الصراع والتزاحم الدولي والإقليمي في الشرق الأوسط

شرفان سيف الدين

إنّ الصراعات الدولية والإقليمية المنتشرة حالياً في العالم باتت مزعجة جدّاً، وما هي إلّا هدر للطاقات البشرية والطبيعية، وتؤثّر بالمطلق على طرفَي الصراعات على حدّ سواء، وتُعتبَر المواجهات العسكرية المباشِرة أسوأ تلك الصراعات على الاطلاق؛ لما تخلّفه من خراب ودمار مباشر من الناحية المادية واللوجستية، وبسبب آثارها المدمّرة على الحالة النفسية للبشرية، وممّا لا شكّ فيه أنّ هذه الصراعات ليست وليدة اللحظة أو المرحلة، فالصراع البشري قديم قِدَم التاريخ ومستمرّ إلى اليوم، وربّما تكون استمراريته قائمة مع استمرارية الحياة بدورتها القائمة حتى الأزل، والشرق الأوسط حالياً هو مركز هذا الصراع وكان فيما سبق أيضاً مركزاً لمعظم الصراعات العالمية؛ وذلك لأنّه يُعتبَر مركز انطلاق الحياة البشرية ومهد الأديان القديمة والديانات التوحيدية والسماوية …الخ؛ ولكن السؤال الذي يُطرَح هو: هل تُعتبَر هذه الصراعات جزءاً من الدورة الحياتية الطبيعية للبشر والبشرية أم أنّه بالإمكان إيقافها وتقويضها ووضع الحدود والأطر المناسبة لها؟

الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني كصراع أساسي في المنطقة:

ربّما يُعتبَر الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني أبرز الصراعات الإقليمية والدولية خلال القرن الماضي؛ وذلك لما له من أهمية تاريخية ودينية وأيدولوجية وقومية على حدّ سواء، فهو يُعتبَر صراعاً تاريخياً ما بين الديانة اليهودية والإسلامية من طرف، وصراعاً ما بين القومية العربية والعالم الغربي من طرف آخر؛ ربّما لأنّ العرب ينظرون لأنفسهم على أنّهم أصحاب أو حاملو الشعلة والرسالة الإسلامية للعالم رغم وجود أكثر من ثلاثين دولة أخرى إسلامية غير عربية لها وزنها الجيوسياسي والاستراتيجي في المحافل الدولية، حتى أنّ بعض تلك الدول تُعتبَر دولاً ذات اقتصادات منافسة وذات قوة عسكرية لا يُستهان بها على الساحة الدولية.

في مخطّط الصراع الدائر منذ أكثر من قرن بشكله الطبيعي كان العرب دائماً هم الخاسرون كقومية وليس كدين؛ لأنّه توجد الكثير من الدول الإسلامية لها علاقات دبلوماسية واقتصادية جيّدة وطبيعية مع دولة إسرائيل كدولة ندّية معترَف بها في المحافل الدولية، وهو الأمرّ الذي تنبّهت له بعض الدول العربية الليبرالية مبكّراً فقامت بالتطبيع المباشر، وعلى رأسها جمهورية مصر العربية وفيما بعد المملكة الأردنية الهاشمية، وحالياً بعض دول الخليج التي أظهر بعضها ذلك للعلن بشكل واضح وصريح، وبعضها أخفى ذلك لقادم الأيام لحين توفّر الظروف الموضوعية والذاتية لإظهاره. مع وجود القوة كان التنازل المستمرّ للطرف الضعيف وهو حالة طبيعية في ظل حالة التفرقة والضعف التي يعيشها؛ بدءاً من المؤتمر اليهودي الأول بمدينة بازل السويسرية عام 1897م الذي أُعلِن فيه عن نيّة يهود العالم إقامة دولة خاصة بهم، مروراً بوعد بلفور وزير خارجية المملكة المتحدة البريطانية عام 1917م بمنح اليهود هذا الوطن، إلى رفض الفلسطينيين عام 1936م نيّة الدول الغربية اختيار فلسطين لهذه الأرض كوطن لليهود، وحتى عام 1948م بالإعلان الرسمي لهذه الدولة، ومن ثم حرب حزيران عام 1967م مروراً بحرب تشرين عام 1973م والاتفاقيات التي نتجت عن هذه الحرب بالهدنة والتطبيع المباشر فيما بين الأطراف الموقّعة عليها، وصولاً لعام 2002م وإطلاق المبادرة العربية بقيادة المملكة العربية السعودية التي توصّلت إلى حتمية وجود إسرائيل والاعتراف بها كدولة فعلية مقابل دولة فلسطينية تتمتّع بكامل الحقوق والواجبات الدولية، والتي تجاوزتها إسرائيل بالفعل مع انطلاق الربيع العربي بعد مرور عقد من القرن الحالي.

