الوساطة الروسية بين الإدارة الذاتية والنظام السوري

مرشد اليوسف

مقدّمة:

دفعت الأزمة السورية وتداعياتها الداخلية والإقليمية والدولية الجهات المختلفة للتدخل فيها سواء بقصد حماية أمنها ومصالحها الاقتصادية أو لتحقق أجندات وأهداف سياسية وجيوسياسية.

ورغم المزاعم التي ساقتها روسيا لتبرير تدخّلها العسكري في الأزمة السورية، مثل محاربة المتطرّفين من الأصول القفقازية والشيشانية، ومحاربة تنظيم داعش، ومنع انتشار الإرهاب، فقد بدا واضحًا أنّ الهدف الأساسي كان حماية النظام السوري وإحكام القبضة على الملف السوري لاستخدامه في تحقيق أجنداتها الخاصة في مواجهة الغرب.

روسيا والأزمة السورية:

أوجدت روسيا لها في الأزمة السورية مجالا حيويا لتعزيز حضورها دوليا، خاصة بعد انكفاء إدارة الرئيس الأمريكي أوباما.

وضمن هذا السياق فقد أخذت الأزمة السورية أهمية خاصة في سياسة الخارجية الروسية منذ عام 2016م.

حاولت موسكو من خلال تدخّلها العسكري في سوريا لتحقيق مكاسب سياسية وجيوسياسية واستراتيجية، وتعزيز دور موسكو في مواجهة واشنطن  وحلف الناتو، وبالتالي صرف الأنظار عن الأوضاع الاقتصادية  الروسية المتردّية  بعد انهيار الروبل والفساد المستشري  في مؤسسات الدولة الروسية.

ولكن رغم تدخّلها السافر في شؤون سوريا، لم تستطع حتى الآن  تحقيق مكاسب  سياسية واستراتيجية كبيرة  كان قد راهن الرئيس بوتين على تحقيقها،  ولم تصل روسيا الى مركز القطبية الثنائية التي تسعى إليها.

الهدف الأهم بالنسبة لروسيا في النهاية هو أن تتمّ تسوية الأزمة السورية ضمن صفقة شاملة مع أمريكا والغرب، تحقّق لموسكو مكاسب داخل سوريا وتحقّق لها مصالح على الصعيد الدولي، وتحافظ على نفوذها السياسي والاقتصادي في الشرق الأوسط؛ وبالتالي الاعتراف بقبول الحضور الروسي الوازن على الصعيد الدولي.

وضمن هذه السياقات استخدمت روسيا ملف الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا تكتيكيا، خاصة أثناء الأزمة الروسية مع تركيا عقب إسقاط المقاتلة الروسية قرب الحدود التركية مع سوريا.

 وسمحت روسيا بافتتاح ممثلية للإدارة الذاتية في موسكو، وطالبت موسكو بضرورة إشراكها في مفاوضات جنيف.

 وضمن هذا الإطار جرت التفاهمات العسكرية بين النظام السوري وقوات سوريا الديمقراطية حول تسليم قسد لمواقع عسكرية للجيش السوري قرب منبج (ويمكن القول أنّ الخطوات الروسية تلك كانت تندرج في إطار رسم خطوط التماس واضحة المعالم بين القوى المتصارعة في الشمال ووقف الاشتباكات بينها).

وتواصل روسيا مغازلة الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية في أكثر من مناسبة وأكثر من مكان، مثل طرح تغيرات في الدستور تلغي الطابع العربي للدولة السورية، والتعامل باللغة الكردية الى جانب اللغة العربية وغير ذلك.

وطرحت روسيا الشكل الفيدرالي للدولة السورية القادمة، وقال رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الدوما (البرلمان) ليونيد سلوتسكي:

 ” لا يمكن تحقيق مصالحة في سوريا دون إقامة مناطق حكم ذاتي للأقلّيات، وتعزيز حوار النظام السوري مع ممثّلي الأقلّيات القومية القاطنة في الأراضي السورية “.

 وفي ذات الاتجاه اعتبر لافروف وزير خارجية روسيا أنّ ” المسالة الكردية قضية أساسية في الحفاظ على وحدة الدولة السورية “.

وكشف لافروف وزير خارجية روسيا في مقابلة مع جريدة “إزفستيا” قائلاً:

 ” إنّ الجانب الروسي يبذل جهودًا لتسيير التفاهم بين النظام السوري والأكراد السوريين من أجل الحفاظ على وحدة البلاد “.

وأعرب لافروف عن أمله بأنّ هناك إمكانية كبيرة للتوصّل إلى اتفاقيات لتوفير العديد من الأسس المشتركة في مواقف الطرفين.

العلاقة بين روسيا والإدارة الذاتية على الصعيد السوري:

من الواضح أنّ التدخّل الروسي في سوريا قد نجح الى حد كبير في إنقاذ النظام السوري من الانهيار ويسعى الى تأهيله.

 وعلى هذا الأساس قامت روسيا ببناء علاقات مهمة مع الأطراف المحلية والإقليمية والدولية، وضمن هذه السياسة قامت روسيا برعاية عدّة لقاءات بين الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا والنظام السوري على مرحلتين في قاعدة حميميم الروسية عامي 2016 – 2017م.

في المرحلة الأولى:

 تم وقف إطلاق النار بين الطرفين (النظام السوري وقوات سوريا الديمقراطية) في مدينة الحسكة.

