التهديدات التركية وموقف القوى الفاعلة منها

التهديدات التركية وموقف القوى الفاعلة منها

في سوريا وعلى طول الجغرافية السورية، تزداد في كل مرة نشاطات الدول الفاعلة في الشرق الأوسط، وعلى ما يبدو أن الدولة المنتصرة في سوريا سوف تحقق جزءاً كبيراً من الانتصار في الشرق الأوسط. هنا تنشط روسيا، الولايات المتحدة الامريكية، تركيا وإيران، وكل منهم عن طريق مستشاريه وجنودهم المتواجدين على الأرض السورية، ولهم قواعد عسكرية، بالإضافة الى تسيير دوريات عسكرية تظهر مدى النفوذ العسكري لكل منها.

 إن اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية التي كان من تداعياتها ازدياد في وتيرة اثبات الوجود في سوريا، واستغلال انشغال العالم، حتى وإن كان فقط عبارة عن خطابات وتصريحات وفقاعات إعلامية، ولكن ما يظهر جليا هو تفاقم تضارب المصالح بين جميع الجهات الفاعلة في سوريا، وقد بدأت العجلة بزيادة السرعة وخاصة عند تركيا ومحاولتها استغلال الموقف الروسي والأمريكي من الحرب في أوكرانيا، وانتهازاً لهذه الفرصة أعلنت تركيا على لسان كبار مسؤوليها نيتها شن عملية عسكرية مستكملةً واحتلال أجزاء أخرى من الأراضي السورية في الشمال، وقد بدا الأمر واضحاً أنه اقتناص فرصة للوضع الذي يشهده العالم وخاصة في ظل تضارب في التحالفات والمصالح ووفرة الكثير من الأوراق التي يمكن لأنقرة استخدامها كوسائل ضغط خاصة على الولايات الامريكية وروسيا.

تركيا بإعلانها كانت تعتقد أنها لن تواجه تلك الصعوبات في الحصول على الموافقات خاصة في ظل انشغال الاتحاد الأوربي بالحرب في أوكرانيا والصراع القائم بين الولايات المتحدة وروسيا واعتقدت أن سوريا ستكون ثانوية بالنسبة للقطبين المتصارعين وإن ارضاءها –تركيا – أكثر أهميه، ولكن الواقع كان صادماً لها واتضح أنها تصطاد في الماء العكر، بعد الرفض الأمريكي لعمليتها العسكرية، كما أن روسيا أثبتت رفضها المبدئي من خلال دورياتها البرية والجوية وتثبيت نقاط على خط التماس أو على الأقل رافضة أي مقايضات.

الحكومة في دمشق من جديد تلوح بالتصدي العسكري، لأي عدوان تركي على الأراضي السورية، وما حصل على الأرض من تقارب بين قوات سوريا الديمقراطية والحكومة السورية في تحضير مسودة تنسيق للتصدي أو حتى تطور الأمر لتوقيع تفاهمات دائمة في مواجهة الخطر الخارجي ما يجعل تركيا الأكثر خسارة من إعلانها لهذه العملية، وبالنسبة لإيران التي تتوعد هي أيضا بالتدخل عسكريا إن حصل اعتداء خاصة في منطقة قريبة من نفوذها مثل تل رفعت وذلك بدافع قربها من نبل والزهراء في حلب.

من كل ما سبق واضح أنه ليس من مصلحة أي جهة تغيير الخارطة العسكرية في الشمال السوري على الأقل بدون تحقيق أهداف معينه.

