زيارة وزير خارجية أمريكا للسعودية وتداعياتها

يعود تاريخ  العلاقات السعودية الأمريكية إلى ثمانية عقود وهي علاقة متأصلة ضاربة بجذورها في التاريخ، لذلك اكتسبت هذه العلاقة على مر العقود أهمية اقتصادية وأمنية وسياسية وعسكرية، لكن شابها الفتور في الآونة الأخيرة وتأزمت تحديداً بعد دخول /جو بايدن/ للبيت الأبيض وتسلّمه دفة القيادة في أمريكا. ولعلّ أهم أسباب الفتور في العلاقة هي:

أولاً: التصريحات التي أدلى بها /جو بايدن/ بخصوص السعودية بأنها دولة مستبدة ولا تراعي حقوق الإنسان وبأنها تمارس الضغط على النشطاء السياسيين والحقوقيين وتسجن وتعتقل وتقتل الصحفيين وخير مثال على ذلك قتل الصحفي /جمال خاشقجي/ في السفارة السعودية في اسطنبول.

ثانياً: التقارب السعودي الإيراني.

ثالثاً: التطبيع والانفتاح على النظام السوري.

رابعاً: فتح الباب على مصراعيه للاستثمارات الصينية، كون الصين المنافس التجاري لأمريكا.

خامساً: العلاقة السعودية الروسية.

سادساً: استقبال الرئيس الفنزويلي /مادورو/ استقبالاً مهيباً من قبل الأمير محمد بن سلمان.

سابعاً: قرار منظمة أوبك بلاس بخفض الإنتاج.

هذه هي أهم المنغصات التي عصفت بالعلاقة السعودية الأمريكية، لكن بالمقابل يتبادر إلى الذهن جملة من الاستفهامات تبحث عن حلول وأجوبة يحملها /انتوني بلنكين/ في جعبته في الزيارة الأخيرة والتي هي جمع التبرعات لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية من قبل التحالف إذن هذه الزيارة متعددة الأهداف ولعل أهم هذه الأسئلة الملحة هي:

-هل سينجح وزير خارجية أمريكا في إذابة الجليد بين السعودية وأمريكا؟

-هل بإمكانه رأب الصدع في العلاقات المشروخة؟

-هل سيكون قادراً في إعادة الدفء إلى العلاقات السعودية الأمريكية كما كانت سابقاً؟

-هل سيمنع السعوديين من سحب بيوضهم من السلة الأمريكية؟

-هل ينجح في إبعاد التنين الصيني؟

بالإضافة إلى كل هذه الاستفهامات يوجد في جعبته أيضاً ملفات أخرى مثل:

-التطبيع مع اسرائيل.

-المخاوف الخليجية من النووي الإيراني.

-الأزمة السودانية.

-الأزمة السورية.

-محاربة تنظيم داعش.

-مشكلة الحوثيين.

إذن تأتي أهمية هذه الزيارة من الملفات التي ستطرح على طاولة البحث مع المسؤولين السعوديين.

في الحقيقة حاولت الدبلوماسية الأمريكية وبمهارة حلحلة هذه المسائل العالقة والشائكة الواحدة تلو الأخرى وقد نجحت في بعضها وأخفقت في بعضها الآخر.

لقد نجحت في الوصول إلى اتفاق بمحاربة التطرف الإسلامي في كل من سوريا والعراق بهدف تخفيض منسوب العنف والإجرام ومحاولة ارساء قواعد الأمن والاستقرار في كل من سوريا والعراق وأثمرت نجاحاً في التعاون على الأزمة السودانية بهدف إيقاف النار والوصول إلى الهدنة وإن شابتها خروقات من الطرفين المتقاتلين.

كما تطابقت الأفكار والرؤى ما بينها حول مسألة الحوثيين أما الإخفاقات فقد كانت كما يلي:

-عدم التطبيع مع إسرائيل ما لم يمتثل للقرارات الدولية.

-عدم جدوى التطبيع والانفتاح مع النظام السوري مالم يذعن لقرار الشرعية الدولية /٥٤ ٢٢/

-لم يحققوا تطوراً كبيراً في الملف الصيني واستثماراته في المنطقة -حيث حاول بلنكين جاهداً أن يشرح العلاقات الاستراتيجية السعودية الأمريكية ومالها من أهمية للطرفين وخاصة في المجال الأمني حيث بادر قائلاً: نحن لا نفرض أنفسنا في الاختيار ما بيننا والصين لكننا ننوّه إلى أهمية الاستمرار في العلاقة واستدامة الشراكة المستقبلية، لكن بالمقابل حاول السعوديون إيصال رسائل مفادها امتعاضهم من السياسات والإملاءات الأمريكية وبيّنوا أنهم قادرون على بناء علاقات جديدة وفقاً لمصالحهم كونهم أصبحوا مركز الثقل والاستقطاب للعالم الإسلامي والعربي، ناهيك عن كونهم دولة نفطية مهمة على الصعيد الدولي والإقليمي ويمتلك القدرة على التعامل والاستدارة في جذب الدول العظمى للاستثمار في المملكة وفتح أسواقها كما هو الحال دخول التنين الصيني في هذا المجال . الشيء الذي أثار حفيظة الأمريكان وزاد من مخاوفهم.

الأمر الذي يتطلب من الأمريكان الكثير من الحنكة والدبلوماسية والمرونة إزاء ما يجري من تطورات وأحلاف جديدة في المنطقة، ويمكننا القول أخيراً بأن زيارة بلنكين كانت ضرورية وذات أهمية حققت بعض أهدافها، والأمر مرهون بالمستجدّات المستقبلية.

زر الذهاب إلى الأعلى