظام السوري ابتزازها من الدول العربية للحصول على مساعدات مالية كبيرة بحجّة أنّ معظم مناطقهم بحاجة إلى إعادة إعمار وتهيئة البنى التحتية خاصة في المناطق التي تعرّضت للتخريب والقصف والتدمير، ثم إنّ النظام السوري يعوّل كثيرًا على مسألة إعادة الاعمار والحصول على دعم الدول العربية والخليجية، وجاء ذلك على لسان معاون وزير الخارجية السوري أيمن سوسان الذي يأمل من الدول العربية أن تباشر فورًا في إعادة الاعمار وتقديم المساعدات المالية، كما تأمل سوريا من الدول العربية المتوازنة أن تساعد في مسألة رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الاوربي وممارسة الضغوط لصالح رفعها عن سوريا مثل قانون قيصر الذي تسعى الولايات المتحدة إلى توسيعه كما تريد إصدار قانون التطبيع الذي يستهدف الدول التي لازالت تسعى للتطبيع مع النظام السوري ومستمرة فيه. أمّا بالنسبة لحل الازمة السورية والتي ارتبطت بالقرار الاممي 2254 فالغالب أنّ هذا كان آخر هموم الدول العربية التي يشغلها أمنها واقتصادها بالدرجة الاولى ونفوذها واستمرارها والبقاء في حكم أنظمتها، وهذه تشمل أغلب الدول العربية بما فيها النظام السوري نفسه، الذي بات يدرك جيّداً هذه المسألة، والمرجح أنّه لن يمتثل لهذا القرار الدولي والأممي حتى لو لم يبق سوري واحد في البلاد  .ويستدلّ من ذلك زيارة الرئيس الايراني إلى سوريا قبل انعقاد القمة العربية في جُدّة بأيام قليلة زار فيها أماكن تجمّعات الشيعة في دمشق مثل مدينة السيدة زينب وألقى فيها كلمة حول سوريا وتعاونها الاستراتيجي والتي توّجت بالعديد من الاتفاقيات والتفاهمات شملت معظم القطاعات الخدمية والاقتصادية في سوريا، مثل الموانئ والمطارات والكهرباء والنفط والفوسفات وشراء الأراضي التي بلغت أكثر من عشرات الهكتارات كما شملت توسيع المراقد الدينية الشيعية في دمشق وحلب مثل مرقد السيدة رقية في حي العمارة الدمشقي الذي بلغ أكثر من 6000متر بحجة تحصيل الديون الإيرانية على سوريا والتي بلغت أكثر 30 مليار دولار، هذه التفاهمات السورية الإيرانية تأكيد على مشاركة إيران في إعادة الاعمار وتأكيد على الدور الإيراني في سوريا وكأنّها رسالة إلى القمة العربية التي انعقدت في جُدّة، كما أنّها تأكيد على سطحية مشاركة سوريا ودورها، فالقرار السوري غير مستقل ومرهون للنظام الايراني والروسي وبالتالي فقرارات القمم العربية من عمان والقاهرة وجُدّة حول تحجيم النفوذ الايراني هي سراب في سراب فلا فاعلية حقيقية فيه، أمّا مسألة انسحاب القوات الأجنبية من سوريا فهذه صعبة المنال في المنظور القريب، فسوريا فيها احتلال ونفوذ العديد من الدول الأجنبية فإسرائيل تحتل الجولان وتوجّه ضربات جوية وعسكرية تستهدف المخازن والمواقع الإيرانية والمطارات، وتركيا تحتلّ شمال سوريا من إدلب وعفرين ورأس العين وتل أبيض وغيرها وهي توجّه الضربات والمسيّرات من حين إلى آخر وتتوسّع وتغلق المعابر بواسطة حلفائها في إقليم كردستان وتحاصر مخيّم اللاجئين في مخمور وهي لم تحسم بعد أمر انتخاباتها الرئاسية، والنفوذ الإيراني مستشرٍ في بقية المناطق الغربية من سوريا ومدنها، وتبرّر وجودها في سوريا بموافقة النظام السوري كحليف وصديق، أمّا النفوذ الروسي في الموانئ السورية كطرطوس وفي حميميم فهو بدعوة من الدولة السورية كما يزعمون. أمّا الولايات المتحدة الامريكية فهي متواجدة في شمال شرقي سوريا ومتحالفة مع قوات سوريا الديموقراطية ضد داعش والتنظيمات الارهابية، ولها الدور الاساس في دعم الادارة الذاتية وضرب الخلايا الإرهابية النائمة من حين إلى آخر كما حدث قمع تنظيم داعش في سجن الصناعة بالحسكة، والخلايا الارهابية في مخيّمات الهول ورغم مناهضة تركيا وروسيا وإيران والنظام السوري للوجود الامريكي في شمال شرقي سوريا إلا أنّها أي امريكا تسعى لإيجاد حل للازمة السورية عبر قراراتها وعقوباتها على النظام السوري، ولا تعترض على أي مبادرات لإيجاد الحلول للازمة السورية، كما رحّبت بمبادرة الإدارة الذاتية التي سعت للوصول لتسوية شاملة مع النظام السوري شملت وحدة الأراضي السورية وتضمنت توزيع الثروات لكل السوريين مما دحض كل الاتّهامات المغرضة لتركيا والأنظمة الأخرى المعادية، وتدعو الإدارة الذاتية إلى تغيير الدستور السوري وجعل  اللامركزية أساسًا لكل المناطق في سوريا، كما وأنّ هناك تسريبات حول لقاءات سورية أمريكية في سلطنة عمان تؤكّد فيها أمريكا على ضرورة مشاركة قوات سوريا الديمقراطية في حل الازمة السورية ، كما هناك تسريبات عن دور عربي إماراتي لتقريب وجهات النظر بين النظام السوري والادارة الذاتية.

ويبقى أن نقول أنّ الرئيس السوري غير جادّ بالعودة للجامعة والصف العربي إلا بالقدر الذي يحاول فيه الاستفادة من الدعم العربي لبثّ الدماء في أوصاله، والمحافظة على حلفائه من الروس والايرانيين ، كمان أنّ قراره مرهون لهم خاصة للمذكورين الأخيرين، والنظام السوري قريب من التوافق على مبادرة الإدارة الذاتية لكنّه يماطل للحصول على مزيد من التنازلات ويترك الامر لتركيا لتمارس اقصى ما تستطيع من الحاق الضرر وممارسة الضغوط عن طريق ابتزاز الولايات المتحدة الامريكية لكسب المزيد من الاراضي السورية، وما استدارة تركيا مع النظام سوى مناورة سياسية للفوز بالانتخابات، فكلّ يراقب كلًّا وينتظر القادم المتغيّر.

زر الذهاب إلى الأعلى