لذلك استقبل وزير الخارجية التركية” مولود تشاووش أوغلو” وزير خارجية روسيا” سيرجي لافروف” في الثامن من شهر حزيران والتي أعلن عنها قبل الموعد ببضعة أيام موازية لحديث الاعلام عن تحضيرات تركيا للعملية العسكرية والتي شغلت جزءاً كبيراً من برنامج الزيارة فيما يبدو أن المفاوضات بين تركيا وروسيا التي يراها مراقبون أن روسيا لديها ما تطلبه مقابل إعطاء الموافقة لتركيا باحتلال أجزاء أخرى من الأراضي السورية، فالأتراك والروس على ما يبدو متفقين على كل مخرجات ومدخلات الحرب في أوكرانيا وتركيا تقدم تعاون متبادل مع روسيا في ذاك الشأن من تسهيل على الصعيد التجاري وأبرزها النقاشات المتعلقة بتسهيل مرور شحنات الحبوب الأوكرانية التي استولت عليها روسيا عبر المياه الإقليمية التركية، إلا أن الاختلاف وتضارب المصالح في سوريا أيضا واضح والذي تعمل عليه روسيا هو أن أي مساحة أرض تحتلها تركيا، يكون بمقابل سيطرة روسيا على جزء آخر من الجغرافية السورية، فالأحداث الأخيرة التي تشهدها المناطق- الخاضعة لسيطرة الاحتلال التركي- بين المسلحين في شتى المناطق وفشل تركيا في السيطرة عليها ربما دفع تركيا بالتفكير بتقليص المساحة لحساب إرهابي” هيئة تحرير الشام” التي بالفعل قامت بالسيطرة على مواقع عسكرية كان ينشط فيها مرتزقة ” الجيش الوطني ” كما أنها بدأت تدخل المناطق المحتلة من قبل تركيا، هذا كله يقودنا إلى تحليل ما يحصل وهو أن هناك صفقة تركية روسية قد عقدت والتي مفادها تسليم ادلب وعفرين” لهيئة تحرير الشام” المصنفة إرهابياً من جميع الأطراف وحتى من تركيا وإن كان إعلامياً، بالمقابل تغض روسيا النظر عن التهديدات أو قد تصل الصفقة إلى مستوى منح الروس الضوء الأخضر لتركيا لعمليتها الاحتلالية بالإضافة إلى الاستمرار في تجاهل انتهاك المسيرات التركيا للحدود السورية، ومن ثم يقوم الجيش السوري وميلشيات شيعية بعملية عسكرية بقيادة الطائرات الروسية والسيطرة على جميع المناطق التي استولت عليها” هيئة تحرير الشام “والقضاء عليه وبذلك تظهر روسيا بالمتصدي للإرهاب مع تقديم دعم معنوي وعسكري لموقف الحكومة السورية الذي يعاني من ضغط شعبي في مناطقه في ظل تداعيات الأزمة الاقتصادية.

في هذا السياق من المفيد زيادة التنسيق بين الإدارة الذاتية وحكومة دمشق الذي يبدي موقفاً ضعيفاً لحد الآن في ظل التهديدات التركية المستمرة، والتي تأتي في إطار تقسيم سوريا عبر اقتطاع أجزاء منها، والعبث بسيادتها كما فعل من قبل، وحل المعوقات العالقة، وحماية الشعب السوري من موجات نزوح أخرى، كما يجب أن تقوم حملة مطالبة شعبية من الولايات الامريكية توضيح موقفها ورد الفعل في حال نفذت تركيا عمليتها العسكرية، وعدم الاكتفاء بالرفض الشفوي.

والذي يبدو فعليا من إصرار تركيا على تصعيد لهجتها وتكرار التهديد في كل مرة هو زيادة الضغط على الجهات الفاعلة والتي منها إيران التي رفضت رفضاً حقيقياً وواضحاً للعملية العسكرية فيما بقي الموقف الأمريكي والروسي أقرب إلى التحفظ ولم يرتقي لمرحلة الرفض الرادع وذلك واضح من خلال مسؤولي الولايات المتحدة الذين ذكروا بأنهم” يحاولون إقناع تركيا ولكن يبدو أنها لن تتراجع”، فإذا كانت الولايات المتحدة ترى أن تركيا لن تتراجع عن عمليتها فهذا يدل على أن العملية قادمة ولم تجابه بالرفض الحازم الرادع ولكن المصالح كالعادة فرضت نفسها ولكن حدوث هذه العملية( إن حصلت) لن تكون نتائجها كالتي سبقتها وذلك نسبةَ للمستوى الكمي والنوعي للطاقات العسكرية والمرونة الدبلوماسية التي تم تهيئتها سلفا من قبل قوات سوريا الديمقراطية، هنا سنرى إن إعلان العملية العسكرية سترافقها مراحل متقدمة من التقارب بين الحكومة في دمشق  والإدارة الذاتية وبدعم روسي كبير ناهيك عن سيناريو عسكري قد يكلف الأتراك خسائر غير متوقعه، وفعليا ساعة الصفر التي يعدون بها سيحددونها الأتراك بالفعل ولكن لن يكون باستطاعتهم إيقاف هذه الحرب والتي يستطلعها الغرب وفي مقدمتهم بريطانيا التي ناشدت رعاياها المتواجدين في تركيا عدم الاقتراب من الحدود السورية التركية لمسافة عشرة كيلو متر، تركيا وضعت أهدافها والخريطة الجغرافية لعمليتها الاحتلالية إلا أن المتوقع أن تتجاوز الحرب هذه إلى خارج الخريطة المخطط لها بالإضافة إلى الوعي الشعبي الذي دفع الأهالي لاتخاذ قرار  المواجهة والبقاء في منازلهم، هذا ما يؤكده أهالي تل تمر، ومنبج، وتل رفعت.

حتى اللحظة تركيا ماضية في مشروعها وبذل كل الجهود أولا لإجراء التغير الديمغرافي فيما يتماشى مع سياساتها وثانيا محاولة إجهاض مشروع الأمة الديمقراطية.

 

مركز روج آفا للدراسات الاستراتيجية

زر الذهاب إلى الأعلى