السياسة الفاشية التركية في المرحلة الراهنة

بعد فشل دولة الاحتلال التركي بالحصول على الضوء الأخضر في اجتياح مناطق جديدة من شمال وشرق سوريا، وبعد فشل مخطّطاتها في دير الزور لإشعال فتنة عربية كردية، وفي وقت تستمرّ فيه الاحتجاجات في السويداء والمطالبة بتشكيل إدارة ذاتية هناك، بات المشروع الديمقراطي الذي تنادي به الإدارة الذاتية لحلّ الأزمة السورية خطراً يهدّد مصالح اللجنة الرباعية ” تركيا وروسيا وإيران والنظام” فجميع هذه الدول تحاول إنهاء هذا المشروع بشتّى السبل؛ كونه يشكّل خطراً على أنظمتها الفاشية، وعلى مصالحها في سوريا والمنطقة.

لم تتوانَ دولة الاحتلال التركي في خلق حجج واهية وربط أي حدث داخلها بقوات سوريا الديمقراطية ومناطق الإدارة الذاتية، لضرب الإدارة الذاتية، وذلك لاعتبارات داخلية مرتبطة بوضعها الاقتصادي واقتراب موعد الانتخابات البلدية، وأخرى خارجية مرتبطة بالأوضاع الإقليمية المضطربة. إنّ القصف الهمجي التركي الذي تعرّضت له البنى التحتية لمناطق الإدارة الذاتية، وعدد الشهداء والمصابين المدنيين عدا العسكريين مؤشّر على فشل تركيا في تقويض الإدارة الذاتية أو إنهائها، أو حتى في خلق فتنة داخل مناطق الإدارة الذاتية.

الأهداف التركية من هجماتها البربرية على مناطق الإدارة الذاتية

1- التغطية على فشل سياستها الداخلية:

على الرغم من اتّباع النظام الشوفيني التركي سياسة أمنية متشدّدة، إلّا أنّ حركة التحرّر الكردستانية استطاعت خرق الأجهزة الأمنية في أكثر المناطق تحصّناً، حيث كانت رسالة قوية للنظام الشوفيني التركي للدلالة على قدرة الحركة للوصول إلى أكثر المناطق حساسية وأكثرها تحصّناً؛ نتيجة للسياسة التي انتهجها النظام التركي في الاعتقال الممنهَج لمناصري الحركة، ومحاولة إضعاف قاعدته الشعبية قُبَيل الانتخابات البلدية في تركيا.

فالنظام التركي الفاشي يدرك تماماً حجم وتأثير القاعدة الشعبية للحركة في الداخل التركي وتأثيرها على الأحزاب المعارضة للنظام، فأردوغان لم ينسَ خسارته لبلدية إسطنبول على يد حزب الشعوب الديمقراطي “حزب المساواة الديمقراطية للشعوب HEDEP” لذا يسعى إلى تقويض الحزب قُبَيل الانتخابات أو حتى السعي نحو إغلاق مكاتبه، فهو يحاول استعادة بلدية إسطنبول وأنقرة وإزمير من حزب الشعب الجمهوري المعارض. وضمن سياق الانتخابات يحاول أردوغان إعادة قاعدته الشعبية بعد تراجعها في السنوات الأخيرة؛ فربط تفجير أنقرة بالسوريين له مؤشّرات أخرى تتعلّق باللاجئين السوريين المقيمين في تركيا؛ فلاستعادة قاعدته الشعبية يحاول أردوغان استغلال ورقة اللاجئين داخلياً بعد فقدان أهميتها خارجياً، من خلال ربط أي تفجير بالسوريين لخلق ذرائع لتهجيرهم بشكل قسري إلى الشمال السوري المحتل، ونحو المستوطنات التي تمّ إنشاؤها في عفرين على وجه الخصوص.

