لقاء بوتين- أردوغان، وتغيير المواقف

لقاء بوتين- أردوغان، وتغيير المواقف

ربما كانت قمّةُ سوتشي المؤخّرة بين أردوغان وبوتين الورقةَ الأخيرة لعرضِ البعض من التنازلات من قبل تركيا لروسيا، لا سيّما بعد خسارة تركيا للأوراق القديمة (الجماعات المسلّحة) والتي كانت تساوم تركيا عليها على الدوام في الجولات الماضية. ويبدو أنه لم يعد لأردوغان أيّةَ أدواتٍ ليضغطَ بها على الرئيس الروسي هذه المرة، بل من المحتمل أنّ لروسيا العديد من الطلبات، والتي حاول الرئيس بوتين فرضها على أردوغان هذه المرة؛ مثلاً (إعادة العلاقات مع النظام السوري، ومساعدته في بسط سيطرته على جميع الأراضي السورية).

مرةً أخرى حاولُ أردوغان إقناعَ بوتين للحصول على موافقةٍ بشنّ عدوانٍ جديد على مناطقَ محدودة من سوريا مجدداً، على الرغم من تأكده من أنّ جميعَ المؤشرات تدلّ على صعوبة الحصول على هذه الموافقة حالياً. أردوغان، والذي بات يعاني مؤخراً من أزماتٍ داخلية عدّة، الأمر الذي يحرّضه على أن يسابقَ الزمنِ من أجل نيل أيّة مكاسبَ، خاصةً إثر الوعود الكثيرة التي أطلقها لجماهيره، دون أن يحققَ أياً منها حتى الآن.

من الجليّ أن تركيا تقامرُ بآخر أوراقها بخصوص عدوانها العسكري والتي كانت تروّج لها منذ شهرين، بعد أن تفاجأت برفضٍ دولي وإقليمي قاطع. وما الاستهدافاتُ المؤخّرة، بالطائرات المسيّرة حيناً وبالقذائف المدفعية حيناً آخر، بعد القمّة مباشرةً سوى إشاراتٍ واضحة على حسم هذا الملف في الوقت الحالي، بمعنى أنها تأكدت تقريباً بشكلٍ قطعي من الموقفين الأمريكي والروسي بعدم السماح لها بالهجوم المباشر، لذا نراها تعتمدُ سياسةَ الضربات الاستفزازية، عساها أن تنجحَ في جرّ المنطقة إلى ردود أفعالٍ أو مواجهاتٍ متفرّقة، وأن يتحوّلَ الأمرُ أو يتطوّرَ معه إلى عملية مشروعة حسب وجهة النظر التركية، وأيضاً لتحفظَ ماءَ وجهها بعد التهديدات الغزيرة والوعود المعسولة التي قطعتها أمامَ الداخل التركي.

بعد توسّع دائرة الاستهدافات وزيادة عددها، يمكننا الاستنتاجُ أنه من غير المستبعد أن يكون ثمّةَ اتفاقاً مبطّناً أو غيرَ معلنٍ قد جرى تناقشه ما بين الرئيسين، لضرباتٍ محدودة على قرى وبلدات شرق الفرات، لإرغام قوات سوريا الديمقراطية على تقديم المزيد من التنازلات للنظام السوري، والذي يصبّ في النتيجة لصالح روسيا، وخاصّةً بعد تصريح الرئيس التركي- عقب القمة- بأنه في القريب سيعملُ على ربط الحزام الأمنيّ كاملاً بعمق 30 كم على الحدود الجنوبية لتركيا ضمن الأراضي السورية.

من الواضح أنّ روسيا وتركيا في حيرة من أمرهما، وأنّ عدمَ اتفاقٍ لا زال قائماً بينهما بخصوص الوضع السوري، فروسيا لا تمانعُ ضمنياً من قيام تركيا بمغامرة في منطقة شرق الفرات لإغاظة أمريكا، وتضغط على الدوام باتجاه إنجاز أردوغان لعملية في كوباني أو تل تمر مثلاً، تلك التي تعتبر خاضعة لنفوذ قوات التحالف الدولي، وبهذا تستطيعُ خلقَ أزمةٍ ما بين تركيا وأمريكا؛ وفي الوقت نفسه تمانعُ في شنّ تركيا لأيّ هجومٍ على غرب الفرات (منبج وتل رفعت)، إرضاءً لإيران.

تركيا تدركُ تماماً ذلك، ولا تريد أو لا تجرؤ على شنّ هجومٍ بشكلٍ مباشر ومفتوح دون الحصول على الضوء الأخضر من الجانب الأمريكي، وربما وللخروج من هذا المطبّ، فأردوغان يحاول جديداً عن تسويةٍ مع الجانب الروسي، وغالباً لن يكون ذلك دون مقايضةٍ جديدة، ولهذه الأسباب قد تضطرّ تركيا إلى تقديم تنازلات في إدلبَ ومحيطها مثلاً للنظام السوري وذلك لإرضاء الجانب الروسي، وهذا بدوره يحيلنا إلى فهم التصريحات المؤخّرة من قبل وزير خارجيتها والتي أشارت إلى الاستعداد لتقديم الدعم الكامل للنظام السوري في محاربة (الإرهاب)، هذه العبارة الفضفاضة نوعاً ما، فكيف سيكون تقديم هذا الدعم، في ظلّ تداخل القضايا ما بين الدولتين!

غالباً، إن جرت الأمور حسب المخطط الروسي، ستُسلّم تركيا بعض قيادات المعارضة- وخاصة العسكرية- إلى الحكومة السورية وفق برنامج زمني محدد بين الطرفين، مع الاتفاق كذلك على تسليم بعض المناطق الخاضعة لسيطرة تركيا لقوات الحكومة السورية.

على العموم، إنّ أيّ اتفاقٍ بين الجانبين سيكون بالضدّ من تجربة الإدارة الذاتية وفي سبيل محاولة دخول قوات الحكومة السورية إلى المناطق الحدودية الواقعة تحت سيطرة قسد، الأمر الذي لا يراه أردوغان خطراً على أمنه القومي المزعوم.

زر الذهاب إلى الأعلى