المجلس الوطني الكردي والقيود التركية

تواصل الأحزاب المنخرطة ضمن صفوف المجلس الوطني الكردي سعيها للمحافظة على المكتسبات الشخصية التي كانت قد حققتها على مدار الأعوام الماضية من الأزمة السورية والتي تتمثل كذلك بقاعدة شعبية كلاسيكية، ولعل المتغيرات التي قد مرت بها مناطق شمال وشرق سوريا كان لها تأثير واضح على التزام المجلس الوطني الكردي موقف المتفرج وعدم القيام بأي خطوات قد تؤدي في نهاية المطاف فقدان الأهلية والتأثير على البيت الداخلي للمجلس الوطني الكردي.

وكان الهجوم التركي الأخير على حي “الهلالية” في مدينة قامشلو في الـ 09 من تشرين الأول الشهر الماضي والذي أدى إلى فقدان ثلاثة مدنيين لحياتهم تأثيراً داخلياً على المجلس الوطني الكردي وبالطبع فإن المجلس وبطبيعته ينقسم إلى تيارين بارزين وهو تيار الديمقراطي الكردستاني – سوريا (PDK-S)الذي يمثل حكومة إقليم كردستان نهجاً وسياسة وقراراً، إلى جانب وجود تيار آخر يتزعمه حزب يكيتي الكردستاني- سوريا (PYKS) والذي يمثل الائتلاف الوطني المعارض في إسطنبول إلى جانب وجود بعض الأحزاب الأخرى التي تساند هذا التيار ومن أبرزهم “حزب المساواة الكردي في سوريا، حزب حركة الإصلاح الكردي في سوريا، حزب الوحدة الديمقراطي الكردستاني في سوريا” وهذه الأحزاب الخمسة التي تمثل الهيئة الرئاسية للمجلس الوطني الكردي.

إلا أنه وكما أسلفنا فإن التأثير المتزايد نتيجة المتغيرات التي شهدتها مناطق شمال شرق سوريا والتصعيد التركي أدى إلى نشوء صراع داخل أروقة المجلس الوطني الكردي والتزام الصمت وعدم الأدلاء بأي تصريحات بالرغم من التساؤلات التي كانت تحيط بالمجلس من قبل القاعدة الشعبية للمجلس في المقام الأول، إلا أن عضو الهيئة الرئاسية للمجلس الوطني وسكرتير حزب المساواة الكردي في سوريا نعمت داوود قد كسر الصمت وتوجه إلى خيمة عزاء المدنيين الثلاثة من عائلة كلو الوطنية الذين فقدوا حياتهم؛ وكانت هذه الخطوة ملفتة في توضيح موقف أحزاب المجلس الوطني الكردي وسياساتها تجاه المتغيرات التي تشهدها المنطقة علاوة على ذلك أدت هذه الخطوة إلى إبراز ضعفٍ واضحٍ في هيكلية المجلس الوطني الكردي في اتخاذ القرارات.

إلا أن سرعان ما جوبهت هذه التحركات من قبل المجلس الوطني الكردي بدعوة عاجلة من قبل مسؤولين أتراك لقادة بارزين في المجلس الوطني الكردي بزيارة مستعجلة وسرية إلى تركيا وتقديم توضيحات حيال سياسات المجلس الوطني الكردي في شمال شرق سوريا والتي كانت قد حملت دلالات رفضهم للهجمات التي تشنها الدولة التركية على مناطق شمال شرق سوريا، مما لا شك فيه فإن الدعوة التي وجهتها الدولة التركية إلى التيار الراديكالي ضمن المجلس الوطني والذي تمثل بالحزب الديمقراطي الكردستاني – سوريا تشكل هذه الواقعة أيضاً منعطفاً في سياسات الدولة التركية في الاعتماد على التيار المقرب منها والمتمثل بحزب يكيتي الكردستاني – سوريا والذي يعد أبرز قادته أعضاء الهيئة الرئاسية إبراهيم برو وفؤاد عليكو، إلا أن ذلك أيضاً يدل على ضعف التيار المقرب منه في التأثير على الشارع الكردي أو القاعدة الشعبية.

من جانبٍ آخر بعثت الدولة التركية أيضاً برسائل مبطنة إلى المجلس الوطني الكردي حيال وجود بديل كردي للمجلس الوطني داخل الائتلاف من الممكن الاعتماد عليه؛ وبالطبع فإن هذه الرسائل تمثلت بالظهور الإعلامي المتكرر والذي لاقى تركيزاً من قبل الإعلام المقرب من الائتلاف الوطني “لرابطة المستقلين الكرد” والذي شكل نوعاً من الهواجس في جدية تركيا في اتخاذ بديل للمجلس الوطني الكردي وسحب كافة الامتيازات التي قد منحت للمجلس الوطني، وهنا نستطيع أن نذكر معلومة في غاية الأهمية والتي هي اتفاق سري بين المجلس الوطني الكردي وبين الدولة التركية بعدم الاعتراف أو إقامة العلاقات مع أي كيانات كردية سورية خارج أطر المجلس الوطني الكردي، وبالطبع فان هذا التلويح التركي في هذا التوقيت له دلالات على أن الدولة التركية تمارس نوعاً من الضغوط على المجلس الوطني الكردي بهدف عودتها للمسار الذي تم وضعه للمجلس الوطني الكردي وهو التأكيد على الدور التركي في المنطقة ورفض كافة السياسات الصادرة عن الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا.

وتأكيداً على البدء بعودة المجلس الوطني الكردي إلى مساره السابق فقد طالب القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني – سوريا ونائب الائتلاف الوطني المعارض عبد الحكيم بشار خلال الأيام الماضية سلسلة من المناشدات بعودة مهجري سري كانيه إلى مدينتهم وذلك بهدف رفع صبغة الإرهاب والتهجير الذي يفرضه المجتمع المدني على الدولة التركية والمطالبات الشعبية بخروج الدولة التركية وفصائلها المرتزقة من مدينة سري كانيه وكري سبي، هذه المطالبات من قبل قيادي في المجلس الوطني الكردي وفي هذا التوقيت بالتحديد تؤكد على أن المجلس الوطني الكردي لا يزال متمسكاً بنهج التبعية والارتهان الذي سار عليه منذ بدايته.

وبهدف إشغال البيت الداخلي للمجلس الوطني الكردي وتجاهل المطالبات الداخلية بعقد المؤتمر العام للمجلس الوطني الكردي بسبب تخوف القيادات الحالية للمجلس من فقدان المناصب التي قد تسلموها يعمد المجلس الوطني الكردي على الدعوة لعقد مؤتمر عام للمعارضة السورية على غرار المطالبات التي كانت قد طالبت بها مجلس سوريا الديمقراطية (مسد) وذلك بهدف إفشال الجهود التي يطلقها مجلس سوريا الديمقراطية وإشغالاً داخلياً للمجلس الوطني الكردي بهدف إلهاء الأحزاب والقيادات المعترضة على قرارات المجلس.

 

زر الذهاب إلى الأعلى