جنديرس وسقوط قناع آخر

شرفان سيف الدين

أكثر من خمس سنوات وعفرين تعيش تحت وطأة الاحتلال التركي المباشر وذلك عبر مرتزقتها من السوريين الذي باعوا أنفسهم للمغتصب التركي دون أدنى رادع أخلاقي أو اجتماعي أو تاريخي، أكثر من خمس سنوات وكل يوم يعيش فيها العفريني الباقي في الداخل حياة التعاسة والإهانة المباشرة وغير المباشرة، في حين يحترق العفريني الذي في الخارج أحياناً اشتياقاً وأحياناً أخرى حزناً على ما تقوم به الفصائل التي تتبع لما يعرف بالجيش الوطني من نهب وقطع للأشجار وانتهاكات لا متناهية بحق البقية المتبقية ضمن جغرافية عفرين. إن ما حدث عشية نوروز في مدينة جنديرس ما هو الا تكرار لما حدث عشية دخول هؤلاء المرتزقة عفرين في الثامن عشر من آذار عام 2018م، وإسقاطهم لتمثال (كاوا الحداد) والذي هو رمز نوروز والحرية في الساحة العامة للمدينة، وهو بطبيعة الحال الوجه الآخر لنفس العملة بالنسبة لممارسات النظام السوري عشية نوروز 2008م في مدينة الحب قامشلو، الذي أردى ثلاثة شبان كرد شهداء بدم بارد دون أي شعور بالمسؤولية.

مما لا شك فيه أنه لم يعد خافياً على أحد مدى الفرق الواضح ما بين عفرين في ظل الإدارة الذاتية الديمقراطية، وعفرين في ظل الاحتلال التركي ومجاميعها من المرتزقة، هذا الوضوح أصبح معلوماً للقاصي قبل الداني ، فقد كانت عفرين تحتضن اكثر من ثلاثمئة ألف لاجئ عربي ممن تضرروا من الحرب السورية من مناطق حلب وريفها وإدلب وريفها، بالإضافة إلى آثار الانتعاش الاقتصادي الواضح عليها، فقد كانت الوجهة المفضلة داخلياً بالنسبة لأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة وخاصةً ورشات الخياطة والتطريز والطباعة، حتى أنها أصبحت رائدة نوعاً ما في هذا المجال، بل أنها بدأت بتصدير إنتاجها للخارج (العراق وإقليم كردستان) تحديداً كسوق أساسية للاستهداف والمنافسة.

ما تعيشه عفرين اليوم في ظل عصابات النهب والسلب وبحماية الجيش الانكشاري الجديد، أقل ما يمكن تسميته بأنه احتلال ممنهج هدفه الأساس هو إزالة الصبغة الكردية الخالصة التي كانت تتميز بها عفرين، وذلك بدليل المستوطنات التي تقوم بإنشائها بعض الدول وعلى رأسها دويلة قطر من خلال المساعدات عبر ما تسمى المنظمات الانسانية، وتوطين الإسلاميين العسكريين الذين تم تسوية أوضاعهم وسحبهم من الغوطة الشرقية في دمشق وحمص، أضف إلى ذلك الانتهاكات بحق الطبيعة وقطع الأشجار المثمرة وخاصةً الزيتون المعمر والمتجذر مع تاريخ عفرين، وبطبيعة الحال لا يمكن نسيان المناطق الأثرية وما تتعرض له من أبشع الممارسات في جرف للتربة والسرقة والهدم.