المشاريع الدولية والإقليمية في الشرق الأوسط:

هناك العديد من المشاريع التي باتت تجتاح العالم بشكل عام لترسيخ القوة العالمية وبسط سيطرتها ونفوذها على الدول الضعيفة، وخَلْق حالة من التبعية السياسية والاقتصادية لهذه الدول وجعلها تتمركز في هذا المحور أو ذاك، خاصةً بعد تقوية شوكة الشرق مقابل الغرب الذي كان مسيطراً بالمطلق بعد الحرب العالمية الثانية وانهيار الاتحاد السوفيتي. ومع وصول الاشتراكية إلى سدّة الحُكم في روسيا وتقوية الشيوعية للاقتصاد في الصين أصبح العالم يعيش أو يتعايش مع المحاور الجديدة، وبدأ الاصطفاف هنا وهناك كلٌ حسب مصالحه، وأهم هذه المشاريع السياسية والدينية والاقتصادية تتمثّل على سبيل المثال لا الحصر في:

المشاريع الدولية:

  • مشروع مبادرة الحزام والطريق، أو طريق الحرير الصيني؛ والذي ترعاه الصين كقوة عالمية.
  • مشروع التوابل الهندي؛ والذي ترعاه الولايات المتحدة الأمريكية والمحور المتحالف معه.
  • مشروع طريق الشمال – الجنوب؛ والذي ترعاه روسيا كصِلة وصل وربط بينها وبين الشرق.

المشاريع الإقليمية:

