روسيا الضامنة ظاهرياً والمتحايلة ضمنياً

 

إن اختلاف الرؤى بين القوى المتصارعة في الأزمة السورية “روسيا والولايات المتحدة وتركيا وإيران وحتى إسرائيل” ودخول قانون قيصر حيّز التنفيذ، ولدت خطوط حمراء في الأزمة السورية وهي أقرب إلى توافق دولي وتتمثل بالحفاظ على الأسد، لذا تعمل روسيا على تغيير النظام في سوريا من رئاسي إلى برلماني ” التجربة العراقية” من خلال لقاءاتها مع بعض الشخصيات “معاذ الخطيب وقدري جميل ” بهدف تشكيل حكومة توافقية مع الحفاظ على رأس النظام والأجهزة الأمنية. بالرغم من أن قانون قيصر يستهدف النظام وإضعافه اقتصادياً من أجل تغيير سلوكه والجلوس على طاولة المفاوضات ومن ثم الوصول إلى حلّ سياسيّ وفق القرار الدولي 2254، وبما أن النظام لا يملك القرار السياسي، كون القرار السياسي الفعلي بيد روسيا، لذا فإن قانون قيصر ليس موجهاً للنظام بالدرجة الأولى بل موجه لروسيا لمنع شركاتها من الاستئثار بثروات سوريا من دون أن يكون للولايات المتحدة أي نصيب، حيث يشكل هذا القانون تهديداً اقتصادياً وشعبياً على روسيا في سوريا، فانهيار الاقتصاد السوري سوف يؤجج المظاهرات والغليان الداخلي مما سينعكس سلباً على استقرار مناطق النظام التي هي مناطق النفوذ الروسي والمناطق التي تشهد توتراً بالأخص في إدلب وهو ما سينعكس عليها سلباً.

فروسيا تحاول تخفيف عقوبات قانون قيصر عليها مستغلة التوافق الدولي على رأس النظام وتأثير قانون قيصر على الشعب السوري وعلى وضعه المعيشي، كما تحاول روسيا إضعاف النفوذ الإيراني في سوريا من خلال إحداث تغييرات في هيكلية النظام وإبعاد المليشيات الإيرانية من البادية السورية ومن الجنوب السوري وحصرها في دمشق وريفها ومد سيطرة الفرقة الخامسة وغيرها من التشكيلات المستحدثة على تلك المناطق، وهذه إحدى المطالب الأمريكية الرئيسية لرفع قانون قيصر عن سوريا، وبالتالي فإن قانون قيصر قد يسرع في حدوث خلاف روسي إيراني في سوريا خاصة مع تعيين روسيا لمندوبٍ ساميّ لها في دمشق ومنع صدور أي قرار سياسي أو اقتصادي أو عسكري من دون موافقة المندوب السامي، وبالتالي فإن إيران لن ترضى بإضعاف أو المساس بنفوذها في سوريا والذي يعني خسارتها لسوريا، وقد يؤدي ذلك إلى حدوث موجات ارتداديه في إيران تؤثر على وضعها الداخلي، لذلك قد تعمل إيران لمنع حدوث أي مؤثرات سلبية عليها جراء تطبيق قانون قيصر على دعم النظام مالياً لتخفيف الضغط الروسي على النظام ولتخفيف آثار قانون قيصر عليه، وهو ما بدى واضحاً من خلال إدخال كميات كبيرة من الدولارات من لبنان إلى سوريا والتي أثرت بشكل سلبي على قيمة الليرة اللبنانية. أمام هذا الواقع، فالنظام أمام سياستين مختلفتين “روسية، إيرانية”، سياسة روسية تمارس الضغط السياسي والاقتصادي والعسكري من أجل الحد من النفوذ الإيراني، وبين السياسة الإيرانية التي تقوم على الحفاظ على مكتسباتها مستغلة ارتباطها العضوي مع النظام، ومن نتائج ارتباطها العضوي قيام إيران بتوقيع اتفاقية مع النظام السوري في دمشق 8/7/2020 لتعزيز التعاون العسكري تتضمن تطوير أنظمة الدفاع الجوية السورية، حيث تأتي هذه الاتفاقية رداً على كل من يحاول المساس بنفوذ ومصالح إيران في سوريا.

