مآلات تهافت النظامَين التركي والسوري على المصالحة
راكان شيخي
لا يخفى على أحد أنّ حكومة حزب العدالة والتنمية وبسبب وضعها الاقتصادي السيّء وانهيار الليرة التركية، وكذلك بسبب الإخفاقات العسكرية وفشل الدبلوماسية التركية مع العديد من الدول الإقليمية والدولية، قد أصبحت تلك الحكومة الآن في وضع عدم الاستقرار من جميع النواحي، لذا؛ تريد الهروب إلى الأمام والتوصّل إلى اتّفاق مع نظام الأسد، وجهود هذا التوجّه تتم بمساعدة روسيا، فالهدف منها هو تعميق التعاون الاستراتيجي بين البلدين وفتح باب الحوار مع النظام السوري، لأنّ الطرفين يريدان افتعال الفوضى في المنطقة وتغيير موازين القوى الدولية، ومن خلال هذا التوجّه، تريد حكومة أردوغان إنهاء العراقيل و الملفات التي تؤثّر على اقتصاد تركيا ودبلوماسيتها؛ وأوّلها إبرام صفقات، ودفع حكومة دمشق لمحاربة قوات سوريا الديمقراطية وإنهاء الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، على غرار ما حدث عام 1998، ومن ناحية ثانية القضاء على الفصائل السورية المسلّحة التابعة للاحتلال التركي؛ كفصائل تحرير الشام وأحرار الشرقية وفيلق الشام وفرقة السلطان سليمان شاه (العمشات) والسلطان مراد وفرقة الحمزات وغيرها، والتي أصبحت عبئاً على تركيا منذ توقّف حربها مع سوريا، ولم تعد هناك حاجة لوجودها بعد توقّف الحرب في قره باغ وليبيا وغيرها، حيث استخدمتها الدولة التركية في تلك المناطق. الهدف الثالث التركي من هذا التقارب هو قبول النظام السوري بعودة اللاجئين واستيطانهم في المناطق الكردية؛ وذلك من خلال إنشاء المستوطنات ومواصلة تغيير التركيبة السكانية وإحداث التغيير الديمغرافي للمنطقة.
إنّ هروب النظام التركي إلى الأمام وإصراره على عدم إيجاد أيّ حلّ للأسباب الحقيقية للأزمة التي يواجهها، إنّما سببه جملة من الأزمات التي يعيشها النظام التركي بسبب احتكاره للسلطة لأكثر من عقدين من الزمن، الأمر الذي جعله يفقد الشرعية السياسية والقانونية والأخلاقية.
فمن الملاحَظ أنّ التقارب التركي-السوري بعيد كلّ البعد عن الجهود الدولية لتنفيذ القرار 2254، الذي يشكّل قلقاً لدى الدول الغربية والإدارة الذاتية، كما يشكّل تخوّفًا لدى الأهالي في المناطق التي تحتلّها تركيا، والذين احتجّوا ضدّ هذا التقارب وضدّ فصائل المعارضة لارتباطها بالنظام التركي، وكونها هي المسؤولة عن كافة علاقات وجهود الدول الغربية من أجل وحدة مناطق الشمال الغربي والشمال الشرقي من سوريا، وإنشاء منطقتين اقتصاديتين ينجم عنهما هيكلية سياسية جديدة.
لذلك لا يقبل أبناء هذه المناطق أيّ تقارب مع النظام السوري بعيدًا عن القرارات الدولية؛ لأنّ عقلية النظام السوري لم تتغيّر وبقيت على حالها؛ ولهذا السبب وبعد تصريحات أردوغان ومسؤولي الحكومة التركية بشأن المصالحة مع نظام دمشق، أبدى الأهالي في عموم المناطق المحتلّة استياءهم ونزلوا إلى الشوارع وأحرقوا العلم التركي، حتى وصل الأمر إلى مستوى الحرب والمواجهة مع الجيش التركي، وهو ما أدّى لمقتل وإصابة العشرات. كما تأخذ مناطق الإدارة الذاتية هذا التقارب المحتمل بين النظامين على محمل الجدّ؛ حيث ترى أنّ الاتفاق المرتقَب بمثابة مؤامرة على الشعب السوري، وأنّه يُعدّ تنازلاً للاحتلال التركي عن المناطق ذات الأغلبية الكردية والتي احتلّتها القوات التركية قبل 6 سنوات.
وبالإضافة إلى الرفض الشعبي؛ هناك عدّة عراقيل ستحول دون حدوث تقارب جدّي بين النظامين التركي والسوري، أهمّها:
- تركيا تواجه عقبة كبيرة؛ فكيف ستقنع الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، بهذا الاتفاق وإعادة العلاقات مع النظام السوري. وكما هو معروف، فمن دون موافقة أمريكا لا يمكن تنفيذ الاتفاق مع النظام بأي شكل من الأشكال، كما أنّ العمل دون التنسيق معها سيجلب مخاطر كثيرة؛ أهمّها الإضرار بالعلاقات الاستراتيجية مع الدول الغربية.
- الموقف الإيراني: ترى طهران أنّ أي حلحلة للعلاقة بين تركيا والنظام السوري هو تراجع في نفوذها على الأراضي السورية، كما ترى في حدوث أي اتفاق نجاحاً دبلوماسياً لموسكو نتيجة التعاون في الملفات الأمنية والعسكرية والاقتصادية؛ وهذا بدوره يقلّل من نفوذ إيران في سوريا.
- التغيير الديمغرافي الذي أحدثه النظام التركي في المناطق المحتلّة: ففي حال حدوث اتفاق وعودة المهجّرين (الذين شرّدتهم تركيا) إلى ديارهم، فإنّ ذلك – بالتأكيد – سيتسبّب في حدوث صراع ومواجهة بينهم وبين المستوطنين المنتمين إلى الجماعات المسلّحة المحسوبة على تركيا، لذلك يعارض هؤلاء المستوطنين أي اتّفاق محتمَل بين الطرفين.
للأسباب آنفة الذكر؛ فإنّ أي تقارب بين النظامين السوري والتركي – وإن حدث – فإنّه لن يغيّر شيئًا على أرض الواقع، ولن تتجاوز المسألة فتح طرق التجارة واستعادة العلاقات الدبلوماسية، لأنّ كلا النظامين يعيشان أزمات اقتصادية وسياسية وعسكرية ودبلوماسية، وخاصة الحكومة السورية التي تعاني انهياراً اقتصادياً، وبنية تحتية منهارة؛ حيث يعيش ما يقارب 90% من الشعب السوري تحت خط الفقر، كما أنّ حلفاءها (إيران وروسيا) وبسبب انشغالهما بالحروب والأزمات الداخلية والعقوبات، لا يستطيعان تقديم المساعدة لها، ومن جهة أخرى؛ لا يملك النظام القدرة على حماية حدوده وسدّ الفجوة التي ستتركها تركيا في حال انسحابها من الأراضي المحتلّة.
بطبيعة الحال؛ فإنّ الحلّ السياسي في سوريا على أساس اللامركزية هو السبيل الوحيد الذي يحقّق مصالح جميع الأطراف ذات الصلة بالشأن السوري وفقا للقرار الدولي 2254، وبما يحمي سلامة سوريا واستقرارها وسيادتها، ويحقّق رغبات شعبها في العيش المشترك، وينقذها من الإرهاب والإرهابيين ويضمن عودة اللاجئين إلى مناطقهم سالمين.