  • الهلال الشيعي: والذي تمثّله الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وتهدف من خلاله لإعادة الأمجاد الفارسية عبر نشر الدين الإسلامي الشيعي على أساس التوسّع الجغرافي من خلال أذرعها في المنطقة، والتي تتمثّل في حزب الله اللبناني وحركة الحوثيين في اليمن والفصائل الشيعية المنضوية تحت مظلّة الحشد الشعبي في العراق، بالإضافة إلى التحالفات التكتيكية مع التوجّهات الأخرى مثل حركة حماس الإخوانية السنّية، ولكنّهما يتشاركان فيما بينهما في العدو المتمثّل بإسرائيل، والنظام السوري البائد الذي كان يمثّل الحركة العلوية المحسوبة على الشيعة، أمّا أهم مشاريعها فكان مشروع السكك الحديدية الإيرانية الذي كان يُراد منه خلق شبكة تواصل عضوية جغرافية ما بين حلفائها في المنطقة، والتي كانت تربط ميناء الخميني في طهران مع المدن العراقية الشيعية، وتدخل الأراضي السورية من مدينة البو كمال وتتفرّع إلى طريق تجارية تربطها مع مدينة حمص السورية وميناء اللاذقية، وطريق آخر يربطها مع دمشق فبيروت كطريق عقائدي يمدّها بالأسلحة والمعدّات والأموال لما يُسمّى بمحور المقاومة والذي يتمثل بحزب الله، وبطبيعة الحال وكما هو ظاهر للعيان في الوقت الحالي يبدو أنّ هذا المشروع في طريقه للوأد؛ وذلك بسبب تعارضه مع المشاريع الغربية وتعنّت رؤوس الحكم في طهران، ويتبيّن ذلك جليّاً من خلال تصريحات البيت الأبيض حول اتّخاذ القرار بوجوب عدم امتلاك طهران للأسلحة النووية، إمّا عن طريق الحوار أو عن طريق آخر؛ في إشارة واضحة وصريحة إلى إمكانية استخدام القوة، إن لزم الامر، وأنّ المعدّات والتقنيات الحربية الموجودة بالفعل في المنطقة وحتى المرسَلة مؤخّراً لم تأتِ من فراغ، كما يمكننا استنتاج إرضاخ القيادة الإيرانية أيضاً من خلال إيقافها لدعم الحوثيين، وأيضاً من خلال تصريحات قادة الحشد الشعبي بإمكانية إلقاء سلاحهم أو تسليمه للقوة الأمنية في البلاد والجهات المسؤولة عن الأمن.
  • الميثاق الملّي: والذي تمثّله الجمهورية التركية الحديثة التي لا تزال ترى في نفسها الوريث الشرعي للخلافة العثمانية، وتعمل جاهدة لإعادة أمجادها في فكر ومخيّلة الرئيس الحالي، ويتمثّل ذلك في خلق مشروع التنمية الرابط ما بين ميناء الفاو العراقي في شط العرب مروراً بالمدن العراقية الرئيسية والمدن الكردية في جنوب وشمال كردستان لتصل وتربط مع أوروبا، يُضاف إليها تحقيق الحلم العثماني القديم الجديد بالسيطرة على أكبر مدينتَين تاريخياً واقتصادياً مثل مدينة حلب السورية ومدينة موصل العراقية. يُضاف إلى كلّ ما سبق أنّ الرئيس التركي الحالي لا يبارحه حلمه الشخصي النرجسي في قيادة العالم الإسلامي السنّي؛ في منافسة قوية مع المملكة العربية السعودية كحاضنة للاماكن المقدّسة، ومع جمهورية مصر العربية التي تحتضن الأزهر كإحدى أهم المعالم الإسلامية إلى جانب تواجد المركز الرئيسي لجامعة الدول العربية؛ وبطبيعة الحال فإنّ تركيا في كلّ ذلك تشاركها دويلة قطر كداعم مادّي أساسي لكلّ هذا الطموح المُراد به البقاء على المنافسة الإقليمية لدى الغرب وكسب رضاه.
  • ممر داؤود: ما تزال الدولة الإسرائيلية في حالة توسّع دائم جغرافياً منذ نشوئها، إمّا عن طريق القوة أو عن طريق المشاريع أو عن طريق الاتفاقيات مع الجوار، وبكلّ الأحوال فإنّ هدفها الأساسي الاستراتيجي الدائم هو أمنها القومي، رغم عدم وجود تعريف دقيق وواضح له، أمّا عن إمكانية انسحابها من الأراضي التي تتوسّع فيها فتكون إمّا عن طريق القوة أو بضغط دولي أو عن طريق اتفاقيات سلام، وبما أنّ القوة المضادّة لها تكاد تكون معدومة أساساً، وبما أنّ الميزان الدولي يكون إلى جانبها دوماً في المحافل الدولية، خاصةً التنفيذية منها مثل مجلس الأمن، فإنّ الاحتمال الأخير أصبح النافذة الوحيدة المتواجدة حالياً، خاصةً بعد الاتفاق الإبراهيمي الأخير مع الإمارات والبحرين، ومع تعبيد الطريق أمام مشروع التوابل الهندي برعاية ومباركة أمريكية.

سوريا ما بين الحضن العربي ومشاريع التوازنات الإقليمية:

بعد الثامن من كانون الأول/ ديسمبر من العام المنصرم، أي بعد سقوط نظام البعث السوري (على غرار البعث العراقي) بقيادة بشار الأسد، استبشر الشعب السوري خيراً للبلاد والعباد، وبالتالي إمكانية تحسّن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وعودة اللاجئين – خاصةً الذين يقطنون في دول الجوار – إلى بيوتهم وإعادة اعمار ما تبقّى منها وترميمها بما يستوجب، إلّا أنّ التدخّل التركي السافر في الأمور الإدارية وتغلغل وكالة الاستخبارات التركية (المِيْت) في إدارة شؤون البلاد قد جعل إسرائيل تظنّ وجود تفاهمات مبطّنة أو التفاف دوليّ وإقليميّ على حسابها وحساب أمنها القومي، خاصةً مع الاختراق الذي حصل في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر من عام 2023م لمنظومتها الأمنية؛ ممّا دفعها إلى نسف جميع الأسلحة والمعدّات الحربية العائدة للجيش السوري وتدميرها بشكل كامل، إضافةً إلى توغّلها البرّي في مرتفعات جبل الشيخ في رسالة واضحة وصريحة منها بعدم القبول بالخطأ التاريخي بتقديم جمهورية العراق على طبق من ذهب لإيران، وبذلك منع تقديم سوريا لتركيا الحديثة التي تفكّر بعقلية عثمانية قديمة، وذلك بعد التخلّص من المحور الإيراني وحلفائه وأذرعه في المنطقة، بعد أن تمّ تقليم أظافر إيران بشكل شبه كامل تقريباً، في مسعىً منها لعدم تقبّل سوريا بشكلها العروبي المتزمّت وأيضاً عدم تقبّلها للشكل الجديد المتمثّل في الإسلامية الراديكالية، والتي تعتبرها الوجه الآخر للعملة ذاتها؛ وقد تبيّن ذلك بشكل واضح وصريح في أكثر من موقف ومحطّة عبّر الساسة الإسرائيليّون خلالها عن عدم رضاهم لتواجد هكذا قوة على حدودهم الشرقية ووصفوا عناصر تلك القوّة بأنّهم “ذئاب بهيئة غزلان”.

