ترامب وسياسته المتخبطة في العالم

المستجدات الدراماتيكية التي حصلت في شمال وشرق سوريا خلال هذين الأسبوعين تجعل المشهد السياسي والعسكري في سوريا والعالم متجهاً نحو مزيد من الغموض والتعقيد، من الاجتياح والعدوان التركي الذي أحرق الأخضر واليابس، لمنطقة شهدت للتو الاستقرار الأمني بعد القضاء على تنظيم داعش الإرهابي على يد قوات سوريا الديمقراطية التي كانت تعتبرها الولايات المتحدة حليفتها في محاربة الإرهاب، حيث الهدوء الذي كان سائداً في هذه المنطقة سرعان ما أدى إلى فوضى استطاعت من خلالها عناصر تنظيم داعش الإرهابي المعتقلين لدى قوات سوريا الديمقراطية إلى الفرار من السجون نتيجة الغزو التركي لشمال سوريا وترافق مع هذا العدوان تصريحات من الرئيس الأمريكي بالانسحاب من سوريا والبقاء في قاعدة التنف فقط.

والمثير هنا موقف الولايات المتحدة الأمريكية التي سحبت قواتها من المنطقة الشمالية على الحدود مع تركيا، والتي تترك استفهامات حول التطورات المتسارعة وخاصة أن تركيا وقعت مع الولايات المتحدة الأمريكية على آلية أمنية منذ حوالي شهرين، ما يمكن أن يجده المرء من هذه التطورات السياسية والعسكرية بأن الولايات المتحدة الأمريكية قامت بإلهاء قوات سوريا الديمقراطية من خلال الآلية الأمنية وإعطاء الضوء الأخضر لتركيا باحتلال شمال شرق سوريا، المستجدات والتطورات العسكرية على الأرض تفيد بذلك والموقف السياسي الأمريكي بقيادة ترامب من العملية العسكرية التركية أيضاً يفيد بوجود تفاهم بينهما حول ذلك، بغض النظر عن الانتقادات الشديدة الموجهة إلى ترامب سواء من الحزبين الجمهوري والديمقراطي.

الاستراتيجية الأمريكية حول مكافحة الإرهاب بعد أحداث 11 أيلول سبتمبر في عام 2001 أصبحت على رأس الأولويات لدى روؤساء أمريكا، وما نجده في سياسة ترامب حول مكافحة الإرهاب يؤدي إلى نمو الإرهاب ثانيةً، من خلال السماح لتركيا باحتلال شمال سوريا وجميع التهديدات الأمريكية ضد تركيا بقيت معلقة في الهواء، سوى حزمة ضعيفة من العقوبات الاقتصادية على بعض المسؤولين الأتراك وهذا لا يؤثر على مسار العملية العسكرية التركية في شمال وشرق سوريا، وعلى ضوء ذلك يبرز سؤال ما هو مصير المنطقة الشمالية والشرقية في ظل هذا الإعتداء والتذبذب الموجود في سياسة الولايات المتحدة الأمريكية، وخاصة أن سوريا أصبحت تشكل مركز الصراع الجيوسياسي في المنطقة وهذا ما يؤثر على المتغيرات الإقليمية والدولية في ظل صعود وتنامي القوة الروسية والصينية في العالم.

وبالتالي فإن سياسة ترامب في الشرق الأوسط والعالم قامت على إفساح المجال لجميع الأطراف والقوى في خوض الصراع، وذلك من أجل الوصول بالاقتصاد الأمريكي إلى مستوى قياسي دون وجود منافس له، من خلال استنزاف جميع الدول اقتصادياً وعسكرياً في الشرق الأوسط ومركزها سوريا، حيث أودت هذه السياسة الأمريكية خلال رئاسة ترامب بالعالم إلى:

ـ قدرة كوريا الشمالية من خلال تهديداتها النووية على إجراء مفاوضات كانت من المفترض أن تؤدي إلى نزع الأسلحة النووية لكوريا الشمالية بشكل سريع حسبما صرح به ترامب، أدى الأمر إلى تنامي القوة النووية لكوريا الشمالية ووصلت إلى حد إطلاق الصواريخ من الغواصات البحرية.

ـ فشل ترامب في الإطاحة بالرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو بعد العقوبات الاقتصادية وتجميد الأموال الفنزويلية.