أمّا من الناحية الاقتصادية، فبعد فشل سياسة أردوغان الداخلية، وعدم قدرته على وقف التدهور الاقتصادي وكبح جماح الانهيار المستمرّ لليرة التركية، باتت الأزمة الاقتصادية تشكّل تهديداً لنظامه الفاشي، ولأجل إشغال الداخل عملت المخابرات التركية على ربط تفجير أنقرة بالإدارة الذاتية، في إشارة إلى أنّ الدولة التركية مستهدَفة من قبل أطراف خارجية بغرض التأثير على الوضع الاقتصادي للبلاد.

2- خلق أزمة اقتصادية في مناطق الإدارة الذاتية

إنّ التطوّر الاقتصادي والاجتماعي والفكري والعسكري الذي تشهده مناطق الإدارة الذاتية رغم الحصار، كما أنّها أصبحت بمشروعها الديمقراطي تؤثّر على بقية المناطق السورية “احتجاجات السويداء التي تطالب بتشكيل إدارة ذاتية خاصة بها ” كحلّ لإنهاء الأزمة السورية، أمّا المناطق التي يسيطر عليها النظام والميليشيات الإيرانية وكذلك المناطق المحتلّة من قبل الاحتلال التركي في الشمال السوري فتشهد فلتاناً أمنياً وتدهوراً اقتصادياً، وفشل جميع محاولات اللجنة الرباعية “روسيا وتركيا وإيران والنظام” لإنهاء الإدارة الذاتية أو حتى تقويض مشروعها الديمقراطي، كل ذلك قد دفع دولة الاحتلال التركي وبضوء أخضر من اللجنة الرباعية لتنفيذ عدوانها الهمجي لضرب البنى التحتية لشمال وشرق سوريا “محطّات الكهرباء والماء والنفط والغاز” والمعامل والمصانع ومراكز قوى الأمن الداخلي “الأسايش” وغيرها من المناطق والمراكز الحيوية التي تشكّل عصب الحياة والأمن في مناطق الإدارة الذاتية. إنّ العدوان البربري التركي قد وضع الإدارة الذاتية أمام أزمة اقتصادية كبيرة؛ حيث وصلت قيمة الخسائر في البنى التحتية إلى أكثر من مليار دولار، وهي خسائر قد تفوق حتى قدرة بعض الدول على تعويضها ” تلك الأضرار لا تقلّ عن أضرار الكوارث الطبيعية التي ضربت سوريا وتركيا وليبيا والمغرب في الآونة الأخيرة ” هذه الخسائر ستؤثّر بالتأكيد على خطط الإدارة في تنفيذ برامجها التنموية التي كانت قد أعدّتها في المنطقة؛ لذلك تعمل دولة الاحتلال التركي على إيجاد حجج مهما كانت، وربطها بالإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا؛ لخلق ذريعة لضرب المنطقة وتدمير بنيتها الاقتصادية؛ بحيث يصبح وضعها الاقتصادي مشابهًا لمناطق الاحتلال التركي ومناطق النظام التي تعاني من أزمات اقتصادية.

3- إعادة إحياء داعش

لا يمكن فصل الوضع الاقتصادي عن الوضع الأمني؛ فكلاهما مرتبطان ببعضهما، فلا اقتصاد بدون أمن ولا أمن بدون اقتصاد، فالهدف التركي لا يقتصر على تدمير البنى التحتية الاقتصادية فحسب، فاستهداف مراكز تدريب قوى الأمن في مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا مؤشّر على نية دولة الاحتلال التركي في إضعاف حالة الاستقرار الأمني، وإشغال قوات سوريا الديمقراطية بالتصدّي لمحاولات مرتزقة ما يسمّى بالجيش الوطني التابع لتركيا في الجبهات الشمالية “كري سبي وسري كانيه ومنبج” عن محاربة الإرهاب وملاحقة خلايا داعش في المنطقة؛ وبالتالي منح تنظيم داعش فرصة للتحرّك وإعادة تجميع قواه في المنطقة لتنفيذ هجماته على مؤسّسات الإدارة الذاتية وعلى أماكن احتجاز عناصرها الإرهابيين، سواء في الحسكة أو قامشلو وغيرها من المناطق، أو حتى مخيّم “الهول” من أجل تحريرهم والبدء بإعادة تنظيمهم من جديد.

