الصراع الداخلي بين المرتزقة.

الصراع الداخلي بين المرتزقة.

بينما تتمسك تركيا بمحاولاتها القاضية باحتلال المزيد من الأراضي السورية عبر التلويح لعمليتها العسكرية الجديدة في شمال شرق سوريا؛ تشهد مدن الشمال السوري عفرين ومارع والباب المحتلة من قبل تركيا ومرتزقتها منذ بداية شهر حزيران موجة من الاحتجاجات والمظاهرات نتيجة لسوء الأوضاع الاقتصادية وحالة الفلتان الأمني وتفشي الفساد والاقتتال اليومي للفصائل في ظل الصراع القائم على السلطة والنفوذ والاختلافات الإيديولوجية، وكذلك السعي لتحقيق المكاسب المادية التي تجنى من المنافذ ومعابر التهريب.

اذ تسيطر مرتزقة الجيش الوطني والتي تتبع لما يسمى بالحكومة المؤقتة المرتبطة بالائتلاف الإخواني على مناطق عفرين وسري كانيية وكرسبي، رأس العين/تل أبيض وريف حلب الشرقي، في حين تسيطر هيئة تحرير الشام المصنفة على لوائح الإرهاب دولياً في الوقت الراهن  وجناحها المدني ما يسمى بحكومة الإنقاذ على مدينة إدلب وريفها وأجزاء من ريف حلب الغربي وريف اللاذقية الشمالي، اشتباكات مسلحة بين الطرفين الأمر الذي ينعكس سلباً
على حياة المدنيين في المناطق الخاضعة لسيطرتها كان آخرها الاشتباكات التي تفجرت مجددا بين فصيلي “الجبهة الشامية” و”أحرار الشام”، تدخلت فيها هيئة تحرير الشام “جبهة النصرة سابقا ” إلى جانب فصيل أحرار الشام، وتمكنت خلالها من السيطرة على أكثر من 15 قرية وبلدة في ريف عفرين الجنوبي، هذا التقدم السريع لهيئة تحرير الشام ما كان ليتم لولا أن بعض الفصائل المنضوية تحت ما يسمى الجيش الوطني سلمت هذه المناطق بشكل مباشر لهيئة تحرير الشام ما أنذر بتغيير كل معادلات السيطرة في شمالي سوريا وسط صمت تركي فسر برغبة تركية بتوظيف هذا الصراع لخدمة مصالحها واختيار الفصيل الذي تراه أقوى لعدوانها المحتمل.

في ظل التهديدات التركية المستمرة على مناطق شمال وشرق سوريا والتي تأتي في وقت يواجه فيه نظام أردوغان ضغوطاً سياسية واقتصادية وداخلية متزايدة مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تركيا والذي يشكل ملف اللاجئين ابرز التحديات التي تواجهه ويضمن تنفيذه ارتفاع أسهم شعبية أردوغان وائتلافه الحاكم ومن ثم ضمان القبول الشعبي لأي إجراءات دستورية وقانونية تخدم في النهاية بقاء حزب العدالة والتنمية الحاكم  في السلطة لأطول فترة ممكنة.

لذا فهو يحاول خلال هذه الفترة استثمار جميع المواقف للحصول على ضوء أخضر يسمح له بالبدء بعدوان جديد على المنطقة، بدءا من استغلال ظروف الحرب الروسية الأوكرانية وانتهاء باقتناص الفرصة بطلب السويد وفنلندا للانضمام إلى حلف شمالي الأطلسي (الناتو) ومساومة الغرب لانتزاع تنازلات منهم لاستئناف مشروع ما يسمى المنطقة الآمنة والتي تستهدف بالدرجة الأولى مكونات المنطقة وقوات سورية الديمقراطية ومشروع الإدارة الذاتية، وكاستكمال للمخطط الاستيطاني بعمق 30 كيلو متر ونقل عوائل مرتزقة داعش وتوطينهم في المناطق المحتلة.

ما يعني إنشاء منطقة خاضعة لنفوذها ويسكنها موالون لأجنداتها بعد تهجير السكان الأصليين وذلك في إطار مخططاته لفرض واقع جديد في المناطق التي يحتلها مع مجموعاته الإرهابية منذ عام 2018م،  وهذا المشروع نددت به منظمات حقوقية وأعتبره مراقبون من أخطر المخططات التي تهدف إلى تقسيم سوريا وإحداث تغيير ديمغرافي في بنية المجتمع السوري ككل وخلق فتنة وحرب أهلية بين مكوناته في المستقبل لضرب  السلم الأهلي.

سيما أن ذلك يأتي في وقت تؤكد فيه كل المعطيات على الأرض فشل الادعاءات التركية في خلق منطقة آمنة وذلك بالنظر إلى التجربة التركية الحالية في مدن الشمال السوري المحتل وما يشهده سكان تلك المناطق من غياب لكل مظاهر الأمان والاستقرار الاقتصادي وحالة الاحتجاج والاستياء الشعبي، إذ أن ممارسات الاحتلال التركي ومرتزقته التابعة لها شكلت في السنوات الماضية ولاتزال نموذجا صارخا للاستهتار بأدنى القيم الإنسانية والأخلاقية وبمبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.

وبالتوازي ما بين التهديدات التركية وما يرافقها من التوافقات الدولية والإقليمية يبقى الشمال السوري المحتل تحت ذريعة “المنطقة الامنة ” يرزح تحت وطأة اقتتال الفصائل المتطرفة المدعومة تركياً وذلك ضمن حالة الفوضى الأمنية والعسكرية التي تحكم هذا الشمال المزدحم بعشرات الفصائل والتشكيلات المتباينة في الرؤى والأهداف والساعية لبسط نفوذها على حساب الأخرى وزيادة وارداتها المالية وسط تدهور للأوضاع الإنسانية والمعيشية والخدمية، وفي ظل غياب دور المجتمع الدولي في التوصل لحل سياسي للأزمة السورية يضمن للسوريين العيش بأمان بعد أكثر من عقد من الزمن، ويبدو أن حالة الفوضى هذه في الشمال السوري ستدوم لفترة أطول في ظل الاحتلال التركي للمنطقة.

زر الذهاب إلى الأعلى