التطبيع بداية حلحلة الأزمات

تشهد الدول العربية تغيراً في سياستها تجاه إسرائيل، وعلى الرغم من وجود علاقات خفيه بين هذه الدول وإسرائيل إلا أن التطبيع كان من الخطوط الحمراء لدى الدول العربية، واليوم نجد ان التطبيع يظهر للعلن وبشكل رسمي، فقد أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة عن إقامة علاقات رسمية مع إسرائيل وتلتها البحرين وقد تدفع هذه الخطوة الإمارتية بدول عربية أخرى إلى إقامة علاقات مع إسرائيل وبحسب ما أكده الرئيس الأمريكي، فمن المتوقع أن تقوم الكويت وسلطنة عمان والمملكة العربية السعودية والسودان وحتى قطر بالخطوة نفسها. وتكمن الخطوة التي قامت بها دولة الإمارات العربية بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل بعد إدراكها بعدم جدوى المقاطعة بعد سبعة عقود والتي لم تسفر عن شيء وإن فتح باب التطبيع قد يساعد على حلحلة الأزمات التي تشهدها المنطقة والعيش بسلام في المنطقة.
على مدى العقود الماضية من الصراع العربي الإسرائيلي -وهو صراع تم زرعه في أذهان المجتمعات العربية من قبل بعض الأنظمة العربية الشوفينية والتي جعلت المنطقة بؤرة للصراعات والتكتلات السياسية لتحقيق مصالحها في الحفاظ على أنظمتها ونهب خيرات شعوبها- استطاعت الرأسمالية العالمية بعقد اتفاقيات سلام بين إسرائيل ومصر منظمة التحرير الفلسطينية والأردن، ووضعت الرأسمالية العالمية نصب عينها على إنهاء مسألة الصراع العربي الإسرائيلي من خلال توجيه البوصلة العربية نحو دول أخرى ترى فيها تهديداً كبيراً على انظمتها بدلاً من إسرائيل. لذا فإن المنطقة تسير بحسب المخططات الرأسمالية العالمية التي تم رسمها منذ منتصف السبعينيات من القرن الماضي في السيطرة على المنطقة وتوجيه الدول العربية لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، فبعد خروج البريطانيين والفرنسيين من المنطقة كان لا بد من الدول الرأسمالية العالمية العودة إلى المنطقة من أجل إعادة سيطرتها على المنطقة ونهب ثرواتها من بوابة الدين “السنة والشيعة” من خلال نشر الفوضى الخلاقة في المنطقة. فعملت القوى المهمين في النظام الدولي على الإطاحة بالنظام الملكي الإيراني تحت حكم الشاه محمد رضا بهلوي 1979 الذي كان مدعوماً من الولايات المتحدة واستبداله بنظام جمهوري إسلامي “ولاية الفقيه” يظهر عدائه للولايات المتحدة وإسرائيل وقادر على تنفيذ مخططها فبدأت بتشييع المنطقة وتزعزع أمن واستقرار المنطقة، فكانت حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران دامت ثمان سنوات وعندما انتهت الحرب عملت الدول الرأسمالية على دفع صدام حسين لاحتلال الكويت وتهديد الدول الخليجية فتوجهت هذه الدول لطلب النجدة من الولايات المتحدة ومن خلال العراق بدأت الدول الرأسمالية بإنشاء قواعد عسكرية لها في المنطقة وبعد إسقاط نظام صدام حسين عام 2003 سيطرت الولايات المتحدة على العراق ثم قررت الانسحاب من العراق عام 2011 والذي يعتبر بحسب ما يتم الترويج له من قبل الساسة الأمريكيين بأنه خطأ استراتيجي للسياسة الخارجية الأمريكية، إلا أنه يدخل ضمن المخططات المرسومة للمنطقة فقد ساعد الانسحاب الأمريكي من العراق على إتاحة المجال لإيران للتحرك بمزيد من الحرية في الداخل العراقي ومع قيام ما يسمى -ثورات الربيع العربي- بدأ التغلغل الإيراني في سوريا ومن ثم في اليمن عن طريق الحوثيين –إن كانت إيران تشكل خطر على الولايات المتحدة وإسرائيل لما تم السماح