تقارب النظامين التركي والسوري والضحية…..؟

تقارب النظامين التركي والسوري والضحية.....؟

 بعد أن وضع أردوغان ثقله منذ بداية الأزمة السورية لإسقاط النظام واحتلال الشمال السوري وابتزاز الغرب بملف المهاجرين بات اليوم يجني ثمار فشله ليعلن رغبته في عودة العلاقات الدبلوماسية والسياسية مع النظام السوري على غرار عودة علاقاته مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية وحالياً مع مصر، أما النظام السوري المعزول دولياً  والذي يرغب في إبرام صفقة مع تركيا في الشمال السوري التي تعج بالتنظيمات الإرهابية وتسيطر على المعابر الأساسية مع دولة الاحتلال التركي.

فكِلا الطرفين يعاني من أزمة سياسية واقتصادية  ويؤثر عليهما. فالنظام التركي مع فشله في الحصول على الضوء الأخضر ونجاح مشروع الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا وانسداد الطرق تجاه أطماعها الاستعمارية “الميثاق الملي” في الشمال السوري وأزمة اللاجئين وانعكاسها السلبي على الحزب الحاكم خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية، وكخطوة استباقية من النظام التركي لإفراغ برنامج المعارضة التركية اتجه نحو إعادة العلاقة مع النظام السوري، يضاف إلى ذلك رغبته بإدخال الشركات التركية إلى سوريا للسيطرة على السوق السورية وجعلها سوقاً لتصريف منتجاتها على غرار باشور كردستان. أما النظام السوري فهو أيضاً يعاني من أزمة سياسية واقتصادية وعقوبات غربية وإن عودة العلاقات مع تركيا قد يدعم النظام سياسياً واقتصادياً وعسكرياً لكن على حساب الشعب السوري من خلال التطبيع والسيطرة على المعابر وطريق M4 والتعاون عسكرياً واستخباراتيا لمحاربة الإدارة الذاتية، لذا فإن عودة العلاقة مع تركيا قد يخدم مصالحه داخلياً وخارجياً.

على الرغم من توجه النظام التركي نحو دمشق  وبضغط روسي وإيراني دليل على فشل سياسة أردوغان تجاه الأزمة السورية، إلا أن عودة العلاقات بين الطرفين مرتبط إلى حدٍ كبير بموافقة الولايات المتحدة فالأخيرة هي التي تقف في وجه أي محاولة روسية لشن عملية عسكرية واسعة على إدلب، كما أن العقوبات الغربية على النظام السوري تمنع تركيا من إعادة علاقتها أو التطبيع مع النظام السوري. إلا أن مخاوف أردوغان من الهزيمة في الانتخابات المقبلة ومن ثم ملاحقته قضائياً حول ملفات الفساد قد يجعله يتخذ خطوات غير محسوبة النتائج على المدى القريب مع الولايات المتحدة في التقرب مع النظام السوري لحل ملف اللاجئين ومحاربة الإدارة الذاتية بعد فشل مشروعه بتشكيل منطقة آمنة لإعادة اللاجئين وعدم حصوله على الضوء الأخضر لاحتلال المزيد من الأراضي السورية في محاولة منه التأثير على الداخل التركي لتقوية مكانته للفوز بالانتخابات الرئاسية.

  • الهدف الروسي من تقارب النظامين:

روسيا صاحبة مشروع التقارب بين النظامين، فبغض النظر عن أهدافها ومطامعها في سوريا “بناء قواعد عسكرية والسيطرة على مقدرات البلاد مع الحفاظ على النظام” فمنذ تدخلها العسكري تريد انهاء هذه الأزمة شريطة عودة النظام والسيطرة على كامل الجغرافية السورية تحت حكم مركزي رافضة لأي تغيير في نظام الحكم. وبما أن تركيا تحتل الأجزاء الشمالية من سوريا وتتحكم بالفصائل الإرهابية فإن أي اتفاق بين النظامين التركي والسوري سيخفف الضغط الاقتصادي والعسكري عليها وتقوية الموقف الروسي في إيجاد حل حسب رؤيتها بما يتوافق وأطماعها في سوريا، وتضعف الموقف الأمريكي الذي يطالب بحل الأزمة السورية وفق القرار الدولي 2254 وقد يؤدي بها إلى الانسحاب من سوريا، هذا إلى جانب كسر العقوبات الغربية على النظام السوري “قانون قيصر” والتوجه نحو التطبيع. فنجاح روسيا بإعادة العلاقة بين النظامين والذي قد يؤدي إلى صياغة دستور جديد يتناسب مع أهداف وأطماع جميع الأطراف “روسيا، تركيا، إيران، النظام السوري” ويجعل من تركيا أكثر ارتباطاً بروسيا خاصة في ظل الصراع الغربي الروسي، وتزيد الفجوة بين تركيا وحلفائها الغربيين خاصة أن تركيا لم تشارك في العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عليها بعد عملياتها العسكرية في أوكرانيا. لذا فإن روسيا تضع كل ثقلها للضغط على تركيا مستغلة تدهور الأوضاع الاقتصادية في تركيا واستغلال نجاح مشروع الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا في إجبار تركيا لفتح صفحة جديدة مع النظام والتي من شأنها تغيير قواعد اللعبة في سوريا.

  • موقف الولايات المتحدة الأمريكية من تقارب النظامين:

على الرغم من ضبابية السياسة الأمريكية تجاه الأزمة السورية في بعض الأحيان إلا أن الواضح من السياسة الأمريكية بأن لا حل سياسي للأزمة السورية من دونها. ففي ظل العقوبات الأمريكية على النظام السوري لا يمكن لأي دولة تطبيع علاقتها معه، مما يشكل عائقاً كبيراً أمام النظام التركي في التقرب من النظام السوري. إلا أن الأهمية الجيوسياسة لتركيا في صراعها القائم مع روسيا  يجعل من الموقف الأمريكي لا يرتقي لمستوى مخاطر التقارب الروسي التركي وتوجه الأخير نحو النظام السوري، إلا أنها لن تقبل بتغيير قواعد اللعبة في سوريا، فالولايات المتحدة حتى الآن لا تريد التصعيد ضد تركيا والتي ستخدم روسيا بالدرجة الأولى، لكن قد تكون للولايات المتحدة توجه مغاير يردم الهوة مع تركيا ويخدم مصالح جميع الأطراف “حلفاء وشركاء الولايات المتحدة” وذلك من خلال إيجاد صيغة توافقية بين تركيا والإدارة الذاتية  وإعادة هيكلة مناطق ما يسمى بالمعارضة بما يتوافق مع الإدارة الذاتية التي أثبتت نجاحها في محاربة الإرهاب وإدارة مناطقها اقتصادياً وأمنياً، بدلاً من توجه النظام التركي نحو النظام السوري.

  • الضحية من هذا التقارب.