الوضع السوري الحالي يتمحور في عدة حلقات مفرغة مع وصول أو إيصال هذه القوة الراديكالية إلى سدّة الحكم، والتي كانت ضربة قاصمة للمعارضة العَلمانية والإخوانية حتى قبل أن تكون ضربة للنظام البائد؛ وذلك لأنّ تلك المعارضة، ورغم إتاحة الكثير من الفرص الذهبية لها، لم تستطع أن تكون صوتاً أو صدىً لثورة الحرية والكرامة التي نادى بها الشارع السوري بشكل عام، وبالتالي كانت جبهة النصرة أو هيئة فتح الشام ومن ثم هيئة تحرير الشام وأخيراً إدارة العمليات المشتركة، وعلى مدار الأعوام الثلاث أو الأربع الماضية، هي البديل الذي تمّ التحضير له في المطبخ الغربي، خاصةً الإنكليزي، ليكون أفضل البدائل المُتاحة، وذلك بعد تحييد أو استبعاد غربيّ للقوات الحاكمة لشمال وشرق البلاد، والتي تتمثّل في شقّها السياسي بمجلس سوريا الديمقراطية، وتتمثّل في شقّها العسكري بقوات سوريا الديمقراطية؛ وذلك كنوع من تفاهمات دولية حول فهم الحساسية التي تشكّلها هذه القوات لدى بعض القوى الإقليمية وعلى رأسها تركيا الحليف الاستراتيجي في حلف الشمال الأطلسي (الناتو)؛ في المقابل يبدو أنّ تركيا قد تمادت في توغّلها الجغرافي وتغلغلها الإداري في الشأن السوري، وبالتالي كانت هذه المراوغة التركية بمثابة استفزاز مباشر لبعض القوى الإقليمية صاحبة المشاريع الخاصة بها؛ وقد تبيّن كلّ ذلك في التحرّكات والضربات الإسرائيلية الأخيرة ضدّ المواقع العسكرية والاستراتيجية السورية.

     على أيّة حال؛ وبحسب المتابعات ورغم تسارع الأحداث السياسية والبيروقراطية في دمشق من خلال الزيارات المكّوكية التي أجرتها القيادة الحاكمة لأهمّ الدول الإقليمية والفاعلة في رسم المستقبل السوري، فإنّ القوى الغربية، ورغم بعض الإشارات الإيجابية نحو الحكّام الجدد في دمشق، ما زالت حَذِرة في التعامل والاحتكاك المباشر معهم، ويتبيّن كلّ ذلك من خلال عدم رفع العقوبات الغربية، وتجميد الدول المانحة للمساعدات الأخيرة في المؤتمر السنوي الخاص بسوريا، والتي قُدِّرت بنحو 2.5 مليار يورو كمنحٍ للمنظمات الدولية المهتمّة بالتنمية الاقتصادية والبشرية؛ في رسالة واضحة من هذه الجهات لحكّام دمشق الجدد بضرورة تحديد وجهتهم وبوصلتهم، إمّا الحضن العربي أو المشروع التركي.

زر الذهاب إلى الأعلى
RocketplayRocketplay casinoCasibom GirişJojobet GirişCasibom Giriş GüncelCasibom Giriş AdresiCandySpinzDafabet AppJeetwinRedbet SverigeViggoslotsCrazyBuzzer casinoCasibomJettbetKmsauto DownloadKmspico ActivatorSweet BonanzaCrazy TimeCrazy Time AppPlinko AppSugar rush
situs toto result macau https://se.net.ua/ amavi5d sesetoto toto slot situs toto sontogel toto togel situs slot ollo4d slot situs toto situs toto toto togel situs toto Situs toto titi4d Situs Slot Toto Slot slot gacor toto slot Situs Toto Situs Slot Situs Toto toto slot toto slot sontogel idrtoto akuntoto toto togel