أردوغان.. ورقة اللاجئين وصيده الثمين  

أردوغان.. ورقة اللاجئين وصيده الثمين  

لم يعد خافيا على أحد طبيعة الهدف التركي في المنطقة، فمنذ دخولها وبقوة في المشهد السوري قامت بتحريف مسار ما يمكن أن نسميه ربيع الشعب السوري عن جوهره، وبدأت أنقرة باحتضان ما تسمى المعارضة، بكافة أطيافها السياسية والعسكرية، بذريعة دعمهم والوقوف مع مطالبهم، فقدمت لهم كل أنواع الدعم.

اهتمام النظام التركي للجماعات السورية المسمى بالمعارضة كان له غايات ومآرب أخرى، حيث انطلت عليهم أساليبه المختلفة، استخدم معهم الخطاب الديني تارة، والإنساني تارة أخرى، وتغلغلت الاستخبارات التركية ” الميت ” بينهم، ونخرت في فكرهم الهش، ليتحولوا فيمها بعد، كما اليوم، كحجر الشطرنج بيد أردوغان يحركهم كيفما أشاء، تلك الجماعات قبل التدخل التركي كادت أن تصل إلى القصر الرئاسي في دمشق، لكن تغير مسار “ثورتهم” كليا وباتوا ينفذون أجندات تركيا أينما كانت، داخل الجغرافية السورية أو خارجها.

أردوغان استطاع أن يخدم النظام السوري بشكل مباشر، فعندما أجبر جماعاته المسلحة بالتخلي عن المناطق الكثيرة التي سيطروا عليها في بداية الربيع السوري

حينها لم يكن يعلم كل الذين وضعوا يدهم بيد أردوغان وسلموه رقابهم بأن أن هدفه هو شيء أخر، فكان هدفه مشروع مختلف تماما عما يحلم به الشعب السوري. اليوم وبعد 11 عاما من الدمار السوري بات واضحا ما يريده النظام التركي، عندما استقبل اللاجئين السوريين وفتح حدوده أمامهم، كانت ذريعة أردوغان حينها ذو طابع إنساني بحت، لكن اليوم وبعد حديث النظام التركي المتكرر عن ترحيل السوريين وزعمه إنشاء “المنطقة الآمنة” حينها فقط يظهر جليا ما تطمح إليه تركيا. فعندما يقوم بتوطين عائلات المرتزقة في غير مناطقهم الأصلية ، وعندما يقوم بترحيل الجماعات المسلحة مع عائلاتهم من مناطقهم الأصلية صوب المناطق الكردية بشكل خاص والشريط الحدودي عامة، فهو يهدف إلى خلق تغيير ديمغرافي في المنطقة , فالمستوطنون المتواجدون في أرياف حلب واعزاز وعفرين شاهدون على ذلك،

للمرة الثانية خلال هذا الشهر رحلت تركيا دفعتين من السوريين وأسكنتهم في كري سبي، وغالبية هؤلاء من الغوطة الشرقية وحماه وحلب وحمص، ولم يكن بينهم عائلة من مدينة كري سبي تل أبيض، لكن ومن أجل ألا نفكر بأن التغيير الديمغرافي يبدأ من هاتين الرحلتين , لذلك يجب الا ننس بأن هذا المخطط بدأ من عفرين، نجحت أنقرة هناك إلى حدا ما من تغيير المدينة وقراها فاليوم بعد احتلالها لم يبق من سكانها الأصليين سوى 25 بالمية حسب الأرقام التي أصدرتها عدة جهات ومراكز إعلامية “كمنظمة حقوق الإنسان عفرين سوريا”