وفي المرحلة الثانية:

تمت اللقاءات السياسية التفاوضية، وتمثّلت في اللقاء بين وفد أحزاب الإدارة الذاتية ووفد النظام في 8 / 9 / 2016 وطرح الجانب الروسي مقترحًا، وهو عبارة عن وثيقة للقوى الكردية ليتمّ تقديمها للنظام، إلّا أنّ الوفد الكردي اعترض على مضمون تلك الوثيقة وقام بتعديلها.

وبالعموم لم تسفر تلك المفاوضات التي استمرّت حتى 28 كانون الأول 2016عن أي اتفاق، ولم تفضِ تلك اللقاءات إلى أي نتيجة تُذكَر؛ بسبب عدم جدّية النظام، وتباين الرؤى السياسية بين الطرفين، حيث كانت الرؤية السياسية للإدارة الذاتية واضحة على أساس الندّية السياسية وتقاسم السلطة مع النظام.

وتمّ تأجيل اللقاءات إلى أجل غير مسمّى، أو لحين تغيير الواقع السياسي والعسكري على الأرض.

الملفّ الكردي على الأجندة الروسية:

شهد عام 2017 تطوّرات روسية هامة عل صعيد التعاطي مع الملفّ الكردي، وتميّزت هذه الاهتمامات بمجموعة من الأحداث، حيث قامت موسكو برعاية المؤتمر الكردي السادس في 15 / 2 /2017 وحضره 70 شخصية كردية؛ بهدف مناقشة القضايا الكردستانية بشكل خاص، والمستجدّات في الشرق الأوسط، والتصدّي لمحاولات إقصاء الدور الكردستاني في المحادثات التي تجري بشأن الأزمة السورية في جنيف ودور الكرد فيها.

وتمّت دراسة إمكانية أن يتحوّل المؤتمر إلى قاعدة متينة للمؤتمر القومي الكردستاني. 

والمهم بالنسبة لروسيا في هذا المؤتمر وغيره هو محاولة ربط القوى الكردستانية بالبوصلة الروسية.

وفي الثالث من آذار 2017 أي بعد مرور أسبوعين على المؤتمر الكردي في موسكو صرّح نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف بأنّ: “بلاده ترى إمكانية إنشاء جمهورية فيدرالية، في حال توافقت الأطراف المشاركة في المفاوضات بشأن سوريا”.

وبهذا الخصوص صرّح أيضا فلاديمير يفيسيف مدير مركز الأبحاث السياسية الروسي وقال: “الحلّ العقلاني لإنهاء الاقتتال في سوريا مع الحفاظ على الحدود الجغرافية الحالية هو النموذج الفدرالي، حيث ستتشكّل الفيدرالية السورية على أساس بعيد عن البُعد الديني”.

وأوضح: ” أنّ التصوّر الروسي للدولة الفيدرالية يبدأ بإعطاء الحكم الذاتي للأكراد في المناطق التي يسيطرون عليها حاليا، وإعطاء المناطق السنّية للقبائل السنية، وتبقى دمشق وحمص وحماه ودرعا والساحل تحت سيطرة نظام الأسد، أمّا السويداء فيمكنها الحصول على حكم ذاتي بالاتفاق مع دمشق.

 واتبعت موسكو سياسة خاصة في تعاطيها مع قوات قسد، بهدف تعزيز مناخات عودة مناطق الإدارة الذاتية الى النظام.

وتعمل موسكو عبر أدواتها المختلفة لخلق مسارات تفاوضية محلية وفقًا لمصلحتها ومصلحة النظام، ويأتي اهتمام موسكو بمنطقة شرق الفرات لعدّة أسباب، أهمها:

–  محاولة طرد واشنطن من المنطقة؛ تمهيدًا لعودة النظام إليها.

– الضغط على قسد والإدارة الذاتية عبر الاعتداءات التركية وما يسمّى الجيش السوري الحر (المرتبط بتركيا)، من أجل دفع الإدارة وقسد للتفاهمات مع النظام.

وانطلاقا من هذه الأسباب وغيرها تحصل المفاوضات المحلية بين الإدارة الذاتية والنظام السوري في حميميم ودمشق (كما ذكرنا) تحت إشراف الوسيط الروسي، وتتمّ خلالها عادة مناقشة عدّة مواضيع، أهمّها: شكل وصلاحيات الإدارة الذاتية، وكيفية تقاسم الموارد الاقتصادية والبترول والغاز…. إلخ، ولكن دون أن يحدث أيّ تقدّم بسبب تعنّت النظام السوري.

ويبقى السؤال حول قدرة روسيا على الاستمرار في هذه اللعبة إلى النهاية وبلوغ أهدافها في سوريا، وعن حجم التنازلات التي يمكن أن تقدّمها إلى طرف ما دون إثارة غضب ورفض الأطراف الأخرى، وخاصة الطرفان الإيراني والتركي اللذان يرفضان الاعتراف بمكاسب وحقوق شعوب المنطقة رفضًا قاطعًا.

 فهل ستستطيع روسيا مواصلة فرض وصايتها، خاصة بعد الوهن والضعف الذي أصابها نتيجة التورّط في الحرب الأوكرانية؟

وفي النهاية بات جليا أنّ المساعي الروسية وتحالفاتها ونشاطاتها في الملفّ السوري  تهدف إلى تعزيز سلطة النظام السوري، وعودة سيطرته العسكرية والسياسية على جميع الأراضي السورية، وخاصة منطقة شمال شرق سوريا الغنية بالبترول والغاز والقمح والسدود ومياه نهرَي دجلة والفرات بالتوازي مع تحقيق المصالح الروسية  الاستراتيجية.

زر الذهاب إلى الأعلى