تداعيات الانسحاب الأمريكي من أفغانستان 

تناولت التحليلات الأولية للعديد من المحللين المهتمين بالسياسات الخارجية الأمريكية التخلي الأمريكي السريع عن أفغانستان بأنه امتداد لسياسة الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في التخلي عن الحلفاء بالرغم من التكاليف التي بلغت ما يقارب 20 ترليون دولار منذ بدء مهام القوات الامريكية وقوات حلف الشمال الأطلسي “NATO” وأن هذه الخطوة كانت متوقعة نتيجة التغييرات التي طرأت في الداخل الأمريكي، إلا إنه وفي حال النظر إلى بعض التفاصيل التي أعقبت الانسحاب الأمريكي فأن هنالك مسوغات لم يتم تسليط الضوء عليها.

لا شك بأن هنالك مخاوف أمريكية من عودة نشاط تنظيم القاعدة في أفغانستان وعلى اعتبار أن هي أفغانستان الحاضنة المناسبة للانطلاق من جديد واستهداف مصالح الولايات المتحدة الأمريكية على غرار هجمات “11 سبتمبر” في الوقت الذي تحاول فيه حركة طالبان على إخفاء علاقاتها الواضحة التي تربطها بتنظيم القاعدة بالرغم من الجهود التي بذلتها الحركة في اتفاق الدوحة عام 2020 بالتأكيد على عدم ضلوع تنظيم القاعدة في الهجمات على الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن هذه المخاوف التي تنتاب مركز صناعة القرار الأمريكي من الممكن أن تكون ضمن سياق سعي الولايات المتحدة الأمريكية لإطلاق مرحلة جديدة في أفغانستان، أي تحويل أفغانستان لأكبر بؤرة حساسة في آسيا ولا نبالغ إذا قلنا في العالم بأكمله عبر جر القوى العظمى إلى حرب استنزاف طويلة الأمد، ولتكون أفغانستان من ضمن اهتمامات الدول المجاورة، أي انشغال هذه الدول بتبعات تمدد الحركات الراديكالية، كون الانسحاب الأمريكي مهد لواقع جديد سيكون له تأثيرات على المنطقة بأكملها، فأفغانستان اليوم أصبحت قبلة للحركات الجهادية الراديكالية وخاصة بعد الترحيب الذي حصل لطالبان من قبل مختلف الحركات الإسلامية في العالم، وأيضاً محاولات قادة تنظيم القاعدة في إيران للعودة إلى أفغانستان.

وبالتالي أن المرحلة القادمة في أفغانستان من ضمن الاهتمامات التي تحمل مخاوف جادة لقوى إقليمية ودولية ومنها “روسيا، الصين، إيران” والتي كانت قد أبرزت ردود قاسية عبر القنوات الدبلوماسية من خلال رفض غالبية البرامج التي طرحتها إدارة الرئيس الأمريكي جون بايدن للتعامل مع القضايا والملفات الشائكة على الساحة الدولية والإقليمية والتي تتمثل في “التمدد الاقتصادي الصيني، تنامي النفوذ الروسي على الساحة الإقليمية والتدخلات الروسية في الدول التي تمتلك واشنطن موطئ قدم فيها ورفع وتيرة صفقات الأسلحة، بالإضافة إلى تعثر الوصول إلى صيغة توافقية حول البرنامج النووي الإيراني ومن المحتمل أن تكون هذه المؤشرات قد دفعت بواشنطن للإبقاء على قاعدة عسكرية تركية في العاصمة الأفغانية كابل والتي من خلالها يمكننا التكهن في أن الخطوات التي قد تعمد إليها حليفة واشنطن ضمن حلف الناتو للدخول في حرب أهلية، وإرضاء تركيا لإبعادها عن روسيا بعد التقارب الحاصل في عدة ملفات.

بالعودة إلى الشأن الداخلي فإنه تتعاقب التصريحات التي يطلقها قادة طالبان حول عدم قبول قواعد أمريكية على الأراضي المجاورة لأفغانستان في إشارة إلى خروج القوات الأمريكية وعدم وجود أي قواعد لحلفاء واشنطن، نتيجة تخوف طالبان من بروز مهددات على حكمها، وتكون القوات الأمريكية داعماً لها في المستقبل، وخاصة أن هناك حاضنة شعبية واسعة وكبيرة مناهضة للحركة وتوجهاتها الراديكالية، فموجات الهجرة من الأفغانيين و الحراك الشعبي في مطار كابل أثناء عملية الإجلاء، ووجود ولاية بينجشير خارج سيطرة الحركة، تؤكد أن أفغانستان مقبلة على صراع داخلي، بحيث تكون قابلة للتشظي والدخول في حرب أهلية يشهدها الداخل الافغاني، فالدول التي ترى في طالبان تهديداً على مصالحها ستتدخل بشكل أو بآخر لتحقيق أهدافها في أفغانستان.

وفي المحصلة، أصبحت أفغانستان نتيجة الانسحاب الأمريكي وسيطرة طالبان عليها بؤرة حساسة وتهم كل الدول التي كانت ترى في الوجود الأمريكي في أفغانستان صمام أمان أمام تمدد الفصائل الجهادية، بالإضافة إلى كونها أصبحت بقعة تعطي الأمل وتبث الروح في الحركات والتنظيمات الإرهابية حول العالم والتي تشكل تهديداُ وخطراً على مصالح خصوم الولايات المتحدة الأمريكية، لذلك جاء هذا الانسحاب الأمريكي لخلط الأوراق على الساحة الدولية بهدف إنهاك المنافسين لها على الهيمنة العالمية.

زر الذهاب إلى الأعلى