ففي عفرين وحدها قامت بإنشاء العشرات من مستوطنات لتوطين المستوطنين العرب السوريين والفلسطينيين وكذلك الكثير من العائلات الكردية الأصلية التي نهبت منهم بيوتهم وسلبت أرضهم، هذه المستوطنات تبنيها تركيا بغطاء انساني وبدعم مباشر أخواني ودول خليجية كقطر والكويت. تركيا بخطواتها هذه تبدو واضحة الأهداف والمطامع، تركيا ترغب بتغيير جغرافية وهوية المناطق الكردية، تركيا تحاول محو تلك المناطق الكردية من جذورها، ومن أجل ذلك عمدت وتعمد إلى اتباع سياسة الأرض المحروقة في عفرين، لذلك وطنت كل هؤلاء في تلك المنطقة ومن أجل ذلك سرقت آثار عفرين وكل معالمها الكردية،

دعوة أردوغان الأخيرة بإعادة مليون سوري وتوطينهم في سوريا ليس الهدف منها ارجاع المهجرين إلى مناطقهم التي خرجوا منها ، أنما الهدف تغيير ديمغرافية تلك المناطق ، وتغيير المعالم الأساسية والأصلية لتلك المناطق قبل الأزمة السورية ، تركيا تحاول بذلك إنشاء حزام عربي جديد على حدودها واقتلاع السكان الكرد في تلك المناطق ودفعهم لتهجير والتشتت في بلاد الله الواسعة

تركيا لا يهمها نظام الحكم في دمشق ولا يهمها ماذا جنت الجماعات المعارضة السياسية والعسكرية من ثمرات ما كانت تمسى ثورة ، تركيا لا يهما سوى مطامعها التوسعية في المنطقة حزامها العربي الذي تنشئه يخدم تلك الأهداف ، يخدم نواياها التي تهدف إلى احكام سيطرتها على الموصل وحلب وأجزاء من الشرق الأوسط وكذلك شمال أفريقيا ، تركيا تهدف بالعودة إلى حلم تحقيق الإمبراطورية العثمانية فقط ، على حساب من لا يهم ، وكيف سيتم تحقيق ذلك لا يهم ، ومن هم ضحايا مجازرها أيضا لا يهم ، تركيا تجعل الكرد في رأس المدفع وكل الحجج التي تقولها هي حجج واهية ، فالكرد وكردستان ووجود الكرد شعبا وتاريخا في مرمى النيران التركية وهذا صحيح ، لكن حلم الدولة العثمانية كبير جدا ويتجاوز الجميع .

، ونحن أمام هذا المشهد المأساوي في المناطق الكردية السورية بشكل خاص وسوريا والعالم عموما، نجد صمتا مريبا ومخيفا من دمشق وكأنها هي الأخرى توافق على ما تفعله تركيا في السوريين، حكومة دمشق وبعد أسابيع من إعلان أردوغان خطة للتغير الديمغرافي، نشرت بيانا كتابية عبرت عن رفضها الخجول وكأن الأمر لا يعنيها وكأن التغيير السكاني هذا وبهذا الشكل الفاضح يروق لها. فدمشق بنبرة صوتها الخافت هذا، توحي إلينا بأن نوجه إليها أصابع الاتهام والمشاركة أيضا، فماذا يعني هذا الصمت، وماذا يعني التقارير الإعلامية غير الرسمية التي تؤكد لقاءات استخباراتية بين الطرفين.

يضاف إلى قبول دمشق الصمت المريب للمجتمع الدولي بحكوماته ومنظماته الحقوقية والإنسانية

قد يكون الكرد هم أكثر الخاسرين في لعبة أردوغان هذه فهم الذين خسروا مرتين، مرة عندما احتلت مناطقهم في عفرين وسواها ومرة عندما وطن في ديارهم أناس وسكان لا ينتمون أبدا إلى تلك المناطق الكردية الأصيلة.

يضاف إلى قائمة الخاسرين دول الشرق الأوسط التي يطالها المشروع التركي فتركيا لن تكتفي بسوريا ، فها هي العراق في مرمي نيرانها وليبيا واليمن وربما بلدان أخرى ستضاف ، فالمشروع التركي كبير جدا .

زر الذهاب إلى الأعلى