السياسة التركية الجديدة ومصير اللاجئين والمرتزقة

السياسة التركية الجديدة ومصير اللاجئين والمرتزقة

لا يخفى على أحد أن السياسة البراغماتية التي تتبعها تركيا التي تخلو من المبادئ والقيم الإنسانية في علاقاتها الدولية، فليس في قاموسها دول أو أطراف  صديقة وحليفة أو عدوة، فالعلاقة لديها مبنية على الاستغلال، فقد يتحول الصديق إلى عدو والعدو إلى صديق بين ليلة وضحاها ، وما إن تنتهي ورقة تلك الدولة أو الطرف يتم الاستغناء عنها ضاربة بعرض الحائط جميع المواثيق والوعود التي تم الاتفاق عليها ودون الأخذ بالاعتبار الثقة التي منحتها إياها تلك الأطراف، كما حدث مع الأزمة السورية وبالمملكة العربية السعودية وقضية الخاشجقي وبتنظيم الإخوان وغيرها الكثير، وليس من المستبعد أن نرى أردوغان يقوم بتسليم بعض قادة مرتزقته للنظام السوري أو حتى تصفيتهم مقابل عودة العلاقة مع النظام من أجل ضرب مشروع الإدارة الذاتية بعد فشله في الحصول على الضوء الأخضر لعدوانه على تل رفعت ومنبج، وإن الطريق أصبح مسدوداً أمامه تجاه أي عدوان يرغب بتنفيذه على مناطق الإدارة الذاتية. فمنذ بداية الثورة السورية والتدخل التركي السافر في الشؤون الداخلية لسوريا، تحولت الفصائل المسلحة إلى أدوات بيدها وبدأت تسيّرهم حسب أطماعها التوسعية في المنطقة وتحولت تلك الفصائل إلى مرتزقة هدفها الأول زيادة ثروتها إلى جانب عمليات التهجير.

فلم تفي دولة الاحتلال التركي بوعودها للشعب السوري أو على الأقل الحفاظ على خطوطها الحمراء التي وضعتها في سوريا وبالأخص في مدينة حلب، بل ازدادت معاناة السوريين فمنذ اللحظة الأولى من تدخلها السياسي والعسكري والاقتصادي في سوريا لم تكن تركيا تهدف إلى حماية الشعب السوري بل كانت تهدف إلى احتلال الشمال السوري وإحداث تغيير ديمغرافي فيها، ولم يقتصر التغيير الديمغرافي على الكرد فقط بل طالت شعوب المنطقة من عرب وسريان وآشوريين، فالكثير من العوائل العربية من الداخل السوري والذين التجأوا إلى تركيا رفضت فكرة المنطقة الآمنة وإعادة مليون لاجئ إلى الشمال السوري بشكلٍ قسري، فالكثير منهم ما يزال مرتبط بأرضه ولديه الأمل في العودة إلى مناطقهم بعد حل الأزمة السورية. إلا أن تركيا وبعد استغلالهم سواء في الحصول على مساعدات مالية من الدول الغربية أو لتنفيذ أطماعه الاستعمارية في المنطقة، بات هؤلاء اللاجئون يشكلون عبئاً عليه مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية 2023 حيث يعمل أردوغان على ترحيلهم عنوة إلى المناطق التي يسميها بالآمنة والتي تفتقر إلى أبسط أنواع العيش والأمن، ولم يكتفِ بذلك فبعد فشله في الحصول على الضوء الأخضر لعمليته العدوانية على تل رفعت ومنبج وخشيته في التأثير على الانتخابات المقبلة أمام محاولة منافسيه من المعارضة التركية استغلال فشل سياسته التي جعلت من تركيا دولة منبوذة، والأقرب إلى روسيا وإيران من الغرب، وللخروج من هذا المأزق بدأ وزير خارجيته يدلي بتصريحات هي الأولى من نوعها منذ 2011 وتعد تغييراً جذرياً مفاجئاً في سياسته الخارجية تجاه النظام السوري متجاهلاً معاناة الشعب السوري والأرواح التي زهقت، كل ذلك من أجل محاربة الإدارة الذاتية. فقد صرح وزير خارجية تركيا مولود أوغلو بأن تركيا “ستقدم كل أنواع الدعم السياسي للنظام السوري”. حيث لاقت تصريحات وزير الخارجية التركي انتقاداً كبيراً من السوريين، وخروج مظاهرات منددة لتصريحات وزير الخارجية كونها جاءت من دولة لطالما اعتبروها حليفاً لهم، رافضين لأي علاقة أو تطبيع مع النظام. إن هذا التغير المفاجئ في السياسة التركية يأتي بعد فشل أردوغان في إقناع الروس والإيرانيين في قمة طهران ، حتى أنه لم يتمكن من الحصول على الدعم من حلفائه الغربيين بتنفيذ عدوانه على تل رفعت ومنبج والتي تزامنت مع مطالبة مئة برلماني فرنسي إقامة منطقة حظر طيران على الشمال السوري لحماية الإدارة الذاتية من العدوان التركي. بالإضافة إلى عدم قدرة الاقتصاد التركي ما لم يكن هناك داعمين له على تحمل تكاليف عملية عسكرية جديدة خارج حدوده.

إن تلك الأطراف التي عوَّلت على الدعم التركي لها قد تلقى نفس مصير تنظيم الإخوان في تركيا الذي كان يتلقى الدعم السياسي والعسكري واللوجستي منها وتركتهم لمصيرهم المجهول مقابل عودة العلاقة مع مصر، وليس من المستبعد أن يلقى بعض قادة مرتزقته نفس مصير المقدم حسين هرموش عندما قامت تركيا بتسليمه للنظام السوري في بداية الأزمة السورية، مقابل توحيد المواقف مع النظام لمحاربة الإدارة الذاتية.

وفي هذا السياق إن فشل سياسة أردوغان الداخلية والخارجية وخاصة بما يتعلق بالأزمة السورية ومع اقتراب موعد الانتخابات التركية العام القادم ستلقي بظلالها على اللاجئين السوريين وقد يحاول أردوغان قبيل الانتخابات الرئاسية وبعد فشله في سوريا، إنهاء ملف اللاجئين الذي أصبح يؤرق الشعب التركي بإعادتهم بشكلٍ قسري إلى سوريا وتسليم ملفاتهم للنظام، مما يجعل هؤلاء “اللاجئين السوريين والمرتزقة” أمام مستقبل مجهول وأمام خيارين إما انتظار مصيرهم المجهول والذي قد يضع الكثير منهم ضمن دائرة الخطر والاعتقالات أو الهروب من تركيا للحفاظ على حياتهم. أما إذا سارت الرياح بعكس ما يشتهيه أردوغان وانهزم في الانتخابات المقبلة ورفض تسليم السلطة وقام بحشد أتباعه على غرار ما فعله أثناء الانقلاب المزعوم عام 2016م واستغلاله للانقلاب في تغيير النظام السياسي التركي من نظام برلماني إلى رئاسي وتصفية معظم خصومه، قد يلجأ إلى تجنيد هؤلاء اللاجئين كمرتزقة إلى جانب أتباعه ضد النظام التركي الجديد في المستقبل القريب ولحماية نفسه من محاكمته بتهم الفساد، الأمر الذي ينذر بحرب في الداخل التركي والقيام بمحاولة انقلاب جديدة، قد يفسر هذا الأمر سياسة أردوغان البراغماتية وخطابه الديماغوجي. وهذا ما يشير إلى أن أردوغان يعيش في أزمة حقيقة في سعيه لضمان استمرار سيطرته على الدولة التركية.

زر الذهاب إلى الأعلى