الانتخابات الرئاسية الفرنسية وانعكاسها على مناطق شمال وشرق سوريا

انتهت الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية التي اتسمت بعزوف ثلث الناخبين عن التصويت، ليستعد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الحاصل على 27.85 بالمئة من الأصوات وزعيمة التجمع الوطني مارين لوبان التي حلت بالمركز الثاني بنيلها 23.15 بالمئة، لإطلاق حملتيهما للجولة الثانية من الانتخابات في 24 نيسان أبريل الجاري.

بعد انشغاله بمجريات الحرب الأوكرانية، يحاول الرئيس ماكرون المنتهية ولايته وكذلك منافسته لوبان اليمينية المتطرفة حشد الناخبين وجذب أصوات المرشحين غير المتحمسين. وكنتيجة لذلك، دعا مرشح اليمين المتطرف للرئاسات الفرنسية إريك زمور مؤيديه إلى التصويت للوبان في الجولة الثانية، فيما دعا مرشحو اليمين وحزب الخضر والحزبين الشيوعي والاشتراكي، إلى التصويت للرئيس ماكرون.

ولتوسيع نطاق مؤيديها، تخلت لوبان المعروفة بإعجابها بسياسات روسيا عن خططها السابقة للانسحاب من منطقة اليورو، وهو الموقف الذي كلفها كثيراً في انتخابات 2017، كما استغلت الحرب الأوكرانية لتنأى بنفسها عن فلاديمير بوتين، إلا أن بروكسل تتابع باهتمام كبير نتائج الانتخابات الرئاسية الفرنسية من دون أن تخفي مخاوفها من التأثير الروسي على الأحزاب الشعبوية في أوروبا بشكل عام وفرنسا بشكل خاص.

ويتجاوز تأثير الانتخابات الرئاسية الفرنسية 2022 حدود البلاد، من خلال الرؤى المختلفة للمرشحيّن، لتنعكس على علاقة فرنسا مع الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي “الناتو” وسوريا.

يعتبر الغرب (أمريكا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي) وصول مارين لوبان إلى الرئاسة انتصار كبير للسياسة الخارجية لروسيا بعد الحرب الأوكرانية، لما لذلك من تداعيات مهمة كزعزعة استقرار التحالف الغربي ضد موسكو من خلال التأثير على دور فرنسا فيه، بالإضافة لرغبتها في خروج فرنسا من القيادة الموحدة لحلف “الناتو”، كما دعت إلى تقارب استراتيجي بين الحلف وروسيا.

وتأتي الحرب الأوكرانية لترفع أسهم ماكرون، من خلال تعزيز شعبيته بعد تراجعها بسبب العديد من الملفات الداخلية كتداعيات جائحة كوفيد-19، والسترات الصفراء، وهذا ما يجعله المرشح الأوفر حظاً وفقاً للكثير من المراقبين. حيث حاول الرئيس الفرنسي بدايةً لعب دور الوسيط لمنع الهجوم الروسي على أوكرانيا، وأمام رفض موسكو لهذه الوساطة، انضمت فرنسا إلى التحالف الغربي ضدها من خلال التشدد في العقوبات ودعم أوكرانيا بالسلاح.

كما استطاع ماكرون تصحيح مسار فرنسا في حلف “الناتو”، فبعد وصفه للحلف بأن ميت سريرياً، صرّح بأن الهجوم الروسي على أوكرانيا “أعاده إلى الحياة”، وذلك تأكيداً على أهمية الحلف في الدفاع عن أمن الاتحاد الأوروبي.

ويُعتقد بأن مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان ستكون من الأسباب في ذهاب أصوات الأفارقة والعرب المهاجرين والمسلمين لماكرون بسبب موقفها من النزعة الإسلامية والهجرة التي تعتبرها دخيلة على القومية الفرنسية، كما دعت الرابطة المركزية اليهودية في فرنسا إلى التصويت لصالح ماكرون، الذي أكد حماية الذبح الشعائري (ذبح الحيوانات وفقا للشعائر الدينية)، وهذا ما تعتزم لوبان حظره.

وتأسيساً على ما سبق، سيكون لنتائج الانتخابات الرئاسية الفرنسية، تأثيراً على السياسة الخارجية الفرنسية، فكيف سينعكس ذلك على علاقات باريس مع الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا؟

في حال فوز إيمانويل ماكرون بولاية ثانية من المحتمل أن تتقرب فرنسا أكثر من الإدارة الذاتية، بسبب المتغيرات التي حصلت والمواقف التي ظهرت من الأطراف المعنية بالحرب الأوكرانية، والتي تشكل تهديداً للأمن الأوروبي وذلك للأسباب التالية:

1-دور الوساطة التي انتهجها رئيس النظام التركي رجب أردوغان تجاه الحرب الأوكرانية وعدم الانحياز إلى حلف ” الناتو”، الأمر الذي يجعل من فرنسا أن تخلق تحدياً جديداً للنظام التركي رداً على مواقفه من الحرب الأوكرانية.

2-إن الأطراف المعنية بالملف السوري هي في الأغلب موالية لروسيا وهذا سبب كافٍ لدعم فرنسا للإدارة الذاتية خاصةً أن هذه المنطقة استطاعت إيقاف تمدد الإرهاب إلى أوروبا.

3-الرأسمالية الروسية تسعى إلى توسيع دائرة الهيمنة على حدودها الجنوبية الغربية وكذلك محاولة تمددها في منطقة الشرق الأوسط، وهذا ما يدفع بالرأسمالية المناوئة والمتمثلة في المحور الغربي، (أوربا والولايات المتحدة الأمريكية)، بإعادة النظر في سياساتهم الخارجية وعلاقاتهم مع الحلفاء والشركاء لا سيما مناطق الإدارة الذاتية لكون قوات سوريا الديمقراطية الحليف الأفضل في محاربة الإرهاب.

كما أن مناطق الإدارة لم تنحاز لأطراف الحرب الأوكرانية وهذا ما يجعلها محط تجاذبات واستقطابات من مختلف الأطراف، خاصة وأن فرنسا بالذات لها علاقات جيدة معها، فالتغيرات الحاصلة تدفع فرنسا إلى تعزيز التعاون وتمتين العلاقات مع الإدارة الذاتية.

بالمقابل، في حال فازت مارين لوبان اليمنية المتطرفة في الانتخابات الرئاسية الفرنسية، ونتيجة لمواقفها الداعمة للنظام السوري قد يؤدي بها الأمر إلى قطع العلاقات مع الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا.

وأخيراً….

ترجح استطلاعات الرأي في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية، فوز ماكرون بفارق ضئيل جداً على لوبان، وهذا يعني استمرار ماكرون في سياساته الخارجية، فمواقفه الأخيرة تجاه الحرب الأوكرانية، المتمثلة بالابتعاد عن موسكو والانضمام للحلف الغربي ضدها، تدعمه الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والاتحاد الأوروبي.

زر الذهاب إلى الأعلى