ـ استمرار الصين في حربها التجارية ولم تستطع الولايات المتحدة الأمريكية من خلال العقوبات الاقتصادية كبح جماحه، مما أدى إلى تنامي القوة الاقتصادية الصينية والأزمة التي حصلت مؤخراً حول شركة الهواوي وتراجع الولايات المتحدة عن إدراجها إلى القائمة السوداء.

ـ بالرغم من التحالف الوثيق الذي يربط دول الخليج العربي بالولايات المتحدة ووجود قاعدة عسكرية أمريكية في قطر إلا أن أمريكا لم تستطع حماية الدول الخليجية من التمدد الإيراني في مضيق هرمز وفي اليمن من الهجمات التي تشنها مليشيات الحوثي وخاصة من الهجمات التي استهدفت المنشآت النفطية السعودية (آرامكو)، واكتفت الولايات المتحدة الأمريكية بالتحرك الدبلوماسي للتضييق على إيران وأنشطتها في المنطقة.

ـ التغاضي الواضح التي قام به الولايات المتحدة إزاء قوات سوريا الديمقراطية من خلال التغاضي المبطن من قبلها على الاجتياح التركي لشمال سوريا، وبالرغم من ذلك أيضاً وجه ترامب اتهامات مضحكة للكرد بأنهم لم يشاركوا في الحرب ضد النورمانديين، دون التطرق إلى الدور الأساسي والرئيسي لقوات سوريا الديمقراطية في القضاء على تنظيم داعش الإرهابي، حيث قوبل موقف ترامب بالذهول على المستويين الداخلي والعالمي مما تسبب بتوجيه انتقادات حادة إليه من قبل حزبه (الجمهوريين).

ـ من المفترض أن الولايات المتحدة الأمريكية توصلت مع تركيا إلى وقف إطلاق النار وبالرغم من مرور أكثر من يومين على ذلك لم تلتزم تركيا بهذه الاتفاقية، وأيضاً الغموض الذي يلف هذه الاتفاقية وعدم ظهور أي ردود فعل على آستمرار تركيا في قصف المدنيين واحتلال قرى جديدة والحشد العسكري المستمر بعد وقف إطلاق النار.

التذبذب الموجود في السياسية الأمريكية برئاسة ترامب أوجد لدى حلفائها حالة من القلق وعدم الاستقرار وأصبحت العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية شديدة الحذر بعد ما حصل في شمال سوريا، وخاصة دول الخليج العربي، الإمارات والسعودية، فمع هذا التخبط الدائم في العمق الإدارة الأمريكية منذ مجيء ترامب إلى الرئاسة، والتبدل المستمر لوزراء الخارجية والدفاع والأمن القومي والاستخبارات أصبحت عملية اتخاذ القرار صعباً للغاية وخاصة تمت تلك الاستقالات نتيجة اعتراض هؤلاء المسؤولين على سياسة ترامب غير الواضحة المعالم ومعظم الذين قدموا استقالتهم قدموها بسبب قرار ترامب الانسحاب من شرق الفرات، وهذا ما قد يؤدي بالحلفاء إلى التفكير خارج المسار المتردد للولايات المتحدة الأمريكية، وهنالك بوادر لذلك، السياسة الروسية النشطة في المنطقة والتقارب الحاصل بين السعودية وروسيا تعدى إلى عقد اتفاقيات في مجال الطاقة والتكنولوجيا والاستثمار من خلال الزيارة التي قام بها بوتين إلى السعودية في 14 تشرين الأول هذا الشهر، بعد أن كان التقارب بينهما محصوراً في التنسيق حول مستوى الإنتاج وأسعار النفط العالمية، لذلك التردد الأمريكي النابع من الصراع المعاش في لب الإدارة الأمريكية من خلال تنامي موجة المعارضة داخل هذه الإدارة تجاه سياسة ترامب، ما قد يؤثر على مصير ترامب نفسه وتكون مسألة عزل ترامب أمراً وارداً، حيث تسبب ترامب في خلق مزيد من التوتر في العالم والذي انعكس سلباً على الدور الريادي لأمريكا في العالم وهذا مرهون بقدرة المعارضة على توسيع قاعدتها من خلال ضم أكبر عدد من اللوبيين من جماعات الضغط المعروفة في تأثير على صناعة القرار في الولايات المتحدة الأمريكية.

                     

زر الذهاب إلى الأعلى