أحداث منبج الأخيرة بين التأويل والتصحيح

علي الجاسم/ منبج

تصدر الحراك الشعبي في منبج مؤخراً وما نجم عنه من فوضى عارمة من جهة وتقديم مطالبات شعبية مشروعة من جهة أخرى كحدث استثنائي منذ تحرير منبج من مرتزقة داعش الإرهابي فأنه من المؤكد لن يمر مرور الكرام على مختلف الصعد بل لا نبالغ إذا قلنا إن هذا الحراك الشعبي بعث بالعديد من الرسائل المتنوعة سواء فيما يخص المجتمع أو بالنسبة للإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا.

الرسالة الأولى: سد الهوة

إن المتتبع للأزمة السورية منذ اندلاعها بسوريا في شهر آذار/ مارس من عام 2011م سيجد العديد من الإشارات إلى أن قطبي الصراع السوري حاولا استخدام مسألة العشائرية أو الطائفية كأحد الأوراق للضغط على الطرف الآخر. وبدأت حكومة دمشق استمالة العشائر لا سيما العربية منها خوفاً من استفادة مرتزقة الائتلاف في استثمارها لهم والانقلاب عليه أو العكس من قبل حكومة دمشق وهو ما حدث بين فترة وأخرى إلا أن غالبية العشائر السورية أدركت أن كلا الطرفين قد دمرا البلد في صراع هامشي لا يمس جوهر المطالب العشائرية في البحث عن حياة مستقرة آمنة بينما أعياها الواقع الاقتصادي المؤلم. وأدركت العشائر كثرة الخسائر في سوريا أن طرفي الصراع بحربهما العشواء قد طالت البشر والحجر والشجر بعدما أضحى كرة تلج متدحرجة تطال كل من يقف أمامها في حين أثبت أن لا مناص من الوقوف مع مشروع الأمة الديمقراطية الذي اتخذ موقف الفريق الثالث وهذا انعكس من خلال اتساع القاعدة الشعبية المطالبة بضرورة إلقاء السلاح والجلوس إلى طاولة المفاوضات والقبول بتسوية سياسية لجميع الأطراف.

ولا شك أن الأمن والاستقرار الذي شهدته مدينة منبج منذ التحرير في سنواته الخمس ولعبت العشائر دوراً كبيراً في تحقيقه أثر انضمام أبنائها في صفوف قوات مجلس منبج العسكري وساهموا بصناعة النصر في تاريخ 15/8/2016م. وصاحب تأسيس الإدارة المدنية الديمقراطية التي انبثقت من الأوساط المحلية لمختلف المكونات وعملوا مع بعضهم البعض في النهوض بعملية البناء والتطوير والازدهار.

إن الأحداث الأخيرة في منبج ما كان لها أن تحدث وتتطور إلى فوضى عارمة راح ضحيتها بعض المدنيين والمصابين لولا حدوث ثقب اجتماعي بين جسم الإدارة الذاتية الديمقراطية وبين اللحمة الشعبية العشائرية إذ تسربت من خلاله أجندة وسموم الجهات المعادية التي باتت تدرك لو استمر مشروع الأمة الديمقراطية سوف يهدد وجودهم ويبتلع بطريقه كافة الزعامات بما فيها الأنظمة الحاكمة.

ومن هذا المنطلق، فأن بقاء هذا الثقب مفتوحاً على مصرعيه سيعرض الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا للتهديد والخطر خاصة أن الجهات المعادية تكيل المؤامرات وتتحين الفرص للتدخل وزعزعة الأمن والاستقرار لبث الخطاب الطائفي العشائري الذي إن اتسع سيكون من الصعوبة إغلاقه فيما بعد. وهذا ما يترتب عليها أن تخطو خطوات ملموسة تجاه ذلك وفق الآتي:

1-عقد مؤتمر موسع للعشائر كافة بمناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا يهدف لتعزيز موقفها بالانخراط ضمن الشرائح الاجتماعية المختلفة.

2-إجراء ميثاق وطني على هيئة ورقة عمل بحضور كافة وجهاء وشيوخ عشائر مناطق الإدارة الذاتية تكون بمثابة تعهد منهم لضمان الحفاظ على أمن واستقرار مناطق شمال وشرق سوريا من أي خطر يهدد تماسك المجتمع.

الرسالة الثانية: السقوط إلى الأعلى

من المثير للانتباه أن الأحداث الأخيرة التي جرت في منبج كانت طالبت بعدد من المطالب المشروعة من الإدارة الذاتية في منبج، وأثيرت في الآونة الأخيرة أزمات مختلفة طالت الخدمات الاجتماعية من مثل نقص في مواد المحروقات والإسمنت وتحسين جودة الخبز. وعلى الرغم ان هذه الخدمات يشوبها الكثير من الأخطاء والنقائص المحقة إلا أن الخطاب التحريضي في الصفحات الافتراضية على الفايسبوك وصل ذروته واستغل ذلك المحرضون الذين يقبعون خارج منبج بحسب رأي الكثير من المتابعين.