عفرين وبعد الأحداث التي شهدتها عشية نوروز بفقدان اربعة اشخاص من عائلة واحدة لحياتهم، والذنب هو احتفالهم بإشعال نيران الحرية، أسقطت قناع آخر لما يسمى بالمعارضة السورية بشقيه السياسي والعسكري، وعرت الشركاء الكرد (الجيدين)حسب التصنيف التركي، من النخوة الكردية والإنسانية، فلم تقم المجالس والشخصيات الاعتبارية إلا ببعض التحركات الخجولة لحفظ ماء الوجه (غير الموجود أصلاً)، وتبنت المظاهرات والتحركات الشعبية (أصلا) داخل عفرين وخارجها، كما أنها أرادت إظهار نفسها بقيادة الاحتجاجات والاعتصامات في الدول الأوربية، مع العلم إن الشعبية والأرضية لهم تبين من خلال دعواتهم للجماهير بالتظاهر والتحشد، فلم تكن وقفاتهم الاحتجاجية تتجاوز أعضاء الحزب الواحد دون وجود فعلي لأي من المؤيدين وهذا إن ما دل على ثني فإنما يدل على إفلاسهم للقاعدة الجماهيرية أيضاً، أما ما زاد الطين بلة وما يحز في النفس، وبكل وقاحة سياسية فإن بعض هؤلاء الكرد (الجيدين) رفعوا شعارات ولافتات (واحد واحد الشعب السوري واحد)، ناسين أو متناسين عن قصد إن الشعب السوري في عفرين ليس واحداً فهناك من يقَتل وهناك من يقُتل بدم بارد.

اما مناشدات البعض في الداخل لما تسمى بهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) ما هو إلا دليل على إفلاس أخلاقي آخر، وربما تكون محاولة للتغطية على ما يتم من ممارسات بحق الأديان الأخرى، والتي كان آخرها الفيديو المتداول على منصات التواصل الاجتماعي لدخول شخصين من الديانة اليزيدية للإسلام، ومحاولة لإظهار الوجه الإرهابي على أنه هو المخلص، فكما هو معلوم بان هذا الفصيل بقيادته الحالية من ضمن الفصائل غير المرغوبة بها دولياً، وكما يبدو للمتابعين والمحللين فإنها خطوة من قبل الأتراك للتقرب منهم أكثر وإظهارهم على أنهم البديل الأفضل من بين ما هو موجود فعلاً، إذ يعتبرون أكثر تنظيماً ويتبعون لقيادة موحدة عكس الفصائل المنتشرة ضمن ما يسمى بالجيش الوطني من تفرعات وقيادات لا تتجاوز قيادات العصابات.

إن محاولة احتواء المجزرة المروعة عشية نوروز بحق المدنيين المحتفلين على أنها حادثة فردية، ورضوخ وقبول بعض الأطراف الكردية بها ما هو الا تواطؤ آخر بحق القضية الكردية بشكل عام وبحق عفرين وأهلها بشكل خاص، فما هو مطلوب اليوم وأكثر من أي يوم مضى إنهاء القطيعة الكردية، ووضع الأهداف الاستراتيجية للشعب الكردي فوق أي اعتبار وتغليب المصلحة الوطنية والقومية على المصلحة الحزبية الضيقة، يجب أن تخرج القيادات الكردية من القوقعة الضيقة للسلطة والعمل على أهداف مشتركة عليا لمصلحة الشعب والقضية، خاصةً وإن الظروف الدولية في تسارع مستمر وإفرازاتها تغير وجه المنطقة من حيث التقسيم الجغرافي والتحالفات قائم على قدم وساق، وإن الدول الكبرى كل منها تحاول رسمها حسب متطلباتها وغاياتها السياسية والاقتصادية، ويجب على القيادات الكردية القيام بصحوة مشتركة ووضع الخلافات الثانوية جانباً، فكما هو معلوم ويتم قراءته تاريخياً وواقعياً أن رياح التغيير تتم كل فترة زمنية معينة وتتزامن هذه التغيرات مع حروب وصراعات كبرى تفضي في نهاية المطاف إلى إفرازات جديدة، فهل القادة الكرد منتبهون إلى كل هذا؟ وهل سيكونون بمستوى حمل أعباء المرحلة وإخراج الشعب الكردي من عنق الزجاجة ولو بأقل الخسائر؟

زر الذهاب إلى الأعلى