لها بالتمدد في العراق وسوريا واليمن ولبنان- وازداد الضغط على دول الخليج الغنية بالنفط والغاز بعد فشل التحالف العربي في انهاء الحوثيين في اليمن حيث باتت دول الخليج محاصرة من قبل الإيرانيين، مما أدى إلى تهافت دول الخليج لشراء الأسلحة من الدول الرأسمالية من أجل حماية أمنها حيث أصبحت من أكبر مستوردي الأسلحة في العالم وذهبت أكثر من نصف المبيعات الأمريكية من السلاح إلى منطقة الشرق الأوسط، كما طالبت دول الخليج الولايات المتحدة بفرض عقوبات على إيران لكبح جماح إيران ووقف برنامجها النووي، حيث فرضت الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية على إيران وازدادت هذه العقوبات بشكل تدريجي “لكن ليس بدون مقابل” بل كانت فاتورة فرض العقوبات على إيران باهظة “زيارة ترامب التاريخية إلى المملكة العربية السعودية”، إلى جانب محاولات إضعاف إيران كانت القوى الكبرى تعمل على جبهة أخرى بحيث تبقى المنطقة تحت الفوضى الخلاقة عن طريق تركيا والمتمثلة بأردوغان وصعود التيار الإسلامي الإخواني في المنطقة وفتح الطريق له والسماح له بالحديث عن التركة العثمانية وانهاء العمل بمعاهدة لوزان 1923 بعد عام 2023 -وهي التي أسقطت السلطنة “الخلافة ” العثمانية 1922- وعن طريق تنظيم الإخوان وبدعم قطري بدأ أردوغان بتنفيذ أجندته في المنطقة فبدأ بسوريا والعراق “الميثاق الملي” ومن ثم التمدد الخارجي “التركة العثمانية” من خلال بناء قواعد عسكرية في الخارج في قطر والصومال والسودان وليبيا ويظهر نفسه كسلطان عثماني، وباتت الدول الخليجية أمام نارين الإيراني والتركي فلجأت دول الخليج نحو تطبيع علاقاتها مع إسرائيل لحل النزاع العربي الإسرائيلي وتنسيق التعاون بينهما والاستفادة من اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة أملاً بإحداث تغييرات سياسية في المنطقة تحمي أنظمتها وتوقف الخطر الإيراني والعثماني على المنطقة وتحصل فيها الأمارات على أسلحة أكثر تطوراً “طائرات أف35 الأمريكية”. أما بما يتعلق بإيران وتركيا فلا يتعدى كونهما شماعتين من قبل الدول الرأسمالية وتم تعيينهما من أجل تنفيذ مخططهم في الشرق الأوسط فمجرد فرض الدول الرأسمالية عقوبات جادة عليهما ستنهار أنظمتهم الديكتاتورية وبالأخص تركيا وتنهي بذلك أحلام أردوغان التي تم زرعها في مخيلته كسلطان عثماني.
لذا وأمام السياسة الرأسمالية في المنطقة ستشهد المنطقة بعد تطبيع دول الخليج علاقاتها مع إسرائيل انحساراً بعض الشيء للنفوذ الإيراني في العراق وسوريا واليمن ولبنان، وانحساراً للنفوذ التركي في ليبيا وسوريا والعراق وفي شرق المتوسط وحتى في قطر وتنهي الخلاف القطري الخليجي وعودة قطر للبيت الخليجي، وحدوث تغييرات سياسية في الأزمة سورية. وبالتالي فإن تطبيع الدول العربية علاقاتها مع إسرائيل يشكل نجاحاً للسياسة الرأسمالية العالمية في الشرق الأوسط وتحسب نقطة لسياسة ترامب الخارجية وتخدمه للفوز بولاية جديدة، وقد تتجه الدول العربية بعد تطبيع علاقاتها مع إسرائيل نحو القبول بصفقة القرن التي أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بداية عام 2020 لحل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني مقابل وقف التهديدات الإيرانية والتركية وإعادة فكرة تشكيل حلف الناتو العربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وبالتالي فأن المنطقة بعد التطبيع مقبلة على مرحلة جديدة وبداية لشرق أوسط جديد.

زر الذهاب إلى الأعلى