أما السياسة الروسية في مناطق الإدارة الذاتية فتصرُّ روسيا على إنشاء قواعد جديدة في مناطق الإدارة الذاتية خاصة المناطق الغنية بالنفط لزيادة نفوذها في المنطقة تحسباً لأي انسحاب أمريكي مفاجئ أو لأي تدخلٍ عسكريٍّ تركي جديد في المنطقة من دون الرجوع إليها، كما وتهدف روسيا إلى إضعاف الإدارة الذاتية قبل البدء بأي تسوية دولية لإنهاء الأزمة السورية أو في حال عودة المفاوضات بين النظام والإدارة الذاتية، وذلك من خلال محاولاتها تأليب العشائر المقربة منها على الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية. كما تغض روسيا الطرف عن الممارسات التركية في المناطق المحتلة وأحياناً تتواطأ معها، حيث تعمل تركيا على استغلال قانون قيصر وانهيار الليرة السورية باستكمال مشروعها الاستعماري وربط الشمال السوري المحتل اقتصادياً وإدارياً وثقافياً بها وذلك من خلال فرض العملة التركية وخاصة الفئة الصغيرة والمتوسطة في المناطق المحتلة، وهو ما قد يعزز من قيمة الليرة التركية وربط الخدمات في هذه المناطق بتركيا وممارسة الضغوط السياسية والاقتصادية والعسكرية على النظام لرفض مشروع الإدارة الذاتية وإفشاله. أمام هذا الواقع السياسي المتأزم تعمل الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا على إصدار قرارات وتدابير وذلك لتخفيف آثار قانون قيصر على شعوب المنطقة والتي ستنعكس بشكل ايجابي وكبير على المنطقة وتزيد من ثقة شعوب المنطقة بإدارتها الذاتية وقد تنضوي بقية العشائر التي ما تزال مرتبطة بالنظام بالإدارة الذاتية، وتضع حداً أمام النظام وحتى روسيا في خلق فتنة بين شعوب المنطقة، كما أن نجاح مبادرة قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي من خلال وصول أحزاب الوحدة الكردية والمجلس الوطني الكردي إلى رؤية سياسية مشتركة وفقة صيغة ” اتفاقية دهوك” سيعطي دفعاً قوياً سياسياً واقتصادياً وعسكرياً لمناطق الإدارة الذاتية وفي أي تسوية سياسية مستقبلية في سوريا. ولكن مع ضعف النظام وانهياره اقتصادياً بالتزامن مع نجاح مشروع الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا قد يؤدي إلى ولادة علاقة جديدة بين النظام وتركيا وبرعاية روسية والوصول إلى اتفاق يهدف لضرب نجاحات الإدارة الذاتية ومكتسباتها في المستقبل القريب وخاصة في ظل وجود مؤشرات تدل على ذلك بعد قمة الأستانة 6 بين روسيا وإيران وتركيا، وقد تحدث مقايضات جديدة بين تركيا وروسيا تقوم على تسليم إدلب لروسيا عسكرياً بمعنى نشر القوات الروسية عسكرياً إلى جانب القوات التركية في إدلب مع بقاء ارتباط إدلب اقتصادياً وإدارياً بتركيا مع شراكة تركية روسية على طريق M4 مقابل منح الضوء الاخضر لتركيا في كوباني “وهو هدف تركي لربط منطقة سري كانية وكري سبي بمناطق درع الفرات” وإفشال مشروع الإدارة الذاتية والوحدة الكردية التي نادى بها قائد قوات سوريا الديمقراطية، وهذا ما يفهم من تصريح وزير خارجية تركيا عن إمكانية إزالة القوات التركية لقواعدها في إدلب بعد تحويلها إلى منطقة آمنة حيث يأتي هذا التصريح الجديد في هذا التوقيت بعد الانفراج الكبير في التقارب الكردي الكردي  بين أحزاب الوحدة الوطنية الكردية والمجلس الوطني الكردي، أما فيما يخص معبر تل كوجر فتعمل تركيا إلى جانب روسيا على منع فتح المعبر أمام المساعدات الإنسانية واستبداله بمعبر كري سبي ومعبر سري كانيه المزمع إنشاؤه وذلك من أجل تحكم تركيا بالمساعدات الإنسانية التي قد تدخل مناطق الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا.

لذا فإن المنطقة أمام تغييرات سياسية وعسكرية جديدة ناتجة عن السياسة الروسية المتحايلة واستمرار تركيا في تدخلاتها العسكرية السافرة بالتوافق مع روسيا في المنطقة وحتى مع الولايات المتحدة من دون وجود أي رادع من المجتمع الدولي تجاه هذه التدخلات، وذلك بسبب تغليب المصالح الاقتصادية للدول الكبرى على الأمن والسلم الدوليين، وتداعيات قانون قيصر على روسيا والنظام وإيران في سوريا، ويمكن ربط التدخل العسكري التركي في باشور كوردستان “عمليتي مخلب النسر ومخلب النمر” بنجاحات الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا.

زر الذهاب إلى الأعلى