كان بالإمكان حل المطالب الشعبية المشروعة عن طريق الحوار أو التعبير عنها بالشارع بطرق حضارية كالتي يعبر عنها منظمو المظاهرات في أوروبا المطالبين بالإصلاح بالاستلقاء على الإسفلت أو لابسين فانيلا تحوي كتابات وشعارات يرغبون بإيصالها إلى الجهات المختصة دون أي أعمال شغب وصخب أو أن تصل إلى مرحلة من مراحل التطاول على الأملاك العامة أو الخاصة كما حدث في بدايات الثورة السورية.

افتقدت الاحتجاجات الشعبية الأخيرة في منبج إلى التوجيه الحقيقي أو القدوة الحسنة التي من شأنها إيصال شكواهم حول قصور أداء الخدمات الاجتماعية أو على ما سموه رداً على حملات التجنيد التي قام بها الدفاع الذاتي في منبج مؤخراً بالشكل الأمثل. وفي سياق تسلسل الأحداث فقد خرج بعض من الصبيان ممن يحملون العصي والحجارة بالساحة العامة الواقعة وسط منبج, وطالبوا حينئذ بإلغاء حملة التجنيد التي قام بها مكتب الدفاع فوراً ورافق ذلك التعدي على بعض الأملاك العامة بالإضافة إلى أعمال شغب طالت سبعين كاميرا في عدد من الأماكن المختلفة تابعة لقوى الأمن الداخلي في منبج وتكسير بعض الآرمات/ واجهات محل، إلى جانب التعدي والتطاول على أفراد من قوى الأمن الداخلي.

نجحت الإدارة الذاتية في منبج بطي صفحة الأحداث الأخيرة من خلال اجتماعات متواصلة مع وجهاء وشيوخ عشائر في منبج تمخضت عنها عدة مخرجات كان على رأسها إيقاف حملة التجنيد ورعاية المصابين في المشافي الخاصة حتى تماثلهم للشفاء بالإضافة إلى تعويض ذوي الشهداء عبر دفع الدية لهم إلا أن هذه الصفحة لم تمنع من وجود العديد من النقاط الهامة وفق ما يلي:

1-كان السبب الرئيس لخروج المظاهرات الشعبية حملة الدفاع الذاتي التي شملت سوق بعض الشباب للخدمة الإلزامية الأمر الذي خلق ردة فعل سلبية من السكان تجاه ذلك، وما كان ذلك ليحدث لو أن المجتمع عرف أهمية الدفاع الذاتي وضرورة وجوده في الحفاظ على مكتسبات الإدارة الذاتية وأملاك العامة والخاصة في حين أن القصور ناجم عن ضعف بعمل الأكاديميات في قدرتها على توضيح مفاهيم الدفاع الذاتي حتى يتسنى للشعب قبوله برضا وطواعية.

2-كانت الإدارة الذاتية قد باشرت سعيها بتحسين الخدمات الاجتماعية من محروقات وإسمنت وخبز فأنها أيضاً في ذات الوقت لم تكن على مستوى جدوى اقتصادية شاملة ستبقى آثارها إسعافية سرعان ما سيتجدد ذلك القصور من جديد. ونعني بالجدوى الاقتصادية دراسة حاجات كل منطقة من الخدمات المنوعة وتوفيرها من خلال مشاريع تعتمد على نظام الكوبراتيف حيث تقدم الإدارة الذاتية كافة التسهيلات لاحتواء النقائص بدل من التخبط في إيجاد الإجراء الذي من المفترض أن يحل المشكلة بشكل مؤقت بينما ينبغي البحث عن تفعيل وزيادة الفاعلية بالإنتاج ومن ذلك افتتاح معمل غاز ثان يغطي كافة الاحتياجات بمناطق الداخل أو افتتاح معمل لصناعة الخميرة لسد حاجة المخابز مما يحد من استيرادها من تركيا بدل البحث عن إجراء جديد غير مجد.

3-استحداث مراكز للأبحاث والدراسات الاجتماعية تابعة للمجلس التشريعي العام يعمل على بلورة القوانين والتشريعات على ضوء ارتباطها بالواقع مما يساعد يؤدي أن تكون دقيقة ومدروسة فضلاً إلى تجنب الشطط والخطأ وهو الأمر الذي كلف الإدارة الذاتية الوقوع في مغبة اعتراضات واسعة بدأت مع قرار رفع أسعار المحروقات وليس آخرها إيقاف حملة التجنيد في منبج في ظل الاحتجاجات الشعبية ورفضها له بتاتاً.

زر الذهاب إلى الأعلى