تركيا أردوغان…اللعب على الحبال

تحمل المستجدات الأخيرة في السياسة الخارجية التركية حيال الائتلاف السوري، مؤشرات تفصح عن السياسة التركية في مُقبل الأيام، فالتغييرات التي أمرت بها الاستخبارات التركية، داخل الائتلاف مؤخراً، ترتبط بالتحولات الحاصلة في السياسة التركية الإقليمية، حيال دول المنطقة ومحاولاتها في إعادة مسار العلاقات مع الدول العربية وبالذات مع السعودية ومصر إلى مجراها الطبيعي بالإضافة إلى أرمينيا.

إن حاجة النظام السياسي التركي للدعم الخارجي بعد سلسلة الأزمات الاقتصادية الداخلية وتأثيراتها التي تشكل تهديدات جدية على مصير الائتلاف الحاكم في تركيا والمتمثل في حزب العدالة والتنمية والحركة القومية، دفع بتركيا للقيام بإجراءات لإعادة غربلة الأدوات التي تستخدمها وتمتلكها في السياسة الخارجية كالإئتلاف السوري وجماعة الإخوان المسلمين المصنفة على لوائح الإرهاب لدى دول الخليج.

فعملية الهيكلة التي جرت داخل الائتلاف السوري، وتحجيم شكلي لدور الإخوان، كانت رسائل مباشرة من تركيا إلى مصر والسعودية والإمارات تشير فيها كما لو أنها تتخلى عن النهج المعارض لهذه الدول والتدخل في شؤونها.

 وعلى الرغم من تصريح رئيس الائتلاف “سالم المسلط” بأن الإجراءات التي اتخذت كان بقرار داخلي من الائتلاف،  ورسائل حسن النوايا لبعض الأطراف، في التخلي التدريجي عن تشكيلات وقطاعات عاملة تحت مظلة الإخوان المسلمين وتقليص التواجد الإخواني داخل الائتلاف وعلى رأسها حركة العمل الوطني من أجل سوريا والتي تُعتبر من التيارات النافذة ضمن جماعة إخوان المسلمين، وإحكام القبضة الأمنية على القنوات الإعلامية التابعة للإخوان المسلمين والتي تقوم بالتشهير ضد نظام عبد الفتاح السيسي في مصر، بالإضافة إلى تسليم ملف الصحفي السعودي جمال خاشقجي إلى السلطات الأمنية السعودية، كما و منحت تركيا للمجلس الوطني الكردي (انكسي)  حيزاً واسعاً داخل الائتلاف من خلال زيادة عدد مقاعد أعضائه داخل الائتلاف، وذلك يعتبر إشارات هامة مُرسلة إلى النظام السوري، حول إمكانية الاتفاق وإعادة العلاقات ، ومحاربة الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، والتي هي من الأهداف الرئيسية للسياسة الخارجية التركية.

وتأسيساً على ذلك، فلتركيا دوافع عديدة من وراء ذلك:

1ـ المنفعة الاقتصادية من خلال عقد اتفاقيات مع هذه الدول وإن نجحت هذه المحاولات فقد تخفف من الأزمات التي تعصف بالقطاعات المالية والكهربائية والأسواق، وكسب ثقة الشارع التركي مجددا.ً

2ـ كسب التأييد العربي والدولي في احتلالها للمناطق الواقعة في الشمال السوري، من خلال إبعاد حركة العمل الوطني من أجل سوريا الإخوانية، والحصول على دعم مالي بحجة تحسين الأوضاع في هذه المناطق لتثبيت نفوذها على المدى الطويل في الشمال المحتل.  

3ـ تعزيز دور المجلس الوطني الكردي (الذي أفلس شعبيا لدى الكرد) وحركة المستقلين الكرد (التي تشكلت من قبل الاستخبارات التركية بشكل مباشر) وكل ذلك يصب في صالح عمليات التغيير الديمغرافي، وجرائم الحرب التي ترتكبها في المناطق الكردية، ومحاولة لإقناع الدول بوقوف الكرد إلى جانبها في سوريا.

4ـ الاستفادة من الطاقة المكتشفة في شرق المتوسط، ولتمكين ذلك، لا بد من تحسين العلاقات مع إسرائيل ومصر واليونان، فبدون الاستدارة نحو هذه الدول لا تستطيع تركيا الاستحواذ بشكل آمن وطويل الأمد على الثروات في المتوسط، لاسيما وأنها أبدت رفضها القاطع في يناير من عام 2020 للاتفاقية الثلاثية بين قبرص واليونان وإسرائيل، والمعروفة بـ “إيست ميد” والتي ستغذي أوربا بالغاز من شرق المتوسط بالإضافة إلى الاتفاقية الموقعة بين الحكومة الليبية الإخوانية وتركيا في نهاية عام 2019 للتنقيب عن الغاز والنفط في السواحل الليبية، والمعروفة باتفاقية “ترسيم الحدود البحرية” ، فمن دون الموافقة المصرية والإسرائيلية وحتى قبرص اليونانية المعارضين لتلك الاتفاقية لا تستطيع تركيا تحقيق ما مشاريعها الاستعمارية في البحر المتوسط وشمال أفريقيا.

فالتحولات والتقلبات الحاصلة في السياسة الخارجية التركية، هي تحضير لمرحلة ما بعد انتهاء مدة معاهدة “لوزان” في العام المقبل، ولكون حزب العدالة والتنمية يحلم بتأسيس عهد جديد لإرساء أرضية إسلاموية فاشية طويلة الأمد، فالتدخلات والاحتلالات التي حصلت خلال سنوات الماضية في مختلف الدول، وإجراء التعديلات الدستورية والبرلمانية وتغيير شكل الحكم من برلماني الى رئاسي، يوضح جليا بأن ما يجري داخلياً وخارجياً من قبل النظام التركي الحالي، هي محاولة لتأسيس عهد استراتيجي جديد في تاريخ الدولة التركية تقوم على المزيد من الاحتلالات، والمزيد من الإبادات بحق الشعوب التي أضطهدت على مدى سنوات وجود دولة تركيا ككيان وجسم غريب في المنطقة.  

زر الذهاب إلى الأعلى