عفرين المحتلة بين إرهاب هيئة تحرير الشام والمباركة التركية
عفرين المحتلة بين إرهاب هيئة تحرير الشام والمباركة التركية
التقدم العسكري اللافت الذي حققته هيئة تحرير الشام المتحالفة مع فصائل فرقة الحمزة وحركة أحرار الشام وفرقة السلطان سليمان شاه تحت أنظار قوات الاحتلال التركي التي تنتشر بكثرة في جميع المناطق عبر نقاط عسكرية وحواجز ومقرات تابعة لها دون أن تحرك الأخيرة ساكناً أو تفعل أي شيء يحول دون تقدمها وسط حديث عن تواطؤ تركي مع هيئة تحرير الشام جبهة النصرة سابقاً وموافقتها على ما يحدث من تغير في خارطة السيطرة الفصائلية. وعلى الرغم من انسحاب هيئة تحرير الشام ما خلا قواعدها الأمنية ومحاولة تركيا رأب الصدع بين الفصيلين، يبقى التساؤل عن العلاقة الوثيقة التي تربط بين الاحتلال التركي وبين هيئة تحرير الشام وبات من الواضح غض الطرف عن دخولها مدينة عفرين وإنجازها بعض المهام والأدوار المناط لها وفق الصورة والكيف الذي تريده تركيا وهي فرصة وجدها الجولاني لتحقيق مآربه وأهداف أنقرة وفق مبدأ صنع الفوضى الخلاقة بالوصفة التركية الجاهزة. وما من شك أن هيئة تحرير الشام أو جبهة النصرة سابقاَ تحاول تلميع صورتها أمام المجتمع الدولي بأنها ليست من سلالة تنظيم القاعدة وليست تنظيم إرهابي برغم ما تزال مصنفة على لوائح الإرهاب لدى الولايات المتحدة الأمريكية، وإلا كيف يحدث ما حدث من تمدد دون موافقة تركية صريحة وهو ما يؤكد بالدليل القاطع أن الدولة التركية مسؤولة تماماً عن رعاية الإرهاب بكل ما تحمله الكلمة من معنى. فأنقرة حاولت الضغط على الفصائل المسلحة كي تصبح جاهزة للانخراط في أي تسوية محتملة يجري التفاوض عليها منذ فترة مع طهران وموسكو، والتي من المرجح أن تبدو نتائجها على شكل انفراجات في العلاقات التركية السوريّة وبالأخص بعد الاجتماعات الأمنية بين الجانبين وتخفيف حدة اللهجة الدبلوماسية الرامية لإحداث اختراق في ملف مناطق الشمال الغربي وربما دخول هيئة تحرير الشام ستكون الورقة لتركيا لتضحية بالمعارضة المسلحة حيث ستكون حجة لتوغل النظام السوري من جهة ومن جهة أخرى الدفع بهيئة تحرير الشام للتمدد في مناطق أخرى في الشمال الشرقي لإنهاء أي دور للفصائل المسلحة المرتبطة بالائتلاف المعارض الذي سيكون دوره كالماء في الغربال.
إن سماح تركيا بإقامة كيان عقائدي إرهابي بقيادة هيئة تحرير الشام يمتد من إدلب وحتى رأس العين من شأنه أن يقدم خدمات جليلة لأنقرة كتطلعها بإعادة اللاجئين السوريين إلى الداخل السوري خارج مناطقهم الأصلية وتعزيز سياسة التغيير الديمغرافي، وبطبيعة الحال سيناط بهذا الكيان مهمة إقامة حائط بشري إرهابي مواز لمناطق الإدارة الذاتية يهدد وجودها لخلافة تنظيم داعش الذي يحاول تأسيس دولته المزعومة إلا أنه فشل فشلاً ذريعاً أمام بسالة قوات سوريا الديمقراطية، بالإضافة إلى كل ما سبق خصوصاً أنّ الجولاني قد وجد مصلحة له في السير في هذا الرّكب التركيّ، حيث من المفترض أنْ يضع يده على موارد مالية واقتصادية كبيرة في المنطقة، وهذا لا يُفسّر الصمت التركيّ عن الاقتتال الدموي الأخير فحسب، بل يكشف عن يدٍ تركيّة قويّة دفعت الجولاني نحو القيام بعمليته العسكرية تلك دون حدوث تغيرات في خرائط السيطرة بريف حلب الشمالي والغربي نتيجة الانتشار الكثيف لفصائل المتناحرة والجهات المتحاربة والتي ستتعامل بحساسية مفرطة هناك، وأي تغيير حقيقي في خريطة المنطقة سيغير بشكل حتمي خريطة السيطرة على مدينة حلب، بكل جهاتها الشرقية والغربية والشمالية وكذلك المدينة نفسها. وعقب توغل هيئة تحرير الشام وسط مدينة عفرين وأكثر من 30 قرية بما فيها معبر الحمام الذي يربط مدينة جنديرس السورية بتركيا ومناطق من كفرجنة وجبل الأحلام وقطمة القريبة من مدينة أعزاز التي تعتبر من أهم مدن ريف حلب الشمالي بعد مدينة الباب لكنها في الوقت ذاته أبقت الأجهزة الأمنية التابعة لهيئة تحرير الشام في أماكنه ومقراته. لأن تركيا تحاول إيهام المجتمع الدولي بأن الهيئة تراجعت إلى مناطقها. ونشرت السفارة الأمريكية في دمشق، تغريدة عبر حسابها الرسمي في “تويتر” قالت فيها، إنها قلقة من توغل “هيئة تحرير الشام” في مناطق شمالي حلب. وبموقف حازم طالبت “تحرير الشام” صاحبة النفوذ العسكري في إدلب، المصنفة كمنظمة “إرهابية”، بسحب قواتها من المنطقة (شمالي حلب) على الفور. بل ذهبت أبعد من ذلك حين ذكرت بـ”قلق عميق إزاء أعمال العنف مؤخراً في شمال غربي سوريا، ودعت جميع الأطراف إلى حماية أرواح المدنيين وممتلكاتهم”. وبحسب مكتب الإعلام لشمال شرق سوريا، نقلاً عن معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، الذي كشف عن تعرض الحكومة التركية للضغوط من الولايات المتحدة الأمريكية، من أجل التدخل وإيقاف تمدد هيئة تحرير الشام في شمال وغرب سوريا، وقال المعهد إن واشنطن هددت أنقرة بالسماح لقوات سوريا الديمقراطية، بالدخول إلى منطقة عفرين بريف محافظة حلب في حال عدم مغادرة “الهيئة” منها، وهذا أثار غضب الأتراك”، بحسب المعهد. هذا التطور اللافت من الولايات المتحدة الأمريكية ينسجم مع رؤية مسد في أن تظل هذه المنطقة بعيدة عن التطرف والإرهاب وحرمانها من التمدد أكثر خاصة وأنه يستهدف خطط وعمليات التحالف الدولي مع قوات سوريا الديمقراطية في القضاء على الإرهاب.
وبتكثيف، يمكن القول إن يوماً بعد يوم تتكشف الروابط التي تظهر مدى العلاقة الوطيدة بين تركيا والفصائل الإرهابية سواء في سوريا أو خارجها بمختلف أسمائها وأشكالها وصورها وسحناتها فبعد تورطها في دعم تنظيم داعش الإرهابي بالعتاد والسلاح والإمداد على نطاق واسع من الجغرافية السورية ها هي الآن تمارس ذات الدور وإنما بسيناريو مختلف بل ربما محاولة تهيئة الشرعية له لدى الأطراف الإقليمية الفاعلة في الملف السوري على الأقل.