كما أنّ خلق أزمة اقتصادية وأمنية في المنطقة وخلق فتنة وبالتزامن مع قصف القواعد الأمريكية قد تمنح اللجنة الرباعية أوراق ضغط على الولايات المتحدة لإجبارها على الانسحاب من المنطقة، ومن ثم العمل على إنهاء مشروع الأمّة الديمقراطية التي تمثل الحلّ الأنسب للأزمة السورية؛ كما أنّ ذلك سيمكّن دولة الاحتلال التركي من إعادة احياء تنظيماتها الإرهابية – في مقدّمتها تنظيم داعش- وتحريكها لاستكمال مشروعها الاستعماري في المنطقة.

صمت المجتمع الدولي المُريب لا يقلّ ضرراً عن الهجمات البربرية التركية على المنطقة

المشكلة لا تكمن في العدوان التركي الهمجي على مناطق الإدارة الذاتية فحسب، فهذه الدولة الفاشية لديها مخطّط استعماري لاحتلال الشمال السوري، لذا فالمنطقة معرّضة في كلّ مكان وزمان للهمجية العثمانية الجديدة، بل المشكلة تكمن في المجتمع الدولي ذاته الذي يلتزم الصمت إزاء العدوان البربري التركي، فهذا الصمت لا يقلّ ضرراً عن العدوان التركي، بل يمنح أردوغان دافعاً للقيام بالمزيد من الهجمات البربرية على مناطق الإدارة الذاتية، وتفريغ المنطقة من أبنائها ودفعهم للهجرة.

إنَّ ازدواجية المعايير التي يقوم به المجتمع الدولي من خلال تحالفه مع قسد لمحاربة الإرهاب من جهة، وصمته تجاه العدوان التركي من جهة أخرى، قد تدفع تركيا إلى جرّ قوات سوريا الديمقراطية لتوسيع نطاق عملياتها العسكرية في الشمال السوري المحتلّ، كخطوة لإشغال قسد وفتح المجال للتنظيمات الإرهابية للعودة من جديد.

 إنّ المجتمع الدولي وبالأخصّ الدول الكبرى المنخرطة في الأزمة السورية معنية بوقف العدوان التركي، ومحاسبة النظام الفاشي التركي وإخراجه من الشمال السوري، كخطوة رئيسية لحلّ الأزمة السورية وإنهاء الإرهاب في المنطقة.

في هذا السياق، إنّ مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا أمام مرحلة جديدة عنوانها ضرب مشروع الأمّة الديمقراطية للإدارة الذاتية بكلّ السبل؛ لذا ستبقى مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا معرّضة للهجمات البربرية التركية وللمؤامرات التي تُحاك في الغرف المُظلِمة من قبل اللجنة الرباعية لضرب هذا المشروع. كما أنّ المجتمع الدولي تترتّب عليه مسؤولية محاسبة النظام التركي لارتكابه جرائم ضدّ الإنسانية؛ وإلّا فإنّ تركيا ستستمرّ في تدمير البنى التحتية، وستكون البنى التي يتم إصلاحها وإعادة إعمارها معرّضة مرّة أخرى للهجمات التركية؛ وبالتالي فإنّ الإدارة الذاتية أمام تحدّيات اقتصادية كبيرة، قد تكون فوق طاقتها لإعادة تشييدها وإعادتها إلى الخدمة كما كانت ما لم يتحمّل المجتمع الدولي مسؤوليته في تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، والضغط على النظام التركي لوقف هجماته البربرية على مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، ومنعها من خلق مناخ مناسب لتنظيم داعش الإرهابي لإحيائه من جديد.

زر الذهاب إلى الأعلى