لا يخفى أن هكذا تفاهم في حال دخوله حيز التنفيذ  وعودة العلاقات بين الطرفين يهدف إلى محاربة الإدارة الذاتية ومشروعها الديمقراطي، إلا أن الضحية هي الشعوب التي تقطن مناطق الاحتلال التركي والنازحين والمهاجرين الذين فروا من مناطقهم بموجب صفقات بين ضامني آستانة وموافقة النظام ووثقوا بالنظام التركي والآن تخشى تلك الشعوب من قيام النظام التركي بتسليمهم للنظام السوري مرة أخرى “مالم يفعله النظام فعلته تركيا” بعد كل الدمار والأرواح التي زهقت جراء التدخل التركي في الأزمة السورية من خلال إرسال المهجرين إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام “حلب، حمص، دمشق” كمرحلة أولى، وتسليم ملفات الكثير من الأسر سواء الذين وقفوا ضد النظام في الشمال السوري أو الذين تم ترحيلهم بوساطة “باصات الخضر”  إلى النظام السوري. حتى إن الفصائل المسلحة ستكون ضحية هذا الاتفاق وخوفهم من أن يلاقوا مصير المقدم حسين هرموش إثر صفقة بين النظامين التركي والسوري لذا نشاهد انشقاقات وخلافات ضمن الفصائل المسلحة، إلا أن تحول تلك الفصائل إلى مرتزقة يتحتم عليهم تنفيذ الأجندة التركية مهما كانت تداعياتها سلبية على الشعب القاطن في مناطقهم والذين عانوا من ويلات الحرب. أما بالنسبة لما يسمى بالائتلاف السوري المعارض فهم أدوات بيد أردوغان ولا يمكن لهم اعتراض أو حتى مناقشة الساسة الأتراك ولا يملكون أي سلطة على أرض الواقع، لذا فهم يبررون المواقف التركية وتقديم الحجج الواهية لتهدئة الشارع، وللحفاظ على مصالحهم وامتيازاتهم في تركيا. وبالتالي هناك فجوة كبيرة بين من يسيطر على مقاليد السلطة سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وبين الشعوب القاطنة في مناطق الاحتلال التركي التي تعاني من سوء المعيشة والضحية الوحيدة هي شعوب المنطقة بالدرجة الأولى الذين أصبحوا سلعة بيد الساسة الأتراك للفوز في الانتخابات التركية فأردوغان يحاول من خلال اجتماعات رئيسي استخبارات النظامين “علي مملوك وحقان فيدان ” للوصول إلى تفاهمات جديدة من بينها محاربة الإدارة الذاتية بشكل مباشر وترحيل اللاجئين إلى سوريا “سواء نحو المناطق المحتلة أو نحو الداخل السوري في حال موافقة الروس والإيرانيين على ذلك” أو من خلال ترحيلهم بشكل قسري لكسب ورقة جديدة من أجل الفوز بالانتخابات، علماً أن المعارضة التركية وضعت خطة للاجئين السوريين والتي تستمر لعامين لترحيلهم إلى سوريا. فالضحية من عودة العلاقات بين النظامين الفاشيين هي الإدارة الذاتية والشعوب القاطنة في مناطق الاحتلال التركي واللاجئين في تركيا، إلا أن الفرق يكمن في أن الأولى تملك قوة عسكرية تعمل على حماية شعوبها والمتمثلة بقوات سوريا الديمقراطية شريكة الولايات المتحدة في محاربة الإرهاب وتتخذ من مبدأ الدفاع المشروع كاستراتيجية عسكرية ضد القوى الساعية لاحتلال المنطقة وإدارة سياسية “مسد” تطالب بحقوق شعوب مناطقهم سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، أما الثانية فهي واقعة بين نارين خيانة سلطتهم السياسية والعسكرية” الائتلاف السوري والجيش الوطني” لهم، وخيانة النظام التركي.

بلا شك إن الصراع القائم بين المعسكر الغربي والمعسكر الروسي سيلقي بظلاله على الأزمة السورية أيضاً فكلا المعسكرين لديهم أهداف واستراتيجية معينة يهدف لتحقيقها، فروسيا تحاول إحداث خرق في قواعد اللعبة السورية من خلال التقارب النظامين التركي والسوري والولايات المتحدة ترفض بشكل مبدئي أي اتفاق بين النظامين من شأنه تغيير قواعد اللعبة في الأزمة السورية وتنعكس سلباً عليها. وفي هذه الحالة لن يحدث أي تقارب بين النظامين التركي والسوري ما لم ينتهي الصراع الغربي الروسي، إلا أن ترحيل اللاجئين من تركيا إلى المناطق المسماة بالآمنة أو مناطق سيطرة النظام سيستمر وبوتيرة عالية مع اقتراب موعد الانتخابات التركية، ويبقى مصير الشعوب الواقعة تحت رحمة مرتزقة الأتراك مرهون بمصير عودة العلاقة بين النظامين التركي والسوري.

ويبدو أن مستقبل شعوب تلك المناطق يكمن في الاستمرار بالمظاهرات المناهضة للخيانة التركية ومرتزقتها من السياسيين والعسكريين في الائتلاف السوري والاصطفاف مع إدارة قادرة على حمايتهم وذلك من خلال التوجه نحو ثورة مضادة ضد الخونة الذين يتاجرون بهم للحفاظ على مصالحها والتي ترى بأن الشعب مذنب يستحق العقاب لضمان بقاء الشعب تحت سلطة القوى التي تعد نفسها المحرك الرئيسي للثورة.

زر الذهاب إلى الأعلى